الدعوة لتغير النشيد بين القبول والرفض / محفوظ ولد أجواد

محفوظ ولد أجواد برزت في الآونة الأخيرة مجموعة أصوات تطالب بتغير النشيد الوطني متحججة بمجموعة من الحجج التي أقنعت البعض وأغضبت البعض الآخر وأخذ البعض الآخر منها موقف الحياد ، وحين نتجرد ولو مؤقتا من عواطفنا سواء منها المطالب بتغير النشيد والرافض لتلك الدعوة سنقف على حقيقتين من خلالهما قد نجد مخرجا من هذا الجدل العقيم ونتجه صوب البناء الوطني الذي هو التحدي الأبرز أمام النخبة الموريتانية الحائرة .

ولكن قبل الوقوف على هاتين الحقيقتين لابد من العودة إلى الوراء عودة من خلالها نسبر أغوار من أثاروا هذا الجدل وقدموا هذه الدعوة من المعلوم أن تيار الفكر الجديد أو جزء من تيار الفكر الجديد ممثلا في السيد "محمد ولد غدة " هم أصحاب الدعوة الأخيرة لتغير النشيد الوطني يقول البعض ممن ينتقدون فكر الرجل وتياره الذي لم تتضح معالمه بعد أن الانشقاقات الأخيرة وشق عصى الطاعة على الرجل من طرف بعض أفراد تياره هي السبب في الدعوة المثيرة للجدل والتي صدرت من الأخ الكريم في مهرجان نظمه تياره قبل أيام ؛ من خلال طرق هذا الموضوع الحساس أراد الرجل لفت الأنظار عن تياره الذي دبت في الخلافات وبرزت فيه الأحادية والدكتاتورية حسب بعض المنسحبين الذين نددوا بدعوة رئيسهم السابق !كل تلك التجاذبات الداخلية فرضت على الشاب صاحب حلم "الجمهورية الثالثة " أن يقوم بعملية إلهاء من خلالها يعود الرجل إلى ترميم تياره الذي يشهد الكثير من المشاكل الداخلية ومحاولات سحب الثقة منه

وإذا كان أصحاب هذه النظرية صادقين فيما قالوا فإن الدعوة التي تملئ الوطن هذه الأيام وتشغل الناس ما هي إلا زوبعة عابرة ستنتهي حين يستطيع رئيس التيار لملمت أشلاء تياره المتناثرة على أبواب المناصب والحظوظ الشخصية !لكن كل هذه التجاذبات الداخلية على مستوى تيار الرجل والخارجية على المستوى الوطني ومن منطلق الحياد من الدعوة إلى تغير النشيد تفرض علينا حقيقتان لا مفر منهما شئنا ذلك أم أبينا .

الحقيقة الأولى:

هي أن المطالبة بتغير النشيد الوطني ليست ببدعة يكفر صاحبها بقدر ما هي وجهة نظر يمكن أن تناقش بعيدا عن الكثير من الأمور التي ظهرت منذ قدم التيار تلك الدعوة ، معللا إيها بكثير من المبررات التي قد نتفق في بعضها معه ونختلف في البعض الآخر مع أن الخلاف لا يفسد للود قضية وتلك المبررات التي قدم أصحاب الدعوة منها ما هو بمقنع ومنها ما هو دون ذلك وتلك الطبيعة البشرية حيث يفتقد الكمال ويبقى الخطأ واردا .

ومن هنا أقول لمن تحامل على أصحاب دعوة تغير النشيد وشكك في وطنيتهم وانتمائهم للوطن واتهمهم بأنهم شرذمة قليلون أنه أخطأ في التحامل وبالغ في الذم مع العلم أن الأمر بسيط خاصة في بلد ديمقراطي لكل الحق في أن يعبر عن رأيه ومطالبه مادامت لا تخالف القوانين ولا تمس بسيادة البلد .

الحقيقة الثانية :

للمعجبين بالنشيد الوطني الحق أيضا في رفض الدعوة إلى تغيره ولهم الحق كل الحق في التمسك بيه وما يقدمونه من مبررات يأخذ منها ويرد ويستأنس. وعليهم كما على المجموعة الأخرى أن يتقبلوا النقد والمطالب المشروعة بصدور رحبة فالوطن وطن الجميع والنشيد والعلم للجميع كما الثروة والأرض، والاتفاق عليهم وعلى مضامينهم من أهم مقومات اللحمة الوطنية ومعززاتها .

وبين الحقيقتين اللتين لا ينكرهما إلا مكابر مساحة شاسعة فيها يجد الكل متسعا لعرض وجهة نظره في جو من الاحترام المتبادل والخلاف المشروع المثمر لأن الخلاف من أجل الوطن خلاف مباح و في سبيل البحث عن الوفاق هنالك منطلقات وثوابت ينبغي على كلى الطرفين أن ينطلق منها ويتمسك بها ومن أهم تلك المنطلقات

البعد عن الجهوية :

على أصحبا الدعوة الحذر من أن يكون وراء دعوتهم المشروعة طابع جهوي أو خلاف مناطقي وعلى المتمسكين بالنشيد الحذر أيضا من أن يكون وراء تمسكهم بيه أن" قائله فلان وملحنه علان" ! فهذا خطأ لأن النشيد حين تتم تأديته نستمع له جميعا من منطلق الوطنية ونتمايل طربا أو على الأقل من يعجبهم اللحن من ذات المنطلق . فعلينا جميعا أن نتجنب ما استطعنا تحويل أمر وطني إلى أمر جهوي أو خلاف فصائلي وأملي في النخبة أن لا تكون هي من يلعب على تلك الأوتار الحساسة .

الحذر الحذر مما بعد الدعوة :

من باب الإنصاف سيكون للدعوة إلى تغير النشيد ما بعدها من تحديات خاصة أنه سبق وان تم طرق القضية من مجموعة من الأقليات العرقية في هذا البلد وقوبلت بالرفض من طرف الجميع وقد تكون هذه الدعوة الجديدة والتي أبطالها هذه المرة بعض أبناء الأكثرية " العربية " لها ما بعدها وقد تكون ذكرت أبناء الوطن من الطرف الآخر بتقديم طلبهم القديم الجديد من هنا ينبغي الحذر مما بعد الدعوة لتغير النشيد والتأمل بنظرة هادئة إلى ما بعدها فمثل هذه الدعوة ليست حكرا على طرف معين دون آخر ، ولا يمكن بأي منطق قبولها من البعض ورفضها من البعض الآخر ففي ذلك تميز لا الظرف ألزماني وأحداث الساعة يشجعانه أو يدعمانه فنحن في زمن المطالبة بالحقوق وزمن الإشراك الذي لابد منه فقد أثبتت الأحادية فشلها واستحالة بقائها .

وخلاصة القول أن الدعوة إلى تغير النشيد واردة جدا ورفض هذه الدعوة وارد جدا وإنصافا للجميع أقول أن لكلى الفريقين مبررات ، مقنعة وأخرى مجانبة للصواب بعيدة عن الواقع المعاش! وعلى المناصرين لفكرة الإبقاء على النشيد أن يعلموا علم اليقين أن لكل الحق في أن يجد ذاته في نشيده الوطني و لا يعتبر ذلك منكرا من القول ولا دعوى جاهلية يكفر أصحابها فالنشيد ليس وحيا منزلا ولا كتابا محفوظا لا يجوز تغيره ولا تبديله ولكن في المقابل على أصحاب الدعوة أن يعلموا أيضا أن رفض دعوتهم أمر وارد وأن رفض "جمهوريتهم الثالثة" أمر وارد أيضا وبين مطرقة الرفض وسندان الدعوة يوجد متسع تتلاقح فيه الأفكار فتثمر نشيدا وطنيا وجيشا وطنيا وشبابا وطنيا وأحزابا وطنية وإعلاما وطنيا وإرادة شعبية وطنية .

2. يناير 2013 - 23:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا