النزعه الميكافيليه وفلسفة الواقع السياسي الموريتاني / د.محمدعالي الهاشمي

 عرف الانسان الموريتاني السلوك الحضاري قبل أكثر من 3000 سنة  ، وله إرث وتجربة في الحكم والسياسة وهذا الارث من أقدم الموروثات السياسية في العالم, 

لقد سادت في موريتانيا انظمه متلاحقة من المؤسسات المتكاملة  التي حكمت أنماط سلوك الإنسان الموريتاني، وتبنت هذه المؤسسات الاجتماعيه في ما يعرف حاليا بموريتانيا أنظمة سياسية واجتماعية وثقافية متعددة، عكست مضامينها الفكر الفلسفي السياسي للجماعة الذي يعبر عن الموروث  القبلي والديني، ويعد مؤشراً للقيم الاجتماعية السائدة آنذاك. كما قدمت التجربة مفاهيم فلسفية وقواعد سياسية عامة مشتركة، وأثبتت نجاحاً في تقديم نموذج لكيفية صياغة الفكر السياسي في ظل التنوع البيئي والجغرافي والثقافي والبشرى من خلال نماذج الحكم المتعددة التي قدمتها. و أسست القبائل انذاك لمفاهيم الحكم المباشر لإدارة شؤونها من خلال مؤسسة  " الجيرونتوقراطية (حكم الشيوخ  ذوى الحكمة والخبرة والحنكة )، والتي تعد أول مؤسسة لممارسة الحكم والسلطة في التاريخ السياسي الموريتاني . تجربة تمثل إرثاً تاريخياً يمكننا الرجوع إليها دائما والبحث عن الحلول للمشاكل السياسيه و تقديم تفسير لما يحدث في الساحه السياسيه من خلالها والاستفاده من تاريخنا سياسي

إلا أن هذه التجربه نالها تهميش مقصود الإخفاء معالم الحكم والسياسه والحضاره في بلادنا وقد حرص الاستعمار علي فرض هيمنته عسكريا وسياسيا وطمس تلك المعالم وتشويهها وإحراق الكتب وتزويرها لترسيخ سياسته الاستعمارية عبر جواسيسه والمندسين

وقد لعب جواسيس المستعمر  دوراً رئيساً في التوجيه والتأطير والتقرير والتشريع والتنظير للفكر السياسي للمستعمر وترسيخ قيم ومبادئ واهداف الفلسفة الميكافيليه  في الاداره والحكم ، وتأسيس البيروقراطية الموريتانيه علي  النزعه الميكافيليه  

كان ميكافيلي  ، مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عصر النهضة. ويشير بعض الكتاب والمؤرخين إلى دوره الإيجابي في عصر النهضة ألأوربية، بالرغم من بعض الاطروحات السلبية التي تبناها في منهجه السياسي. فقد هاجمه البعض حتى أصبح اسمه ملازماً للشر دائماً حتى في الفنون الشعبية. وأول من هاجم مكيافيلي هو الكاردينال بولس مما أدى لتحريم  كتاب الأمير ، اهم ما ترك من مؤلفات، وللحيلولة دون نشر أفكاره . وضعت روما كتابه الامير عام 1559 ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه. ولكن عندما بزغ نور عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عن مكيافيلي ويترجم كتبه. ولم يصل مكيافيلي وفكره لما وصل إليه في بلدنا إلا في القرن الثامن عشر عندما مدحه جان جاك روسو، وشهد له هيغل بالعبقرية. ويُعتبر مكيافيلي أحد الأركان التي قام عليها عصر التنوير في أوروبا.

ربما استندت الشهادة له بالعبقرية من قبل هيغل إلى ما ابتكره من فنون التعامل مع الواقع السياسي الذي يعيشه العامل في هذا الحقل. تلك الفنون التي ابتعدت عن كثير من مستلزمات توفر القيادة الإنسانية الحقيقية لدى شخص ما على حساب السلوك الأخلاقي والإلتزام المبدئي. وانطلاقاً من كثير من المبادئ الميكافيليّة اصبح العمل في الحقل السياسي مشوباً بالصفات التي لا تنم بالضرورة عن الثقة او الصدق.

لقد طرح ميكافيلي كثيراً من تصوراته حول ما يجب ان يكون عليه السياسي شخصياً وما ينبغي عليه ممارسته عملياً ، إذا اراد النجاح في حقله هذا، بغض النظر عن النتائج الإجتماعية وردود الفعل الأخلاقية. إلا ان البعض ذهب في تحليل أطروحات ميكافيلي الى انه اراد بذلك وصف حالة الحاكم في تلك العصور التي عاشها وإرجاع سبب استمرار الحكام في مناصبهم إلى هذه الصفات التي ارتبطت بسياساتهم. ومهما يكن من امر فإن ارتباط كل ذلك باسم ميكافيلي جعل من التشبه باسمه اشارة إلى التردي في الأداء السياسي خاصة من الناحية الأخلاقية.

وحينما نتطرق إلى بعض هذه التصورات ونحاول مقارنتها بواقعنا اليوم في وطننا موريتان في الوقت الحاضر، فسنجد انعكاسات هذه التصورات على الواقع السياسي الذي لم ينتج سقوطاً اخلاقياً لدى الساسة والقياديين في شؤون الدولة فقط، بل وسبب انهيارات اجتماعية تجلت في الفقر والجهل والفاقة والتخلف الفكري.

فمن جملة ما دعى له ميكافيلي مثلاً:

• مبدأ الغاية تبرر الواسطة.

• الفصل بين الأخلاق والسياسة.

• البيروقراطية والعزلة التامة عن الجمهور.

• المتعة المضاعفة عندما تخدع المخادع.

• إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس.

• حبي لنفسي قبل حبي لبلادي.

هذه وغيرها من المبادئ التي نجد لها صدى قوياً اليوم ليس في بلاد الرومان التي نشأت عليها في القرون الوسطى ، بل في بلادنا .

فمبدأ الغاية تبرر الواسطة اصبح نهجاً ثابتاً في سياسة الأصل الذي تأسست عليه الدوله الموريتانيه ومؤسساتها 

وتوظيف مبادئ ميكافيلي الكثيره والخبيثه مرتبط بالكذب على الناس وخداعهم للوصول إلى الهدف المنشود في النشاط السياسي وهو اإستيلاء على السلطة السياسية اولاً واخيراً وليس الانعاش الاقتصاد واصلاح التعليم والصحه ورفع من مستوي المعيشي للمواطن ......  او اي اكاذيب اخرى يتبجح بها رواد هذه الفلسفة وعدوي هذا الفيروس أصابت جميع المؤسسات السياسيه ليست المواليه فقط بل المعارضه بما فيها الحركات الاسلاميه التي تتشبث بقيم الإسلام والشعارات الرنانة ... مارسو الكذب والخداع والتزوير والسرقه والتلون والواسطه........ 

 الاحزاب السياسيه الموريتانيه تتخذ من (الأوليغارشيه او المنوقراطيه) مبدأ لها فكل حزب سياسي تسيطر عليه مجموعه جهويه قليله أو قبيله او جماعه قليله  من  الجيرونتوقراطييين المتحالفين سياسيا ونستثني من هذا التصنيف حزب الدوله وهو حزب (الكيلوبتوقراطيه، والميدياقراطيه، والاكلوقراطيه، والمحسوبقراطيه) وهو البوابه الوحيده للتوظيف والاستفاده من صفقات الدوله

لا فائدة من الإطالة في سرد سيئات الاحزاب السياسيه  فالكل يعرف أنها سيئه  فذلك سيأخذ وقتاً لا نهاية له لأن هذه السيئات الملتصقه بهم اخلاقياً وتخلفهم فكرياً وفشلهم اقتصادياً وانحطاطهم اجتماعياً قد لا تستوعبه كثير من المجلدات. ومن الممكن اتباع الطريق الأسهل للوقوف على حقيقة الفاعلين السياسيين هؤلاء وذلك من خلال طرح السؤال على من يستطيع ان يسعفنا بمثال واحد فقط لا تتبنى فيه الدوله والاحزاب  السياسيه تعاليم ميكافيلي في التخلي عن الأخلاق او في الكذب والخداع او في توجهاتهم للتخلي عن الهوية الوطنية وابدالها بالهوية اللونيه او القبلية او الجهويه وبيع الوطن واراضيه وشعبه وسرقة خيراته ؟؟؟ فمن يجد في نفسه الكفاءة لإثبات غير ذلك ، ولو بمثال واحد كما ذكرنا اعلاه،فليسعفنا به

 

 

21. ديسمبر 2020 - 0:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا