تأسست هيأة العلماء الموريتانيين ( رابطة العلماء سابقا ) أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي لغرض تنظيم العمل الإسلامي، الدعوي ، وفي ظروف يعرف الجميع حاجة الوطن فيها إلى تنظيم كبار العلماء وقادة الفكر الإسلامي، سبيلا إلى ترشيد الفتوى وتنظيم الدعوة ونشر تعاليم الشريعة الإسلامية، في حقبة من الزمن تعالت فيها أصوات المتطرفين ودب الغلو في المنابر والتجمعات الدينية، خاصة بين صفوف الشباب...
ولقد أحسن العلماء اختيارهم يومئذ بتعيين العلامة الشيخ حمدا أمينا عاما للرابطة ، فكان- كما هو متوقع - الأب والفقيه المعلم والحكيم الرشيد، والموجه الصابر على بلوى التشكيك وسوء التقدير اللذين رماهم بهما كل دعاة الغلو وقذفهم بهما بعض الساسة المعارضين ، فضلا عما تنوء به إدارة الرابطة وتشكيلاتها من مشاكل ذاتية و ما يعيشه التناقض الموضوعي بين مطالب الوصاية و ضوابط الاستقلالية ، كل ذلك احتضنته حكمة الشيخ وسماحته وسعة أفقه ، وبذلك حققت الرابطة في ظل إشرافه أهدافها في ترشيد العمل الإسلامي والتوفيق بين مقتضيات الواقع و آفاق التطلع والطموح ، فكانت الظهير الأقوى للجهاز التنفيذي المكلف بالشؤون الإسلامية في حدود رسالته دون أن تتنازل عن مهمتها أو تتماهى معه أو تخل بمادئ استقلاليتها ومسؤولياتها الشرعية.
ومع بداية السنة الحالية 2020 ارتأت الرابطة أن تعيد النظر في هيكلتها سعيا إلى توحيد الصف الإسلامي المتصدع ، من خلال استيعاب جميع فعاليات التوجه الإسلامي الوطني ضمن هيكل موحد. وفي مقاربة تسعى إلى دمج جميع الأطر والتكتلات الإسلامية وإعادة تنظيم كافة الفقهاء و الأئمة والدعاة في جهاز واحد، وبعد أشهر من التشاور المكثف والحوار الهادئ، أعيدت هيكلة الرابطة لتصبح هيأة العلماء الموريتانيين، فاستوعبت بذلك الطيف الإسلامي بمختلف مكوناته وتوجهاته. وقد تم كل ذلك مع الإبقاء على العلامة الشيخ حمدا ولد وأنها أمينا عاما ، رغم وضعيته الصحية الحرجة. وما ذلك إلا دليل ساطع على أن الهيأة تحتفظ للشيخ برمزيته وأبوته الفقهية، ولكن الظروف بل وضرورات العمل و الواقع تملي على الجميع التحلي بالموضوعية وتغليب الصالح طبقا لما تعلمناه من منهج العلامة نفسه : ( أن الفقيه ينبغي أن يسلك أوسع طريق في تدبير أمور الأمة عند نوازلها ونوائبها، إذ التبست عليه المسالك.)
إذا فما المشكل _ اليوم _ ؟
أن نعترف بالوضعية الصحية للشيخ حمدا، والتي طال عليها العهد _شفاه الله و أبقاه للأمة ذخرا _ ونختار من بين فقهائنا و أئمتنا من يتولى بشكل علني مهام الأمين العام وممن كانوا فعلا يقومون بها خلال العامين الفارطين أو يزيد ؟ فأي قراءة يحليل إليها إجراء درجت عليه ترتيبات الحياة وشؤون تغييرها؟
أما وقد تم الأمر بالفعل، فإن الجديد في حياة هيأة العلماء هو إعلان اختيار الفقيه و الإمام الشيخ ولد صالح أمينا عاما وترك الرئاسة الشرفية بامتيازاتها المادية والمعنوية لعلامتنا وشيخنا حمدا.
أهي إقالة أم استخلاف ؟
الطبيعي والواقع أن الظروف الموضوعية دعت إلى إسناد التسيير إلى أحد نواب الشيخ ممن ظل يرضى عنهم وهو ما تم بالفعل.
ولمن لا يعرف الشيخ ولد صالح فهو ممن يستشعرون المسؤولية الملقاة على عواتقهم تجاه مهمته، وممن يؤمنون بثقل الأمانة التي يسترعيه الله فيها وخطورة حملها، فقد عرفناه مستقيما معتدلا حكيما منضبطا في كل الأمر ناجحا في دعوته وإمامته، موفقا مسددا ملهما بإذن الله. والشيخ ولد صالح فقيه عرف بالحكمة والحلم والأناة والتثبت والرفق و الصدق واللين والصبر والقدوة الحسنة، لما يتحلى به من خلق عظيم
ومع هذا فقد ضجت وسائل الاتصال حول إعادة ترتيب هيأة العلماء، دون أن أعرف ما إذا كانت هذه الضجة، انتصار للهيأة أم للعلامة الشيخ حمدا، أم هي تشكيك في قدرة علماء هذا البلد على استخلاف بعضهم البعض ؟أم هي نزوة تريد النيل مرة أخرى من نخبتنا العلمية التي برهنت الساحة وتبرهن أنها والحمد لله تحضن خزانا من حملة الرسالة الإسلامية، علماء وأئمة ودعاة، تضن عليها البعض اليوم أن تختار من يكون خلفا لقيادة منظمة غير حكومية.؟ أم أن الخلافة طارت بها ( عنقا مغرب.) مع الاجتهاد؟
أنا على يقين أن اللذين يحركون هذه الضجة لو سألوا الشيخ حمدا لأجابهم بأنه راض كل الرضى عن خلافته بأحد نوابه اللذين كان يرضى عنهم كثيرا وما زال ، وأنه لم يعد قادرا على ممارسة مهام الأمين العام، وأن دوافعهم يقينا ليست حبا للعلامة ولا حرصا على الهيأة .
ومهما كانت الدوافع التي تؤطر هذا الضجيج الإعلامي، فإن الهيأة قد اختارت الأنسب وستواصل مسيرتها المباركة ، وستظل محتفظة برمزية الشيخ حمدا ولد وأنها ولن يدنسها أزيز الذباب الإلكتروني ولا نقيق ضفاذع مستنقعات الأنترنت.
وأخيرا أقول لهؤلاء و أولئك رجاء اتركوا الشيخ حمدا فإنه ما أراد أن يصيب دنياكم ولا أن يجاري مبتغاكم، وقد أفلح في حياة ملأها زهدا وورعا.
أرجوكم دعوها فإنها منتنة!!!! وإن عدتم عدنا.!!!
بقلم :