قد لا نحتاجُ إلى مدخلٍ يعرّفُ الجوعَ فهو الحاجة إلى الطّعام لمواصلة الأنشطة والبقاء وهو بهذا المعني ضرورة لكل كائن حي.
نحن هنا لا نتعرض لتلك الظاهرة كما تفعلُ الأممُ المتحدةُ من خلال برامجها بل نسعى لإقامة تحليل شبه معمّقٍ يظهر انه بالإمكان تضافرُ الجهود لضمان عيش النّاس لكن ليس على حساب التعلّم والمعرفة .
ونريد أن نبيّن أن مكافحة الجوع الفكري وسيلة مثلى لتقدّم ورقي وسعادة البشرية وأن الاستثمار في العلم جوهري.
فلئن كان من اللّابدّي إشباع الجانب البيولوجي (الطّعام )فإن البعد المعرفي حريٌ بأن لا يُهْمَلَ لما يترتب عليه من المصير من جهة ولما له من دورٍ أساسيٍ لتحسين أيّ أداءٍ حتى في الجانب الزراعي الذي هو عمادً أية محاولة للحدّ من أثار نقصِ الغذاء.
إن أية أمّة تغفلُ عن هذا تكون حكمت عليها بالتبعيّة وبأن تكون في الوراءِ إلي أ ن تفيقَ وتبدأ البحثَ عن المخارج الكامنة في التعلّم فقطْ.
ولأن أمتنا العربية والإسلامية كان لها السبقُ من خلال علمائها في العلوم حيث نذكر على سبيل المثال لا الحصر كلا من :ابن رشد – الخوارزمي- ابن البيطار –الإدريسي الخ...فلا ينكرُ احدٌ دورهم في التقدّم العلمي بصفة عامة ’كلٌ في تخصصه.
ويتعيّن على الأمّة اليوم وبخاصة النخبة التفكير في ما يُمَكِنُها من تدارك مواطن الضّعف والخللِ في مجال العلوم إن نحن أردنا ألمصاف الأماميّة بين الأمم وضمان البقاء في عالمٍ وحده امتلاكُ ناصية العلم يُنْجي من تقلباته.
والعجب العجاب أنه لا يمرّ يومٌ إلا ونحن نتحدّث عن العلم وأنه المخلّصُ وفي المقابل ظروفه باقية على ما هي عليه ولا يُعْلَمُ إلي متى يحدثُ التغييرُ إن كان سيحْدُثُ.
نعلم أن القوة الاقتصادية والمالية اليوم هي بيد الدّول المتمكنة من التكنولوجيا أي العلم :الدوّل الصناعية أغنى من تلك التى بها خيْرات طبيعية نتيجة تفوقها العلمي.
وحين ندرك كأمّة أن المعارف هي التي تضاعف الخير نكون قد اقتربنا من بداية الحل.
ألا ترون معي أن الزراعة والبيطرة نتاجهما أكبر بكثير مع اعتماد تحسين السلالة والبذور ؟
وعليه فالاعتماد على الفكر أهم من أية وسيلة أخري فبه تحصل قفزاتٌ لافتة لا تحصل مطلقا مع اعتماد العمل البدائي .
وكذلك فإن أغنياء العالم في كلّ بلد وحتى عندنا هم المعتمدون على أفكارهم لا الذين يشغِّلون أبدانهم وعضلاتهم.
وكما أن الشعر عندنا يرفعُ ويضعُ فكذلك التقدّم التكنولوجي يفعلُ فعلَه في الأمم رفعا و انحطاطا بحيث يخلقُ من البلد الصّغير لاعبا أساسيا بينما تكون دولٌ أخري في الهامش رغم حجمها.
فهاهي أممٌ تسابق الزمن لصناعة مصْلٍ تطعّم به مواطنيها ضد فيروس كورونا بينما تنتظرُ أخري أن يُتَصَدّقَ عليها والحال أن الأمر متعلّق بتجارب علمية في مخابر لا يُحْتَكَرً امتلاكُها .
وفى نفس السياق يتم اعتبار الأصول غير الملموسة في الدورة الاقتصادية مع أنها في الواقع رأسً مالٍ فكريٍ أساسه الاختراع والابتكار ونحوه.
إن اللّحاقَ بركب العلوم اليوم أمرٌ سَهْلٌ –لمن أراد- وهي هنا من الإرادة’ فالقواعدً الكليّة المعرفية متوفرةً في ظل العولمة وغالبية علماء العالم في المختبرات والجامعات الدولية هم منّا وقد هاجروا إلى حيث العرفان بالمقدرات الفكرية فإن نحن بدأنا الإنفاق في العلوم كانوا لنا ظهيرا.
ومن جهة علينا أن نعلم أن هذا العمل غير المستحيل يتطلب التكاملَ التَام بيننا جميعا أعنى الأمَة من خلال تخصيص الميزانيات لذلك وترشيدها وتكوين المتخصّصين واقتناء المخابر والموسوعات وجعل التّحصيل العلمي توجّها أهمّ من حيازة المال الخام إذ به نضاعف الإنتاج ونضمنُ جودته ونحصل على المال أيضا.
كلّه ممكنٌ إذا تجنبنا الفرادة في إقامة المشاريع وأدركنا أن الصّوابيةَ تكمن في الاعتماد على المجهود العام الكلّي للجميع من خلال الاعتماد علي التجارب الاستنتاجية العلمية لدي علمائنا حين نوفر لهم الظروف الملائمة اللازمة .
إن عدم الاهتمام بالتقدّم العلمي عقوقٌ ما فوقه عقوق ولنعلم أن لا شيء في التاريخ مجاني فهناك فقط المستحقّ .
كما أن علينا إدراك أن البقاء للأصلح وأن الأبنية المادية مآلُها إلى زوال ووحده المجدُ يبقى وقد لا يتأتى في عالم اليوم إلا اعتمادا على العلم.
أدرك أنني لم أقدَم جديدا فالأمّة بها من المثقّفين وحملةِ الفكر من هم أجدر منى بطرح الموضوع لكنى آمل أن أكون ذكّرتًهم فقط .
أدام الله عافيته على الجميع ...