التكوين الأولي وتطوير المسار/ محمد سالم حبيب

يعتبر التكوين الأولي مرحلة هامة وحساسة في تشكيل ورسم الخطوط الكبرى للملامح المستقبلية لشخصية المدرس، وتعد هذه الحلقة -رغم ذلك- مجرد محطة تتلوها أخرى لها دورها الأساسي في متابعة المسارات الأخرى بما فيها من تكوينات مستمرة؛ مقصودة وموجهة، وأخرى غير  مقصودة (خبرات وتجارب ذاتية).

تظل بصمات التكوين الأولي ميسما يظهر في السلوك المهني المستقبلي للمدرس، بفعل ما خضعوا له أثناء هذه الفترة من تدريبات وماحصلوا عليه من كفاءات ومعلومات ومهارات، تمت تنقيتها بعناية من الشوائب العلمية والممارسات التربوية الخاطئة، لتوجيههم بطريقة صحيحة بغية تحقيق الأهداف المرسومة لذلك التكوين الأولي.

هذا التكوين الأولي الذي يمكن تعريفه بأنه مسار يهدف لتزويد العاملين في مهنة التعليم بجديد المعلومات والمهارات والاتجاهات، التي تمكنهم من ترقية الكفاءات التربوية والبحث عن أسباب الضعف والتغلب عليها.

إن النجاح في هذه المهمة يتطلب معرفة المعلم الذي نريده والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيه، لتتضح ملامح الهدف الذي نسعى إليه؛ وبالتالي الحرص على تتبع جميع المسارات التي من شأنها تحقيقه.

إن العنوان البارز لمواصفات المدرس - و التي ينشدها المخططون للسياسات التربوية - هو المدرس المواكب لتطورات العصر والملم بكل جديد ومستفيد منه. معلم متمكن من  المحتويات المقررة، قادر على التعامل معها تخطيطا وإعدادا وقيادة وتقويما وعلاجا، ملما بالطرائق التربوية المعينة على أداء عمله بنهج أفضل وبجهد أقل وفي وقت أقصر، إضافة إلى ضرورة إدراكه لمراحل النمو المختلفة التي يمر بها الطفل وخصوصية كل مرحلة، ومعرفة النصوص التشريعية المتعلقة بتسيير العملية التعليمية.

يضاف لتلك الكفاءات العلمية والتربوية، شق آخر مهني اجتماعي تهذيبي، يتجلى في معرفة النظام التربوي والانفتاح على المحي الاجتماعي.

كل ذلك بالمحصلة هو ذاته الهدف الإندماجي النهائي، الذي تسعى مدارس تكوين المعلمين للاضطلاع به  خلال فترة إعداد المعلمين.

يواجه التكوين الأولي في مدارس تكوين المعلمين، عقبات عديدة كباقي هيئات القطاع التي تحتاج إلى تشخيص فعال هي الأخرى. 

لقد أدركت الجهات الرسمية المشرفة على المنظومة التربوية، ثغرات في التكوين الأولي بمدارس تكوين المعلمين، سعت جاهدة للتغلب عليها في أسرع وقت، كجزء من توجه أوسع لإصلاح التعليم.

تمثل ذلك في إطلاق ورشة تفكيرية بلعيون منتصف يوليو 2020 تستهدف إصلاح مدارس تكوين المعلمين وإعادة هيكلتها.

لقد استفاض المشاركون في هذه الورشة في نقاش واقع وتحديات التكوين الأولي، وخرجوا بجملة توصيات كانت نتاج ذلك التشخيص، نذكر منها مثالا لا حصرا:

- ضعف مدخلات هذه المدارس، الذي ضاعف عليها الجهد، مما كان له انعكاسه المباشر على مخرجاتها.

- النقص الشديد في الكادر البشري المشرف على هذا التكوين الأولي(مكونو مدارس تكوين المعلمين)

- طول فترة التكوين، الشيء الذي جعل هذه المدارس بيئة طاردة للكثير من الكفاءات.

وأمام هذا التحديات وغيرها كثير مما وقف حجر عثرة أمام تكوين معلم كفء قادر على مواجهة التحديات - باعتباره حجر الزاوية في أي عملية تنموية يراد لها أن تكون - كان لتدخل وزارة التهذيب الوطني والتكوين التقني والإصلاح كبير الأثر في تغيير هذا الوقع - واستئناسا بالورشة المذكورة - عمدت في آخر اجتماع حكومي - قبل كتابة هذ المقال-  إلى خطوات عملية وملموسة في هذا الاتجاه، تمثلت في توجه يرتكز على رسم المواصفات المهنية والكفاءات المرجعية  للمعلم، لتكون صمام أمان يحول دون ولوج المترشحين الذين لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة لمهنة التدريس كما تمنع التلاميذ المعلمين الذين لم يستوفوا كفاءات التكوين من الحصول على الشهادة.

 إضافة إلى تقليص سنوات التكوين، ورفع مستوى شهادات الولوج، واكتتاب مكونين جدد لهذه المدارس، كلها إجراءات مع أخرى في الطريق - على أساس مبدأ التدرج - سيكون لها انعكاسها المباشر على تحسن مستويات هذه المخرجات.

غني عن القول أن هذه الإجراءات المهمة والضروية، لن يكون لها تأثيرها مالم تصاحبها أخرى يحتمها الواقع والتوجه الجدبد، يأتي في مقدمتها مراجعة برامج هذه المدارس لتتأقلم مع هذه المستجدات والتوجهات الجديدة، وضرورة ترسيم هذه البرامج إضافة إلى مواكبة مكوني مدارس تكوين المعلمين للمستجدات التربوية عن طريق التكوينات المستمرة داخليا وخارجيا بما يضمن الإطلاع على أحدث النظم التربوية، وتجارب البلدان الأخرى في مجال التكوين الأولي.

 وفي ظل التطورات المتلاحقة، يبقى تفعيل إدراج تقنيات الإعلام والاتصال في هذه البرامج،  وتلك التكوينات من الأهمية بمكان.

أضف إلى ذلك أن عمليات المتابعة والإشراف على سير هذا التكوين الأولي، يحتم التفكير في استحداث آلية متابعة لهؤلاء المكونين، كخلية جديدة تدخل  ضمن تلك الخلايا التابعة لمفتشية التعليم المسؤولة عن المتابعة والتفويم تعنى بهذه المهمة.

و في هذا الإطار، يستحسن أن تكون من قدمائهم الحاليين الذين لهم تجربة طويلة في الميدان، ومطلعين على واقع وخبايا التكوين الأولي أكثر من غيرهم، على أن يكون ذلك الانتقاء في النهاية، وفق آلية ذات معايير واضحة لاشية فيها.

توجهات - من بين أخرى - حين البدء في تنفيذها؛ سيكون لها - لاشك - بالغ الأثر على نجاح هذا المسعى، مسعى إصلاح المنظومة التربوية بصورة عامة والتكوين الأولي بمدارس تكوين المعلمين بصورة خاصة.

دون أن يفوتنا، أن نجاح هذا المسار رهين بتنسيق يجب أن يكون محكما ومرنا في ذات الوقت بين  إدارات هذه المدارس وإدارات الوزارة الوصية على هذه المؤسسات العمومية، بما يضمن انسيابية العمل وحسن الأداء.

كما أن وضع مدارس تكوين المعلمين وطاقمها المشرف على التكوين الأولي في ظروف مادية ومعنوية مريحة، من شأنه أن يكون معينا على أداء تلك المهمة الموكلة إليهم على أحسن وجه وأكمله

وذاك لعمري؛ هو روح الإصلاح التربوي وهدفه ومبتغاه.

4. يناير 2021 - 23:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا