النشيد "الوطني" بين لا ونعم / الحسين ولد محمد عمر

سال حبر كثير منذ تجدد الحديث عن تغيير النشيد "الوطني" فكتب عديد المقالات منها المتحامل ومنها المنصف وقيل الكثير من الكلام عبر الفيسبوك من الجارح ومنه ما دون ذلك، كان هذه المطالب كلها تناقش على الفيسبوك في الفترة الأخيرة إذا ما استثنينا تلك القديمة فقد عمل الرئيس السابق محمد خونه ولد هيداله

 على تغييره لولا أن باغته انقلاب ولد الطابع، على العموم ليست هذه المطالبة وليدة اليوم و إنما هي قديمة لكنها الآن اكتسبت زخمها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وصدورها لأول مرة من قطب سياسي جديد عبر رئيسه، الشيء الذي أثار ضجة كبيرة حدت بالبعض إلى إدراجها ضمن محاولات طمس الهوية و التحامل على رموز المقاومة وما إلى ذلك. أولا هذه المطالبات عبارة عن مواكبة للتحول الاجتماعي الذي تشهده موريتانيا ولا ينبغي ان يضعه البعض في مجال الاستقطاب السياسي بين " الأغلبية" و" المعارضة" لأنه مطلب فئة كبيرة من الموريتانيين الذين يرون أن هذا النشيد لا يتماشى مع دولة عصرية مدنية ديمقراطية، عكس الفئة الأخرى التي تربط مصير موريتانيا بهكذا نشيد لا يتضمن أي كلمة تحث على الوطنية ولا حب الوطن، هنا أصل لكلمات النشيد "الوطني" الدينية لأقول أنه لا يمكن أن يعترض أحد على معاني هذه الكلمات مطلقا لأنها حث على التمسك بالدين ولكن هناك فرق شاسع بين ذلك وبين كونها نشيدا للوطن ، وإذا كان كذلك فلم لا نأخذ أحاديث نبوية أو آيات قرآنية ونجعلها نشيدا لنا، فهي أكثر قدسية وإلزامية من كلمات دينية قيلت في فترة لم تتشكل فيها الدولة الموريتانية بعد ويختلف البعض حول المقصود بها أساسا ، المشكلة ليست في الدين ولا بالتمسك به، فإذا كانت كلمات النشيد "الوطني" تحث على نكران المناكر و الصدح بالحق فانظروا أين موريتانيا الآن وهل هناك كلمة الحق اليوم حتى من الذين يفترض بهم ذلك؟ والذين فضلوا السكوت، إذا النشيد "الوطني" في العادة يكون كلمات تثير الحماسة في نفوس المواطنين وتحضهم على تقديم الغالي والنفيس من أجل وطنهم والتذكير بالأبطال التاريخيين- إن وجدوا- و الذين ضحوا بأرواحهم من اجل الوطن. ومنه يكون تخوين وتتفيه من يطالبون بتغيير النشيد عبارة عن حجة من لا حجة له، فكم سرق وأكل المال العام وشرب الخمر وزنى واستغل الناس أيما استغلال، أليس ذلك محرم في الدين، كتابا وسنة؟ إذا من لم يردعه الكتاب والسنة هل تتوقع أن تحثه كلمات لا يتذكرها إلا عند خروج الرئيس أو عودته للبلاد، دعونا من التمسك بالمظاهر ودعونا ننفذ للواقع المعاش يوميا الذي يبدو أنه صراع بين دعاة القشور أو المظاهر ودعاة المدنية والتطور، يقول البعض أن هناك ماهو أولى من تغيير النشيد ، صحيح هناك أزمات اقتصادية لا تنتهي ومشاريع فاشلة لم تستنتج منها العبرة لحد الآن، ولكن هل تغيير النشيد يتطلب تمويلا أو تعطيلا لأحد المشاريع الفاشلة، أبدا، على العكس بلد يلقب بأرض المليون شاعر سيعجز عن كتابة نشيد وطني بامتياز. يتحدث البعض من باب الجهوية والبعض الآخر من الجانب العرقي ونستنتج من كلامهما أنه يغيب لديهما الحس الوطني والاقتناع بمفهوم الدولة الموريتانية التي ينبغي أن تشمل الجميع مهما كان اختلافهم، ولكل منهم الحق في تبني الأفكار التي يريد شريطة ألا تمس بالسيادة  الوطنية، ومن هنا فالمطالبة بتغيير النشيد لا يجب أن تدرج ضمن المساس بالسيادة  لأنها مثل المطالبة بتغيير الدستور وتغيير مسائل أخرى كثيرة لا يرى البعض أنها جامعة ، إذا هذه كلها آراء يأخذ منها ويرد ولا يجب أن يعطي دعاة الحفاظ على كلمات النشيد "الوطني" القدسية الدينية لكلامهم واعتبار من يخالفهم خائن أو ما إلى ذلك. يؤسفني أن كلمات النشيد "الوطني" ليست ضمن ما يبقى مع  الأطفال من الصغر لأننا لا نجد أنها تلبي غريزة الوطنية الموجودة لديهم و التي يجب أن تنمى فيهم ،فمن الغريب انك لن تجد طفلا يحفظ إلا البيت أو البيتين الأولين من هذا النشيد ويقول لك أنه لا يعرف البقية. كتب لي صديق ذات مرة أنه يفضل كلمات النشيد التي تغنت بها سيدة الغناء الموريتاني الراحلة (ديمي منت آب) حين شدت ب (يموريتان اعليك***امبارك لستقلال) لأنها تلامس وجدانه أكثر من غيرها وتثير لديه اعتزازه بموريتانيا حتى قال انه يفضل أن تكون هذه الكلمات نشيدا لموريتانيا. ما يريده الكثير من الموريتانيين -الواعين- اليوم هو كلمات تعبر عنهم تلامسهم تحثهم على حب وطنهم بعيدا عن التخوين والانغلاق والتعصب والتمسك بظاهر الأمور، موريتانيا بحاجة إلى التغيير في كثير من مسلماتها  البالية التي أعطيت نوعا من القدسية الزائفة من طرف البعض ممن لهم مصلحة في بقاء تلك التابوهات الظالمة.                

4. يناير 2013 - 15:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا