اليوم وأنا أتصفح فهرس مواقعنا الإخبارية طالعني مقال موقع باسم الأخ الفاضل إسلم ولد السبتي موسوم ب:ركب شنقيطي خرج حاجا ولم يعد.
لقد أثار هذا العنوان في نفسي رغبة جامحة لقراءته لما توقعت أن يحمله من أخبار جديدة علي ،وأنا الغارق منذُ بعض الوقت في البحث بموضوع الحج عند أسلافنا وتتبع أخبار هم في تلك الرحلات.
لكنني تفاجأت بالإلتباس والخطأ الذي وقع فيه أستاذنا الفاضل عندما جمع أسماء من ركبين مختلفين يفصل بين سفرهما ربعُ قرن من الزمن على الأقل.
صحيح أن المدينة فقدت في كلا الركبين أعلاما مُشار إليهم بالبنان كان الرزء فيهم عظيما والخسارة كبيرة ولعل ذلك هو سبب اللبس والتوهم الذي حصل .
وقد بادرت فور قراءتي للمقال في محاولة كتابة استدراك ذلك وتصويبه . لقد جعل الدكتور حفظه الله من ركب المنير بن حبيب وجماعته، والركب المعروف عند أهل لگصر بركب "گوم السفينة" ركبا واحداً، والصحيح أن ركب المنير خرج عام 1272 للهجرة النبوية وقد ذكر العلامة أحمد ولد سيدي محمد ولد حبت في رسالة كتبت ب " اصويرة " مؤرخة ب 11 شعبان من نفس العام بعث بها إلى والده أنها التقى بالمنير ومحمدُّ ولد محمدي وركبهما بمراكش بعد خروجه من عند السلطان العلوي عبد الرحمن الذي بعثه إلى اصويرة ليركب منها وأنه رَاجَعَ السلطان بعد لقائه بهم كي يأذن له بمرافقتهم وأن الأخير رفض ويضيف ولد حبت أنه علم بعد ذلك أن السلطان بعثهم لطنجة وأنهم سيسافرون بداية رمضان على متن سفينة اسمها :الدخان.
لقد ضم هذا الركب الشنقيطي فضلا عن الثلاثة المذكورين آنفا البخاري بن مامون وهو عمُّ المنير وابنه أحمد وعبد الرحمن بن سيدي أحمد بن ابراهيم بن حامَّنِ ومحمد السالك بن أحمد بن المختار بن الطالب أحمد ولد الخليفة وأحمد بن سيدي عال وأحمد بن لخليفَ وقد ذكر صاحب الوسيط في ترجمته لولد محمدي أن ابن عمه سيدي أحمد ولد حرمة ولد الصبار كان قد اتفق مع ولد محمدي وابن عم لهم ثالث على الحج وأن هذا "الثالث" بدّل رأيه وأخذ في تثبيطهما ما يرجح أن ولد الصبّار كان من ضمن هذا الركب ويضيف صاحب الوسيط أيضا أن ولد الشيگر زعيم أبناء أبي السباع رافقهم ولعله مولاي أحمد.
بعد زيارة الركب لقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتأديته لمناسك الحج أصيب بعض أفراده بوباء معدي ضرب الديار المقدسة ذلك الموسم واستشهد خمسة منهم على الأقل ذكرهم العلامة سيدي عبد الله ولد انبوج في مرثيته لهم التي مطلعها:
إني لأعلم والدنيا إلى العدم...أنّ الحياة خيال ريء في الحلم .
والخمسة هم
المنير وعمه البخاري وابن عمه أحمد ولد البخاري وابن عمهم الشاعر محمدُّ ولد محمدي وعبد الرحمن ولد حامّن رحمهم الله.
ولا أظن أن غيرهم من هذا الركب قد توفي.
ومن المهم هنا التوقف مع وثيقة بالغة الأهمية والإفادة ،جديرة بالتحقيق والدراسة وهي وثيقة بخط عبد الرحمن ولد حامن وبشهادة أغلب المذكورين آنفا تضمنت وصية المنير وقد كتبت بمكة المكرمة ليلة السبت 25 ذي القعدة 1272 بالليلة التي وقعت فيها الوفاة عند الزوال من الغد ،لكنه في أكمل عقله -يعني المنير-"
لقد أوصى المنير زوجته نفيسة بنت الشيخ محمد الحافظ (حامل لواء الطريقة التيجاني ة بهذه الربوع) بأبنائه ونفيسة هذه هي بنت أخت الشاعر محمدُّ ولد محمدي المذكور.
كما جاء في الوثيقة أنه موص بثلث ماله لفقراء شنقيط من العلويين والبكرييين ومعهم في ذلك فقراء العلويين في الگبلة هذا وتذكر المصادر أن نصيب الفقراء العلويين من أهل شنقيط من الإبل فقط كان سبعة عشر جملا.
كما جاء في هذه الوصية ذكر ودائع ترك بعضها بمصر ووديعة وكَّلَ عليها شقيقه المجتبى تركها بمراكش عند الفقيه الكسوسي عبارة عن بعض الكتب وأكثر من مائة وخمسين مثقالا من الذهب معها ،كما ذكرت إبلا له استرعى فيها بعض جيرانه بآدرار، وأنه قسم بعض النقود التي كان يحمل على رفقته ذكر في الوثيقة نصيب الواحد فيهم منه
أما الركب الثاني ويسمى أهله ب :گَوْمْ السفينة فكان عام 1300 وفق ما أفاد المختار ولد حامدن في تراجمه لبعض أفراده أو عام 1297 كما جاء في ترجمة الحجوجي لمحمد ولد الشيخ ولد محمد ولد الشيخ العلوي الذين كان من بينهم وقد ضم هذا الركب فضلا عن محمد المذكور كلا من الشيخ ولد حبت وعبد الرحمن ولد أحمد ولد الإمام وسيدي ولد اسويدات والبخاري ولد أحمد محمود والشيخ ولد لبات ولد أبنو الذي خاطب رفقته حين وصلوا مبتغاهم بقطعة شعرية رائعة سمعتها مباشرة من حفيدته اسية رحمهم الله يقول في مطلعها:
يا ركب بشراكم هذا شفيعكم ...غدا وهذا أبو بكر وذا عمر
إلى آخره....
وتوجد حكايتان أهليتان مختلفتان لسبب وفاتهم وإن كانتا تتفقان على أن ما حدث لهم كان أثناء رحلة عودتهم على ظهر السفينة في عرض البحر.
الحكاية الأولى تقول إن السفينة غرقت بهم
أما الثانية فتقول إن مرضا معديا قاتلا أصابهم على ظهر السفينة وأن بعضهم توفي وألقي بالبحر بما تقتضيه أحكام الجنائز في تلك الظروف.
وقد حدثني أستاذنا المغفور له عبد الرحيم ولد الحنشي أن جدته وهي بنت لمام لعل اسمها لاله كانت كثيرة الإستغاثة بعبد الرحيم ولد لمام وكانت إذا ذكرته قالت :عزري بور سعيد أي دفين مدينة بور سعيد ما رجّحَ عنده أن يكون وصل اليابسة وهو ما يزال حيا
رحمهم الله وغفر لهم وتاب عليه
للأسف لم نجد بعد من الوثائق ما يسعفنا بأخبار هذا الركب ولم أسمع شخصيا فيه بغير الستة المذكورة أعلاه وإن كانت بعض المصادر ترفع العدد إلى ما فوق العشرة إلا أن الأكيد أن هذا الركب غير ركب المنير كما ذهب إلى ذلك أستاذنا الفاضل د إسلمو ولد السبتي
بل متأخر عليه بربع قرن من الزمن على الأقل.
ولن أختم قبل أن أعبر عن عظيم شكري وامتناني وتقديري للدكتور إسلمو ولأخي الباحث الجاد الشيخان ولد الطالب على ما أتحفني به في هذا الموضوع وغيره وعلى ما تحمل من متاعب في أسفاره البحثية وهي بإذن خطوات لن تضيع متمنيا أن يكتب عنها قريبا ويشاركنا جديد اكتشافاته