تمتلك مكتبة بلاد شنقيط ثروة هائلة من الكتب النادرة، جعلتها في فترة سابقة موضوع كتاب لي وسمته: بمعجم أسماء المؤلفات الموريتانية المخطوطة، وبعدها أخذت على نفسي تتبع تلك الأسماء، وما قد يظهر منها فعليا في مكتبات البلاد، وبين صفحات المخطوطات المتوفرة، وكان من نتيجة ذلك أن وقفت على اسم كتاب نادر للقاضي، والعلامة محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري، هو كتابه: الإعلام بالأماكن والأعلام، فبحثت عنه لعلي أظفر به قصد تحقيقه ودراسته، فلم أجد إلا نتفا منه جمعها تلميذه سيدي عبد الله بن انبوج في موسوعته: خزانة الأدب في أنساب العرب، حيث ذكر اسم الكتاب واستفاد منه في تأليفه السابق الذكر.
وما دام الكتاب يندرج ضمن الضائع من تراث بلاد شنقيط، فلا ضير إن جمع ما هو متوفر في المخطوطات، وتقديمه كخطوة أولى في البحث عنه. وقد كان لي ذلك حيث أقبلت على خزانة الأدب، وجمعت ما استشهد به صاحبها، وأضفت إليه فقرة ذكرها في شرح وسيلة السعادة لابن ابون، فكان المتحصل عليه يصلح أن يكون عملا علميا، ثم قمت بترتيبه على حروف المعجم كما فعل صاحبه، وقدمت له بمقدمة تعرف بالمؤلف، وبمؤلفاته.
وقد تميز عالمنا بمكانة اجتماعية بارزة حيث جلس للقضاء في مدينته ولاتة، فكان أن طارت شهرته وعرف اسمه في جميع محافل بلاد شنقيط، ولما تم لي ذلك أرسلت العمل إلى مجلة العرب التي وافقت على نشره ضمن أعدادها المقبلة.
والعمل مضمونه ذكر للأماكن والأعلام، وبذلك يدخل صاحبه في تخصص البلدانيين الذين عرفوا في المشرق والمغرب، وخلت منهم بلاد شنقيط، حتى ظهر اسم هذا الكتاب جليا ناصعا، يُحَدث عن نفسه ومضمونه، فانضم من خلاله أهل بلاد شنقيط إلى ذلك العلم النادر الذي لا يؤلف فيه إلا من له صبر وأناة واطلاع، وما نشك لحظة في أن العلامة محمد صالح بن عبد الواهب كان يمتلك تلك الصفات، وما يزعجنا حقا أن هذا الكتاب الذي نعتقد أنه ضخم، ويضم جمهرة من المعارف حول الأماكن والأعلام، هو الآن في حكم الضائع، ولا نمتلك منه إلا ما جمعناه، وليت العلامة ابن انبوج كان قد سكب كل الكتاب في مؤلفه خزانة الأدب، وإن كنا نعتقد أنه قد يكون فعل ذلك، وقد ضاع هو الآخر مع ما ضاع من أجزاء الخزانة التي لم يصلنا منها إلا البعض القليل، ولو وصلتنا كلها لكان فيها بعض ما نبحث عنه من كتابنا هذا.
إن النتف التي جمعناها لا تتحدث عن أي علم شنقيطي، ولا مكان من أماكنه، وقد يكون فيما هو ضائع من الكتاب معلومات كثيرة عن بلادنا، ومن هنا نهيب بالجميع البحث عن ما تبقى من الكتاب قصد إكمال ما بذلناه من جهد لتعم الفائدة، ثم لتثمين تراث هذا العلم البارز الذي أحدث مشاركة طريفة في هذا الفن الصعب المراس، وقد انضم به إلى معارضة علماء المشرق والمغرب، وفتح بابا كان موصدا على غيره من علماء هذا البلد.
ونقدم للقارئ نموذجين من الكتاب مما جمعته في البحث السابق، ففي ذكره لبعض الأماكن، قال متحدثا عن دومة الجندل:
دُومَةُ الجَنْدَلِ: قال أَبُو ذُؤُيب الهُذَلِي:
عشيّةَ سعدى لو تراءت لراهب بِدَوْمَةَ تَجْرٌ دُونَه وحَجِيـــــــــــــــــــــــــجُ
قَلاَ دِينَهُ وَاهْتَاجَ للشّوقِ إنّهـــــــا علَى الشّوقِ إِخْوانَ العَزاءِ هَيُوجُ
ومن نماذج الأعلام قوله عن عَقِيل:
عقيل: كان عقيل بن عُلَّفَة من المتكبرين لأن النابغة الذبياني وهو زياد بن معاوية عم أبيه علفة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة جده لأمه، وهي العوراء بنت الحارث بن عوف، ممدوح زهير بن أبي سلمى. قال: وهو القائل:
إنَّ بنِيَّ ضَرَّجُونِي بالدَّمِ مَنْ يَلْقَ آسَادَ الرّجال يُكْلَمِ
وَمَنْ يَكُنْ ذَا أَوْدٍ يُقَوّمِ شِنْشِنَةٌ أعرفُهَا مِــــــــــنْ أَخْزَمِ
ويظهر من النموذجين، سعة اطلاع المؤلف على أنساب العرب وأشعارها، حيث استشهد بنماذج من أشعار العرب للتدليل على ما يريد من تعريف للمكان أو العلم، وهذا ديدنه في باقي المداخل التي تحدثنا عنها. فلله در هذا العالم، ولعلمه الواسع، فهو يمثل العالم الشنقيطي الذي عرف بحفظه لأشعار العرب وأنسابها، وفهمه لها بما يوظفه في الجوانب العلمية التي يبحث فيها.