للإصلاح كلمة علي هامش الملحمة الإسلامية والأخلاقية بين الرئيس جميل والإمام عبد الله أمين / محمدّو بن البار

كلمة الإصلاح تريد الآن أن تفصل ما أجملته الحلقة الأولي من الاجتهاد في قضايا الحركات الإسلامية والحكومات الإسلامية لتضع النقاط علي الحروف كما أراها الله  ، ففي الحلقة الأولي أشارت إلي تزكية هذين الداعيين لأنهما في نظرها فعلا بإخلاص ما في وسعهما فنرجو لهم من الله الجزاء الأوفى ، أما الإشارات الأخرى فمنها موقف رؤساء الحكومات الإسلامية الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر وقد مكن الله لهم في الأرض ولا يقيمون حدوده فوقها ، الإشارة الثانية علي أن ما دام الرسل الذين ينزل عليهم الوحي يخطئون في اجتهادهم قبل نزول الوحي فينزل الوحي بتوجيههم فمن باب أولي الحركات الإسلامية ونظرياتهم في الإسلام ، فالمنتقدون لما تقوم به الحركات لم يلاحظوا أن الشيطان يجلب علي كل إنسان بخيله ورجله ولاسيما المسلمين ليصدهم عن الصراط المستقيم ، وهذا في نظري هو ما يقوم به الشيطان في كل حركة وما يفعله مع كل حكومة إسلامية لا ينفذ قادتها بعد التمكين لهم في الأرض حدود الله مع يقينهم أنهم سيرجعون إليه.

وبناء علي كل هذه الإشارات فسأحاول الرجوع بالقلم إلي ما تقتضيه الطريق المستقيم الوحيد التي علي كل مسلم أن يسلكها سواء كان حركة أو حكومة ما داما يوقنان بلقاء الله بعد موتهما مباشرة ، ومتيقنا كذلك أن أمامه عند الله كتاب لا يغادر صغيرة من تفكير أو قول أو فعل إلا أحصاها ، وأن المحاسبة سوف تكون طبقا لما جاء مفصلا في هذه المعجزة الكبرى التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها تنزيل من حكيم حميد.

 فأولا أقول أن كلمة الحركات لا تتناسب مع قوله تعالي : (( اهدنا الصراط المستقيم )) ، فالطريق واحدة ، وكلمة الحركات تطلق علي اثنين فما فوق ، فلا بد أن إحداهما ستخاطب الأخرى بقوله تعالي : (( وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين )) ، وهنا أوجه هذا الإشكال للقائدين أعلاه ففيم اختلفت حركاتكما في طريق معالمهما الأساسية معبرة عن نفسها في قوله تعالي : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبليه )) ، ولا أريد جوابا من الداعيين العملاقين علي استشكالي لأن الأمر لا يصدر من الأسفل للأعلى لأنه بذلك يكون دعاء ، إلا أنني اسمح لنفسي أن تكتب ما تراه في قضية أي حركة إسلامية : ماذا عليها أن تكون ، وما هي ماهيتها الأساسية ، وذلك يؤدي إلي ذكر ما هو ظاهر من ماهية الحركات التي وقعت وما زال بعضها ينشط في الدول الإسلامية أو العالم كله :

أولا : بالنسبة للحركة الكبرى التي نشطت أو تشكلت لأجل إرجاع المسلمين إلي الطريق المستقيم في الإسلام ، أي من أجل إعادة المسلمين إلي إسلامهم طبقا للقرون الأولي الفاضلة أو طبقا للإسلام قبل أن تكون قيادته ملكا عضودا ، وهذه هي حركة الإخوان المسلمين في مصر ، وبادئ ذي بدء أًصرح – وأنا أكتب هذا – أن هناك كثيرا من الحركات التي أعطي لها من قبل اسم يجمعه الملل والنحل ، أو أسماء أخرى خاصة بها ، ولكن تلك حركات داخل الإسلام تعاون علي خلقها قادة من الإنس والشياطين ليحرفوا بها خط سير المسلمين عن طريقهم المستقيم ، أي تحريفهم للمحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وأولئك هم جميعا كذلك ، ولكن موضوعنا ألان هو هذه الحركات التي تعتقد أنها علي المحجة البيضاء ، ويعتقد فيها الآخرون ما يعتقدون ، وهنا أبدأ باعتقادي في قضية الإخوان المسلمين المصرية لأقول أن مجرد كلمة الإخوان المسلمين إنما هو اسم إداري يميز به فقط المنخرطون في تلك الحركة ، ولا شك أن من اقترحه كان في ذهنه أن الله قال إن ابراهيم عليه السلام سمي أمة محمد صلي الله عليه وسلم بالمسلمين ، ووصفهم الله أيضا في القرآن بأنهم إخوة يقول تعالي : (( إنما المؤمنون إخوة )) ، فجمعت الحركة بين الجزئين أي الأخوة والإسلام .

هذه الحركة فيما أراني الله بدأت بعلماء يعرفون الإسلام في جميع جزئياته ، عقيدة وعبادة وفقها ونظام حكم كامل الصلاحيات ،  وشكلوا نشاطهم طبقا لذلك فصححوا العقائد المنحرفة ، ووجهوا العبادة لله وحده ، موضحين سلوك العبادة الصحيحة ومبينين نظام الدولة الإسلامية الذي ينجو به قائدها وشعبها في الآخرة من عذاب الله ، بمعني أن مشروعهم حاول أن يكون منفذا لخطاب الله في قوله تعالي : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس ،،،)) إلي آخر الآية ، فعاملوا النظام آنذاك بما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : ( الدين النصيحة ،،،) إلي آخر الحديث ، فنصحوا القيادة بتطبيق حدود الله علي عباد الله دون أن يتجاوزا في ذلك النصيحة كما أمر بها الإسلام.

هذه المعطيات الكبري للخطوط العريضة للإسلام تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وهم العارفون بعلمها وما فيها من الأوامر ، والوقوف عندما حدده الإسلام من معاملة أولي الأمر من المسلمين والمعاهدين من غير المسلمين إلي غير ذلك من عدم تجاوز أي معاملة إسلامية إلا أن الشيطان لا ينام ولا يغفل عن ما التزم به لله عندما لعنه وطرده من الجنة فأقسم بالله ليحتنكن ذرية آدم أي أكثرهم إلي نار جهنم خالدا مخلدا فيها.

فقامت السلطة آنذاك وإلي اليوم بمقابلة نصحهم بمحاولة إبادتهم لتكون السلطة عند ظن الشيطان بها ، وهو الامر أصلا بقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس.

تلك الحركة ولا أزكيها علي الله أظنها هي الفرقة الناجية المذكورة في الحديث ، وهذه التزكية لا تعني الأفراد وإنما تعني الأخذ بالتعاليم العامة للإسلام من طلب إقامة الحدود بين مظالم بعض المسلمين لبعضهم بالنصيحة فقط ، إلي آخر ما هو معروف من سلوك الحركة ، التي اختصت بأن جعلت القرآن دستورها ، والرسول صلي الله عليه وسلم هو قائدها إلي آخر ذلك ، وهنا يظهر قصور علم وانخفاض رؤية بعض الأطر في الشعب الموريتاني عندما يريد أن يوجه كلاما غير مهذب - بل ينبئ فقط عن طبيعة صاحبه - لحزب تواصل يحذف اسمهم ويجعل مكانه كلمة الإخوان ، وليتهم سلكوا طريق الإخوان.

فمن المعلوم عند محترفي سياسة الدنيا الآن أنهم يضيفون حزب النهضة في تونس وتواصل في موريتانيا والعدالة في المغرب يضيفون أنها فروع لإخوان مصر ، والواقع أن هذه الأحزاب أصبحت أحزابا دنيوية محضة ، لا فرق بين هدفها وهدف الأحزاب الأخري سواء كانت الأحزاب الحكومية أو اليسارية ، فلا يفرق بينهما إلا مجرد الاسم ، فعمل المسميات أصبح واحدا : المعارضة ، الموالاة ، الكتلة البرلمانية ، إلي آخره.

فحزب النهضة بالرغم من أنه واجه سلطة من أقوي السلطات التي نبذت تعاليم الإسلام وراء ظهرها إلا أن قائد النهضة الغنوشي أداه اجتهاده في الإسلام أن يأتي إلي حكام السلطات الدنيوية المادية من أمامها ، وبدأ يطوع لهم تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه لتتماشي مع فكره الدنيوي متبعا في ذلك الزعيم السوداني " الترابي " فلم يتذكرا أن ما يهم الإسلام هو اتباع تعاليمه بالحرف لا كثرة اتباعه ، يقول تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم : (( فلعلك باخع نفسك علي آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )) ، ويقول : (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )) ، وهذا الفكر هو الذي اتبعناه نحن هنا في موريتانيا لنكون صورة طبق الأصل لتلك الأفكار ، فسلوك هذه الأحزاب المظنونة بالإسلام لا يختلف قدر أنملة عن الأحزاب - لا أقول العلمانية  فالعلمانية عندها معني آخر- ولكن أقول أحزاب الدولة التي لا تدعي شعار الإسلام ، فمثلا ما سيوجد غدا في سجل رؤوس هذه الأحزاب وهيئاتها مكتوبا من طرف الملائكة الموكلين بذلك سيكون صورة طبق الأصل لجميع الأحزاب في الدولة بما فيها الموالاة والمعارضة ، فهناك عدم طلب إقامة الحدود لله علي عباد الله ، ومن أراد أن يقف علي حقيقة ذلك فلينظر إلي رؤيا هذه الأحزاب وفحوى المخرجات التي تخرج من هذه الأحزاب من حين لآخر ، فلا وجود لأي كلمة تميز بعضها عن البعض ، بل إن بعض الأحزاب المحسوبة علي الإسلام تسارع في تقوية كم الحزب بالقول والفعل لشرائح معينة لا يوجد معناها في الإسلام ، فأبناء الإسلام كلهم علي درجة واحدة من الحقوق ولا يكون التمييز فيها إلا بأوصاف الإسلام : الفقر والمسكنة إلي آخره ، إلا أنني هنا أصرح لأقول إن هناك ظاهرة خاصة بموريتانيا لأني لا أعرف أشخاص النهضة ولا العدالة المغربية ،ألا وهي حسن السلوك الشخصي الإسلامي لكل منتسب في تواصل علي العموم ، من أي لون أو جهة ، والاستثناء قليل جدا ، لأنه لا بد منه للبشر ، فالسلوك الفردي لكل شخص هو السمة التي يراها الحاضر لاجتماعاته.

ومن هنا أعود لأصل إلي الانتساب الآخر لأحد زعماء أصحاب الملحمة الإسلامية أعلاه وهم " السلفيون " لأقول أنه يفهم من كلام الإمام عبد الله أمين أن منهم التكفيريين ، وأنه هو شخصيا يعد أولئك من الغلاة .

وفعلا أنا أظن ما هو أبعد من ذلك وهو أن السلفية دعوة تشبع رجالها من الفكر الإسلامي الجهادي خاصة وما وعد الله أهله في الآخرة إلا أن ذلك ليس الجهاد المبتور عن أصل مجمل الإسلام الآخر ، فالإسلام كما هو محفوظ في القرآن ولله الحمد نهج متكامل جاء للإنسانية يدعوها بالتي هي أحسن إلي معرفة خالقها أولا ، ومعرفة مستقبلها ثانيا ، وهو متكامل باعتباره الإنسانية من حيث المبدأ قبل ظهور كفرها ، ومعاملتها جميعا في الدعوة بإظهار الرغبة في إسلامها ، أما جهادها بالسيف فتلك مرحلة لا يقررها شرعا إلا هيئة مركزية آمنة قادرة علي التحكم في ذلك الجهاد المعروف بزمانه ومكانه ونوعه وغايته إلي آخر توجيهاته ، ولكن السلفية الحاضرة أخذت الجهاد بدون الاستناد إلي قاعدته المركزية التي يوفرها الإسلام ، فالإسلام لا ثوار فيه ولا ميليشيات ، فأولئك يسميهم الإسلام قطاع الطرق ولهم عقوباتهم الخاصة بهم مع أنهم مسلمون ، ولذا لم يأذن الإسلام لأي فرد في إقامة حدود الله لا في نفسه ولا في محيطه بدون القيادة العامة لكل المسلمين .

وهنا أقول باختصار أن كل ما يصدر من الإنسان المسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا من اجتهاد ولو ارتكب فيه ما نهي عنه الإسلام ولكن ارتكبه لا إنكارا منه للإسلام ولا طعنا فيه فلا ينتج عنه كفرا ، مثل اجتهاد رؤساء الأحزاب التي تدعي أنها إسلامية ، مثل عدم تنفيذ الحكومات لحدود الله ، ومثل اجتهاد السلفيين علي وجوب الجهاد إلي آخره ، فكل هذا سوف تكون محاكمته أمام الله هي الجواب عن نوع فعله فكل ذلك لا يمكن أن يوصف بالكفر لأن الكفر حدده القرآن تحديدا لا لبس فيه وهو انشراح الصدر بالكفر ، فهذا كافر قطعا ، ولا يمكن أن يجتمع الرضي بالله ربا وبالإسلام دينا وانشراح الصدر بالكفر ، فالانشراح فسره الله في عدة مواضع أخري ، فقال تعالي لنبيه : (( ألم نشرح لك صدرك )) ، وقال : (( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه )) ، ولكن جميع هذه الاجتهادات الخاطئة من وصل بها إلي ضرر الغير فهو ظالم لنفسه ، وتلك مسؤولية أخروية منصوص عليها في القرآن إن لم يتب ، وأما ما كان بين العبد وربه فالله عليم بذات الصدور وإليه يرجع الأمر كله .

ملخص المقال :

أولا : من شرح الله صدره للإسلام بإيمانه بعقيدته الصحيحة فلا يلحقه تكفير مهما امتنع من تنفيذ الحدود من غير نكران لها

ثانيا : الأحزاب التي ليست صورة طبق الأصل للإسلام في جميع شعاراتها لا يطلق عليها أحزاب إسلامية

ثالثا : الجهاد الشرعي في الإسلام لا يكون مشروعا إلا بأوامر إسلامية مركزية تمثل سواد المسلمين وتكون طبقا لأوامر الإسلام في الجهاد

رابعا : عدم تنفيذ أحكام الله في الحدود تعفي من طالب بها من الإثم وتهلك في الآخرة من لم يقم بها بعد أن مكن الله له في الأرض وبذلك يكون رؤساء الدول الإسلامية الذين مكن الله لهم في الأرض ولم ينفذوا حدوده أشخاص انتحاريون عند ساعة موتهم يقول تعالي : (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )).

 

3. ديسمبر 2020 - 18:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا