كلمة الإصلاح كانت ترغب أن تكتب هذه النظرية علي حكم الرئيس السيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع متزامنة مع ذكري انقلابه بتاريخ 12/ 12 ، إلا أن ظروفا حالت بين ذلك التزامن والتاريخ ،ولكن التاريخ لا يتحرك عن مكانه ، ومع ذلك فإني قرأت لكتاب في تلك الفكرة عن ذلك الرجل يوصفون بأنهم مفكرون ، فبعضهم منصف وبعضهم غير منصف ، بل متشدد لا يفكر عند كتابة في الأحداث إلا أن تكون كلها بالسواد.
وأنا أقول أن علي المسلم خاصة وكلنا مسلمون ولله الحمد أن يعلم أن الكتابة لم يستثنها الإسلام من قوله تعالي : (( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه )) ، وقوله تعالي : (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلي ورسلنا لديهم يكتبون )) وقوله تعالي : (( فويل لهم مما كتبت أيديهم )) ، إلي آخر الآيات ، فالله هو الذي يراقب ما يصدر من المسلم .
وبالرجوع إلي حكم معاوية فأقول أن أكبر خطأ في أول حكم معاوية هو انقلابه علي أخوف رئيس موريتاني من الله حكم موريتانيا من الاستقلال الداخلي 1958 إلي يومنا هذا 18/12/2020 ، وأنا لا أعني هنا بالذات التطبيق لحدود الله في زمنه ، فتنفيذ هذه الفريضة قد تجاهلها أعوذ بالله جميع حكام المسلمين الذين مكن الله لهم في الأرض واستكفوا بانتظار موتهم ووقوفهم فيها بعد ذلك أمام الله لتوبيخهم عليها ، وأنا لا أعرف ما سيعاملهم به بعد ذلك ، إلا أنني أحفظ في الدنيا أن الله خاطبهم عن طريق الرسول صلي الله عليه وسلم وبلغهم الرسول ذلك بقوله تعالي : (( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) إلي آخر تلك الآيات ، أما ما يستحق من لم يحكم بما أنزل الله مع تحديد القرآن للمحكوم به ، فمع أنه واضح في القرآن ولكن أنا لا علم لي بما سيقع لأن المنفذ هو الله.
ومن المؤسف جدا أن عدم تنفيذ حكم الله في عباد الله كان خاصا برؤساء استسلموا لأوامر الشيطان لما يمليه عليهم من أفكار غير المسلمين بأن التنفيذ للأحكام مخالف لحقوق الإنسان ، مع أن الله نص في كتابه أن بعض الإنسانية خلق أصلا ليكون حطبا لجهنم وذلك في قوله تعالي : (( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس )) إلي آخر تلك الآيات ، ومن المؤسف كذلك أن ما تسميه العامة اليوم بالإسلاميين عندنا ، وكنا نسمي غيرهم بالعلمانيين ، فهؤلاء الإسلاميون جاؤوا بفكرة علمانية جديدة في موضوع تنفيذ حكم الله متفلسفين أن لا داعي لتنفيذ حكم الله في الظروف الحالية ، بمعني أننا أصبحنا جميعا علمانيين في الموضوع انتظارا لموقف الجميع أمام الله سواسية في التفكير الذي نبرأ لله منه فلسفة وتأويلا وتجاهلا فهم بذلك قابلوا بين نص المولي عز وجل والفلسفة التي تتغير من حين لآخر.
ولنعد إلي نوع خوف الرئيس هيداله حفظه الله من الله وحده جل جلاله فهو جبلي فيه ، فهو لا يسمع بأن الله أمر بشيء أو حرم شيئا إلا وطار قلبه خوفا من الله وحده ، وهنا أروي موقفا قصيرا شاهدته منه ، فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة عليه زار مدينة سيليبابي وبات في قرية " كري " وحراسه عسكريان فقط ملازم ومساعد ، وكنت أنا ثالثهما بوصف مهنتي في الولاية ، ولا يفصلنا عن سنيغال الذي جاء منه الانقلاب إلا عرض النهر ، فالتفت إلي وقال لي : أيقظني عند الرابعة ، وعندما طرقت الباب في الوقت طرقا خفيفا وجدته جالسا مستقبل القبلة منفردا مع الله يدعوه ، هذا النوع من الرؤساء هو أمين الأمة كما قال صلي الله عليه وسلم عن عثمان ولو قتل مظلوما.
ومن هنا أعود إلي سنين حكم معاوية لأقول أن معاوية هو الآخر من أحسن الرؤساء العسكريين بدأ حكمه بالأوصاف التالية :
أولا : عفاف اليد
ثانيا : ثقافة الذهن
ثالثا : التواضع الطبيعي
رابعا : العزم علي إنشاء دولة عصرية مدنية كما يسميها العلمانيون الآن والإسلاميون وغيرهم .
أولا : قام يبحث عن ما يمكنه إدراكه من الرجال المخلصين في زمن المختار ولد داداه رحمه الله ، إلا أن معاوية مع الأسف كانت فكرته يسارية جدا ظن أن ذلك الفكر يصلح كله لبناء دولة حرة ، فاتصل بهم ، وذلك الفكر بما أنه صادر من أهل الدنيا المحضة لا يكون أبدا فكرا خالصا للحكم الحق المطلق ، فهو أولا اتجه اتجاها صحيحا حسب ما يستطيع ، إلا أن ذلك قطعه عليه محاولة الانقلاب الفاشلة ، ففي ذلك الوقت كان السائد هو فكرة أخذ الحكم عن طريق الانقلابات ، فقد قام عسكريو موريتانيا الزنوج بفكرة خاطئة ، أولا لم يشاركوا غيرهم فيها ، وثانيا لأنهم أقلية خططوه انقلاب إبادة ، ولاسيما لشريحة عسكرية واحدة ، وما يماثل العسكريين من المثقفين ، إلا أن الله لم يرد لهذا الشعب تنفيذ ذلك الانقلاب الجهنمي ولله الحمد.
فعلي الكتاب إذا أن يفكروا أولا ماذا علي القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يقوم به في هذه الحالة لمدبري الانقلاب عليه وعلي شريحته خاصة ؟ فأرسل جنوده المستهدفين بالانقلاب علي الآخرين وهم يعرفونهم ، وطبعا لم يستعمل قوله تعالي : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا )) ، كما أن الانقلابيين الجهنميين لم يستعملوا قوله تعالي : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )).
أما الجريمة الكبرى التي وقع فيها معاوية ولا مبرر لها وهي مهلكة للجميع دنيا وأخري هو أمره لإدارة الداخل مدنيين وعسكريين بأن لا يتركوا فوق أرض موريتانيا " بولاريا " ولاسيما بدوييهم وأمر بسلب أموالهم التي جمعوها بعرقهم الكثير ، وهم أول سكان هذه المنطقة ومرتنتهم فيها هي أعرق التمرتن ، وقد طردتهم السلطات إلي دولة السنيغال وأمر من لا ضمير له ولا وازع ديني من مدنيين وعسكريين بهذا السلب للأموال الذي هو أكبر جريمة تلاحق معاوية الآن ومن عاونه في ذلك.
وهذه الجريمة هي التي جعلت سنيغال يقوم بأسوأ نية عرقية فأخذت لذلك أعداء موريتانيا فرنسا لإزالتها من الخريطة ، وفعلت الأفاعيل بمواطنينا في كل أشكالهم فسلبت أموالهم إلي آخر ذلك.
فعندئذ خاف معاوية علي نفسه أن يكون صداما ثانيا عربيا ، وهو يعلم أن جميع الدول العربية لا قيمة لها في صد العدوان وما زالت كذلك، فاتجه إلي آمريكا وطلب منها الحماية فشرطت عليه الجرائم الثلاثة التي هي ثمن حمايته :
أولا : الاعتراف بإسرائيل وفتح سفارة لها في موريتانيا شنقيط.
ثانيا : البدء في ديمقراطية في موريتانيا وهو لا يعرف الديمقراطية فظن أنها إعطاء ثروات الدولة لكل من عنده صوت شعبي ، وأنه إذا انتخب البرلمان فسيجعل المنتخبين هم الحاكمون الفعليون لموريتانيا عسكريا ومدنيا ، فأصبحنا في دولة منزوعة من كل شيء ، وكل أحد يستطيع الاستيلاء عليها.
ثالثا : قالت له أمريكا أن أعداءها بعد 11/9 هو الإسلام ، وكل إسلامي عندها إرهابي ، ومعاوية طبيعته علمانية لا يفكر في ما سيسأل عنه العلمانيون يوم القيامة فالتفت إلي النخبة الإسلامية في موريتانيا آنذاك فجعلها كبش فدائه من الغرب ، حتى وقع له ما وقع.
فملخص حكم معاوية في السنين العشرين هو ما يلي :
العشرة الأولي رئيس وطني ممتاز عربي علي الطريق الصحيح بمعني الكلمة ، أما عشريته الأخيرة فهو عسكري موتور ، وعنده سلطة كاملة منزوعة ضمير الإنسان في الإنسانية والإسلام ، فأتاه الله من حيث لا يحتسب.
ومن هنا أنبه ولاسيما ما تسميهم الناس بالمفكرين الإسلاميين وأضافوا لأنفسهم الآن صفة العلمانيين الإسلاميين أن الإسلام عندما يكون في الإنسان خصلة حميدة ولو كافرا أو فاسقا يذكرها عند ذكره كما قال صلي الله عليه وسلم عن قريش : "هم الرهط لولا الكفر " وكما ذكره الله عن الخمر والميسر ، فمعاوية العشرية الأولي ليس هو معاوية العشرية الثانية بسبب ما ذكر أعلاه.
وهنا أقول أيضا أن الإرث الإنساني في موريتانيا أنواع ، منه إرث لاصق لصوق الجريمة في نفس مرتكبها ولاسيما أموال "إفلان" وهم معروفون ومحصورون فكان علي مسؤول كل مقاطعة أن تأمره الحكومة باستدعائهم لتعويضهم أموالهم حتى يرضوا في الدنيا قبل الآخرة ، أما من قتل من الجيش وقتله الجيش فعلي كل قاتل أن يستحل من ورثة المقتول بالدية وغيرها إذا كان قتله غير مبرر ، فالله يعلم السر وأخفي ، أما من قتله مبرر بسبب عزمه علي القتل فلا إرث إنسانيا فيه ، وأما تحريض بعض المفكرين الإسلاميين لشريحة علي شريحة أخري بدعوي الإرث الإنساني فيقال له : الجريمة المحمولة النائمة في دعوي الحرية التي لا يوقظها إلا توبيخ المولي عز وجل لصاحبها عليها في اليوم الأكبر : (( يوم لا تخفي منكم خافية )).