بأي منطق تهادن المعارضة؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

بدءا لابد من التذكير بأني لستُ ناطقا باسم المعارضة الموريتانية حتى أجيب نيابة عنها، لم أكن ناطقا باسمها في عشرية الرئيس السابق، ولن أكون ـ وبكل تأكيد ـ ناطقا باسمها في العهد الحالي. هذه مجرد وجهة نظر شخصية لمتابع للشأن العام، تحاول أن تجيب بمنطق تحليلي بحت على أسئلة يطرحها بعض الشباب المعارض، وهي أسئلة من قبيل: أين المعارضة؟ أين اختفت؟ ولماذا تهادن النظام؟

نعم هذه مجرد وجهة نظر تحليلية عن أسباب ومبررات تهدئة المعارضة، ولكنها مع ذلك تتضمن أجوبة ذات طابع شخصي على أسئلة وجهها إلي بعض الأصدقاء والمتابعين، وهي أسئلة من قبيل: لماذا توقفتَ عن نقد النظام؟ ما الذي تغير؟ لماذا لم تعد تُطالب بتخفيض أسعار المحروقات؟

(1)

إن أي متابع فطن للشأن العام لابد وأن يكون قد لاحظ أن خطاب إعلان ترشح غزواني كان خطابا مختلفا عن كل خطابات مرشحي الأنظمة، وأن حملته الانتخابية كانت أكثر اختلافا عن الحملات المعهودة لمرشحي الأنظمة الحاكمة، فلم تتضمن تلك الحملة ـ مع استثناء واحد ـ أي انتقاد مهما كان للمترشحين المنافسين. كما أن خطاب التنصيب قد جاءت فيه جملة ذات دلالة تقول : " سأكون رئيسا للجميع مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية، أو خياراتهم الانتخابية".

بعد التنصيب فُتحت أبواب القصر الرئاسي أمام المعارضين، ومُنحت لمؤسسة المعارضة وزعيمها المكانة لبروتوكولية المناسبة، وشُكلت لجنة تحقيق برلمانية ضمت نوابا من الأغلبية والمعارضة، وأصبح بالإمكان أن يرافق نائب من أكبر حزب معارض رئيس الجمهورية في زيارة لبلد شقيق.

لقد انفتح رئيس الجمهورية على المعارضة، إلى درجة أصبح فيها بعض الموالين يتساءل إن كان القصر الرئاسي لم يعد مفتوحا إلا للمعارضين؟ نعم لقد تعامل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع المعارضة بأسلوب مختلف تماما عما كان معهودا في السابق، فلماذا لا تتعامل هي معه بأسلوب مختلف عن أساليبها المعهودة؟

(2)

هناك إنجاز هام له قيمة كبيرة عند كل من يقدر أهمية الأمن والاستقرار، والمعارضة الموريتانية معروفة بتقديرها لأهمية الأمن والاستقرار في منطقة يعاني الكثير من بلدانها من انعدام الأمن والاستقرار. هذا الانجاز يتعلق بتحقيق التدوال أو التناوب الآمن على السلطة.

لم يكن هذا التناوب الآمن على السلطة ليتحقق لو أن الرئيس السابق خلفه في الحكم أي شخص آخر غير الرئيس الحالي، حتى ولو كان ذلك الشخص من أركان النظام السابق. لقد تبين ذلك بشكل أكثر وضوحا لما ظهر بعد أشهر قليلة من مغادرة الرئيس السابق للسلطة، بأنه لم يغادرها عن قناعة، وأنه كان يفكر في العودة إليها، ولو أن شخصا آخر، أيا كان ذلك الشخص، تولى الرئاسة من بعد الرئيس السابق، لكانت البلاد تعاني اليوم من عدم الاستقرار، ولربما عرفت انقلابا عسكريا أشد ضررا من الانقلاب الذي عرفته صبيحة أربعاء السادس من أغسطس 2008.

هناك نقاط قوة وصفات شخصية يتمتع بها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هي التي أهلته لتحقيق تناوب آمن على السلطة، ولعل من أهم تلك نقاط القوة أنه قاد المؤسسة العسكرية لعقد كامل.

إن تحقيق هذا التناوب الآمن على السلطة كان يحتاج لشخص الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وكان يحتاج أيضا إلى تهدئة من طرف المعارضة، وتتأكد أهمية تلك التهدئة أكثر في ظل وجود جائحة غير مسبوقة، ولذا فلم يكن يليق بمعارضة ناضجة ومسؤولة تضع المصلحة العليا للوطن فوق أي مصلحة أخرى أن تدعو إلى التصعيد والتأزيم في فترة اجتمعت فيها الجائحة مع التحديات المصاحبة للتناوب الآمن على السلطة.

(3)

 من المعلوم أن المعارضة تمر بمرحلة حرجة، فأغلب أحزابها التقليدية تعاني من مشاكل حقيقية، هذا فضلا عن كونها عجزت عن خلق قيادات بديلة تملأ الفراغ الناتج عن تقاعد أو قرب تقاعد قادتها التاريخيين، ولذلك فهي ليست مهيأة في الوقت الحالي لأن تشكل بديلا للنظام، مما يعني أن الضغط على النظام والعمل على تأزيم الأوضاع لن يكون في مصلحتها، ولا في مصلحة الوطن، فأي فشل للنظام الحالي لا قدر الله سيدخل البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار مفتوحة على كل الاحتمالات.

إن أي معارضة تنظر إلى مآلات الأمور ستدرك دون عناء أن إعانة النظام القائم على الإصلاح أولى من التصعيد والدفع إلى تأزيم الوضع، وإعانة النظام القائم تتمثل في النقد وتقديم النصح والمقترحات وتبيان الأخطاء بشكل مباشر إن أتيحت الفرصة لذلك، وكثيرا ما تتاح الفرصة لذلك من خلال اللقاءات المباشرة برئيس الجمهورية.

إن أنظمة الحكم هي التي تخلق معارضتها، فنظام الحكم الذي يسد كل الأبواب أمام المعارضة، ويصنفها على أنها تجمع من الخونة وأعداء الوطن، لا يترك للمعارضة من خيار إلا التصعيد والتأزيم. أما النظام الذي ينفتح على المعارضة، ويعتبرها شريكا سياسيا، فهو يستحق معارضة ناصحة لا معارضة التأزيم والتصعيد.

من هنا فإن تلبية بعض المعارضين لدعوات الرئيس أمرٌ مطلوب، ومثل تلك الدعوات يمكن أن يستغل في تقديم النصح وإسماع هموم المواطنين، وتبيان أماكن الخلل، وبذلك فيكون الخطأ هو عدم تلبية تلك الدعوات. إن تلبية تلك الدعوات يكون خطأ في حالة واحدة، وهي أن يستغل لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، أما إذا استغل لتقديم النصح ولتبيان الخلل ولتبليغ مطالب المواطنين، فإنه بذلك يكون من أهم أساليب النضال المعارض ومن أرقاها.

(4)

خلاصة القول هي أن الظرفية التي تمر بها البلاد بحاجة إلى مزيد من التهدئة، ولكن لهذه التهدئة بعض الشروط التي لابد من توفرها :

ـ أن تقتنع المعارضة بأهمية التهدئة، وبأهمية تغيير أساليب اللعبة، ما دام النظام قد غير تلك الأساليب؛

ـ أن يواصل الرئيس الانفتاح على المعارضة، وأن يستمع لنصحها وأن يستجيب لبعض مطالبها، حتى تُدرك المعارضة أن ما ستحققه لها وللشعب الموريتاني عن طريق التهدئة أكثر أهمية مما ستحققه عن طريق التصعيد والتأزيم؛

ـ أن تُشكل الأغلبية النظيفة في النظام "لوبيات للإصلاح"، وأن تكون أكثر قدرة على المبادرة، وأن تعمل بجد وحيوية من أجل أن تحتل الواجهة السياسية لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.   

حفظ الله موريتانيا...                                    

 

 

29. ديسمبر 2020 - 12:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا