بعد مرور عام على ظهور مرض الكوفيد 19 في مدينة ووهان الصينية والذي يتسبب فيه فيروس السارس SARS-CoV-2 وانتشاره في العالم و بعد جهود كبيرة بذلت في مجال البحث العلمي من طرف مخابر وشركات أدوية متخصصة ها هي دول العالم المتقدمة والغنية تبدأ اليوم في إنتاج و استخدام اللقاحات. ويعرف اللقاح بأنه مادة لها القدرة الفائقة على حث الجهاز المناعي للقيام باستجابة مناعية قادرة على حماية المتلقي للقاح من الجرثومة الأصلية عند التعرض لها وفي نفس الوقت غير قابل لإحداث المرض عند المتلقي. ولقد تم تصميم أنواع متعددة من اللقاحات منها ما هو تقليدي (مقتول أو مضعف) و آخر مبتكر (باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية) لاستخدامها في عمليات تغطية لقاحية موسعة هدفها الأول هو التحكم في المرض والحد من انتشاره. والهدف من هذه الورقة هو تقديم بعض المعطيات المتوفرة عن لقاح فايز بيونتك من حيث المكونات وطريقة الاستخدام والفعالية والآثار الجانبية لكن أبدأ بتذكير موجز عن فيروس SARS-CoV-2 .
ينتمي هذا الفيروس لعائلة الكورونافيريدي وهي فيروسات مادتها الوراثية من النوع الريبوزي ARN الموجب (تمكن ترجمته مباشرة عن طريق الخلية إلى البروتينات الفيروسية) يحيط بها غلاف خارجي يغطي غلافها البروتيني. وتمتاز هذه الفيروسات بقدرتها على التنوع الجيني عن طريق الطفرات أو عن طريق الائتلاف الوراثي في حال ما تأكد وجود سلالات فيروسية متعددة موجودة في عائل واحد.
كان من المعروف أن الأمراض الفيروسية التي تصيب الجهاز التنفسي بجزئيه العلوي والسفلي تحدث في الفصل البارد والرطب من السنة, غير أن فيروس SARS-CoV-2 أظهر استثناء بانتشاره الواسع و على مدار السنة.
يعتمد تشخيص الإصابة ب SARS-CoV-2 على طرق غير مباشرة كالبحث عن الأجسام المضادة الموجهة ضد مكونات الغشاء الخارجي للفيروس مثلIgM و IgG أو على طرق مباشرة كالبحث عن بعض مستضدات الفيروس الخارجية بتقنيات مناعية و البحث عن المادة الوراثية بتقنية التكثير الإنزيمي RT-PCR.
وامتازت هذه الجائحة بمعدل وفيات كبيرة و بسرعة في الانتشار غير مسبوقة وبخطورة عالية جدا يمكن أن تتسبب في دخول المستشفيات والمكوث بها أحيانا لمدة طويلة وربما الاحتياج لعناية مركزة خاصة لدى كبار السن أو من لديهم عوامل خطر مساعدة مثل زيادة الوزن, السكري, ارتفاع الضغط, أمراض القلب والرئتين والسرطان.
كما أن هذه الجائحة أظهرت اختلافا كبيرا في الأعراض لدى الحاملين للفيروس إذ تتفاوت من غير العرضي إلى الخفيف إلى القوي. و حسب الدراسات فإن الأعراض يمكن أن تظهر في مدة تتراوح ما بين يومين إلى أسبوعين بعد عملية العدوى.
إن الإجراءات الإحترازية من تباعد بين الأفراد واستخدام الأقنعة الواقية أثبتت جدوائيتها لكنها لا تكفي للوقاية من الفيروس لذا يعتبر اللقاح أفضل وسيلة للحماية من الفيروس وتعقيداته الخطيرة .
لقاح فايزر- بيونتك المستخدم ضد الكوفيد 19 هو عبارة عن سائل معقم متجمد للحقن العضلي أبيض اللون وخال من المواد الحافظة. يحتوي هذا اللقاح على جزيء حمض نووي ريبوزي ARNm به نيكليوزيدات محورة يحمل شفرات البروتين السكري S المكون لأشواك الفيروس الخارجية تم إنتاجه بطريقة الاستنساخ اللاخلوي انطلاقا من جزيء ADN . كما يحتوي اللقاح أيضا على مكونات أخرى مثل السكروز و الأملاح والماء. جزيء الحمض النووي الريبوزي ARNm ملفوف بغلاف دهني لحمايته ولتسهيل نقله داخل الخلايا.
وعند حقن الشخص بجرعة اللقاح ( ml0,3) يتم ابتلاع القطيرات الدهنية من طرف الخلايا القريبة ويتم تحرر جزيء الحمض النووي الريبوزي ARNm للفيروس داخل سيتوبلازم الخلية ليتم التعرف عليه وتحويل شفراته إلى ابروتين فيروسي عن طريق الجهاز الخلوي المتخصص في صناعة البروتينات الخلوية (الريبوزومات, tARN, الأحماض الأمينية و الإنزيمات المسؤولة عن شحن الأحماض الأمينية وعن تكوين الروابط الببتيدية........) وهي محاكاة للطريقة التي يستخدمها الفيروس لتكوين ابروتيناته أثناء دورة حياته كطفيلي إجباري.
يظهر ابروتين الفيروس من نوع S على أسطح الخلايا المستقبلة بعد يومين تقريبا ليتم رصده من طرف الجهاز المناعي وهو ما سيقود إلى تكوين أجسام مضادة وخلايا لمفاوية نشطة من نوع T قادرة على التعرف وبسرعة على الفيروس والقضاء عليه عند حصول عملية العدوى.
تتم عملية التلقيح بجرعتين تفصل بينهما 21 يوما ويبدأ ظهور المناعة بعد أسبوعين من الجرعة الأولى و تصل الاستجابة المناعية ذروتها بعد أسبوع من الجرعة الثانية. و ينصح بتلقيح جميع الأشخاص الذين تجاوزوا الستين وكذا أصحاب الأمراض المذكورة سابقا من مختلف الأعمار من البالغين ثم عمال القطاع الصحي.
ولقد بينت الدراسات السريرية استجابة مناعية للقاح بنسبة فعالية كبيرة تصل إلى 95% من المستهدفين كما أن النسبة المتبقية تظهر شكلا خفيفا لا يحتاج الدخول للمستشفيات.
وفعلا بدأت عملية التلقيح بلقاح فايزر- بيونتك في 21 من دجمبر في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بعض دول الخليج مثل قطر ومن المرتقب أن تبدأ بشكل متزامن في دول الإتحاد الأوروبي في نهاية هذا الشهر.
لكن كغيره من اللقاحات لا يخلو لقاح فايزر- بيونتك من آثار جانبية تختفي غالبا وبصورة تلقائية بعد ثلاثة أيام ومن أهمها ألم في مكان الحقنة- الإعياء- آلام في الرأس- آلام في العضلات والمفاصل- قشعريرة وحمى.
و هناك حالات تحول حاليا دون أخذ هذا اللقاح نظرا لغياب دراسات حولها مثل الحوامل والمرضعات ومن هم دون سن 16 ومن لديهم حساسية من إحدى مكونات اللقاح.
لا يعرف لحد الآن مدى الحماية التي يوفرها اللقاح هل هي أشهر أم سنوات لذا فإنه من غير المستبعد أن يكون من الضروري أخذ جرعة أخرى في وقت لاحق. كما أنه من غير المعروف لحد الآن هل اللقاح يمنع فقط الإصابة بالمرض مع إمكانية أن يكون الشخص الملقح مصدرا للعدوى وبالتالي فإن الإجراءات الاحترازية من نظافة الأيدي, تباعد الأفراد,وارتداء الأقنعة والحجر الذاتي للوافدين تبقى ضرورية من باب الاحتياط حتى عند من سيتم تلقيحهم .
يحتاج لقاح فايزر- بيونتك لظروف حفظ خاصة تتطلب درجات حرارة منخفضة جدا تتراوح من و C° 60 تحت الصفر – الى C°80 تحت الصفر حيث يبقى اللقاح صالحا لمدة ستة أشهر. كما يتطلب أيضا درجات حرارة منخفضة عند الاستخدام إذ لا تتجاوز مدة صلاحيته بعد التحضير الساعتين بدرجة حرارة C°25.
إن ظروف الحفظ والاستخدام هذه تشكل مشكلة كبرى للدول ذات الموارد المحدودة والمناخ الصعب مثل موريتانيا والتي يجب أن تحضِر جيدا لاستقبال هذا اللقاح:
باقتناء ما يتطلب ذلك من أجهزة تخزين ونقل واستخدام
توزيع هذه اللوازم على كافة مناطق الوطن
تكوين عمال الصحة على الطريقة السليمة لتحضير و استخدام لقاح فايزر- بيونتك.
وأخيرا أوصي الجهات الرسمية الموريتانية التي بدأت تتحدث عن احتمالية وصول هذا اللقاح في أواخر شهر فبراير أو أواخر مارس من العام المقبل 2021 بأن تبدأ من الآن توفير ما تتطلبه عملية التلقيح من إجراءات ومستلزمات ضرورية لكي تتم هذه العملية بنجاح.
المراجع
Daniel E Speir and Martin Bachman. Vaccines 2020, 8, 404
Junxiong Pang et al . 2020. J.Clin.Med.,9,623.
Zhu N., Zhang D., Wang W., et al., 2019. N. Engl. J. Med. 2020; 382 : 727–733.
Chen J. Microbes infect. 2020
OMS. Novel coronavirus (2019-ncov) situation report 15. [2020)];Disponible en ligne: https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/situatio...
Chen N., Zhou M., Dong X., et al. Lancet 2020
Huang C., Wang Y., Li X.,., et al. Lancet (Londres, Angleterre) 2020;
Wu JT, Leung K., Leung GM. Lancet (Lond. Engl.) 2020. (20)
Corman VM, Landt O., Kaiser M., Schmidt ML, et al. Eurosurveillance. 2020;
Kelly-Cirino C., Mazzola LT, Chua A., Oxenford CJ, Van Kerkhove MD. BMJ Glob. Health. 2019;
.