أعلنت مجموعة من الموريتانيين من مختلف المشارب والاتجاهات والمكونات، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية (18 دجمبر 2020)، عن إطلاق حملة شعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.
ولقد وقع في أقل من يومين مئات الموريتانيين على عريضة الحملة، وقع وزراء سابقون ونواب وأكادميون وكتاب وصحفيون ومدونون وأطر ورجال أعمال ومواطنون عاديون على عريضة هذه الحملة التي ستبدأ أنشطتها بشكل فعلي عندما تتحسن الظروف الصحية وتتراجع الموجة الثانية من جائحة كورونا.
إني من الذين يرون بأن هذه الحملة يمكن لها أن تنجح فيما فشل فيه الآخرون خلال العقود الماضية، وذلك لكونها تمتاز بثلاث نقاط قوة هامة، إن هي استغلت بذكاء فستأتي حتما بنتائج إيجابية.
نقطة القوة الأولى : الشرعية القانونية
لم تأت الحملة باجتهادات ولا بمطالب جديدة من صياغة المنخرطين فيها، مما قد يجعل تلك المطالب معرضة للرفض من طرف البعض، وأن لا تكون محل إجماع. كل مطالب الحملة تنحصر في أمر واحد وهو تفعيل مادة من مواد الدستور الموريتاني الذي صادق عليه الموريتانيون، ولذا فهي تطالب بما أجمع عليه الموريتانيون، وضمنوه في مادة من مواد دستورهم تقول بأن : " اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية."
خلاصة القول بخصوص هذه النقطة هي أن الحملة تمتلك أقوى شرعية قانونية يمكن أن تمتلكها أي عريضة مطلبية، وذلك لكونها قد حصرت مطالبها في تفعيل مادة هامة من مواد الدستور الموريتاني، وكل مواد الدستور الموريتاني مهمة.
نقطة القوة الثانية : النظر إلى اللغات الوطنية كوحدة واحدة لا تتجزأ
من أخطاء النخب في الماضي هو أن طائفة من الموريتانيين ظلت خلال العقود الماضية تطالب بترسيم اللغة العربية وتنسى المطالبة بتطوير بقية لغاتنا الوطنية، وطائفة أخرى من الموريتانيين ظلت تطالب بتطوير لغاتنا الوطنية وتنسى المطالبة بترسيم اللغة العربية، الشيء الذي جعل الفرانكفونيين في الطائفتين يستغلون بمكر هذه الوضعية المختلة لتخويف هؤلاء من أولئك، وأولئك من هؤلاء، فضمنوا بذلك بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة، الشيء الذي أدى في المحصلة النهائية إلى عدم ترسيم اللغة العربية بشكل فعلي، وإلى شبه غياب تام للغاتنا الوطنية في الإعلام المحلي وفي نقاشات البرلمان وفي كل المحافل التي تهتم بالشأن العام.
إن هذه الوضعية المختلة هي التي مكنت اللغة الفرنسية من البقاء مسيطرة لستة عقود على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، ولتصحيح هذا الوضع المختل كان من الواجب النظر إلى لغاتنا الوطنية (العربية والبولارية والسوننكية والولفية) كوحدة واحدة، وأن يكون المطلب بتفعيل ترسيم اللغة العربية، يصاحبه ـ وبنفس القوة والإلحاح ـ مطلبا أخر في غاية الأهمية يتعلق بتطوير لغاتنا الوطنية.
خلاصة القول بخصوص هذه النقطة هو أنه قد آن الأوان لأن نفهم بأنه لا خصومة ولا تنافس بين من يطالب بتفعيل ترسيم اللغة العربية ومن يطالب بتطوير لغاتنا الوطنية، وحضورها أكثر في المشهد الإعلامي والسياسي المحلي، لا خصومة ولا تنافس بين هؤلاء وأولئك، وإنما هناك تكامل لمن ينظر إلى الأمور ببصيرة وتعقل. الخصومة إن كانت هناك من خصومة وتنافس، فستكون مع أولئك الذين يريدون بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.
نقطة القوة الثالثة : البعد الوطني للحملة
ستعمل الحملة ـ وقد بدأت بالفعل في ذلك ـ على استقطاب كل الموريتانيين من مختلف المكونات والشرائح والأيدلوجيات، فمثل هذا المطلب الهام الذي ترفعه الحملة والمتعلق بتفعيل مادة هامة من مواد الدستور الموريتاني لا ينبغي أن يكون خاصا بمكونة أو بشريحة أو بإيدلوجيا معينة.
خلاصة القول في هذه النقطة هو أنه ما دام الأمر يتعلق بتفعيل مادة من مواد الدستور الموريتاني، وما دام يتعلق بلغاتنا الوطنية التي لا يمكن لأي كان أن يحصل على الجنسية الموريتانية إذا لم يكن قادرا على إتقان إحداها، ما دام الأمر يتعلق بمطلب بهذا المستوى من الأهمية، فإنه سيكون من واجب كل موريتاني أن يلتف حول أي عريضة مطلبية تسعى إلى تحقيق هذا المطلب الوطني الملح، والذي تأخر تحقيقه كثيرا.
خلاصة الخلاصات : إذا تم استغلال نقاط القوة الثلاثة هذه بذكاء، فسيعني ذلك بأن هذه الحملة المباركة، ستكون قادرة ـ بإذن الله ـ على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه كل النخب الموريتانية خلال العقود الست الماضية.
حفظ الله موريتانيا..