كان الأمل دوما يتجدد عندي كلما أعلنت الحكومة عن سعيها إيجاد حل لمشكل التعليم، ومع كل أمل أترقب الإجراءات والخطوات التي تقوم بها الوزارة في هذا المجال إلا أن الخيبة والانكسار يغلبان على مشاعري بفعل النتائج اللاحقة لكل مشروع إصلاح، واليوم لم يعد يخفى على الجميع أن التخبطات لا تحل المشاكل والأزمات وإنما الرؤية الثاقبة والشاملة المصحوبة بالأدوات الصحيحة هي القادرة على انتشال التعليم من مستنقع الضياع.
ما سأسطره في هذا الموضوع سيكون في عدة حلقات لكل واحدة منها تصور وحلول لمشكلة جزئية من مشاكل التعليم المستعصية على الحل ولن أخوض في غير ذلك حتى لا أحيد عن الهدف من كتابة هذا المقال.
المشكلة: حتى يومنا هذا لا تستطيع الوزارة أن تقدم أعدادا حقيقية لتلاميذ التعليم الأساسي كما لا تستطيع تحديد عدد المدارس الفعلية فهي لا تميز بين المدرسة الحقيقية والمدرسة الوهمية، ذلك أن الإدارات الجهوية المكلفة بالبنية التربوية تعمل على بيانات غير دقيقة في غالبها فتؤسس عليها في افتتاح المدارس وإغلاقها وتحويل المعلمين لها، هنا نجد مدارس بها معلمون دون تلاميذ بغرض التفريغ ، وهناك نجد مدرسة بها تلاميذ دون معلمين أو مدرسة موسمية تراها تفتح شتاء وتغلق صيفا، وفي هذا الهامش الكبير من هذا الخلل يجد المفسدون من مديري التعليم أكبر فرصة للتفريغ غير المعلن للمعلمين.
هذه المشكلة تهدر من المال العام وتضيع من الحقوق وتخلق من الفساد ما لا يمكن تصوره إطلاقا.
الحل: لا يحب المفسدون أي حل لا يتضمن ورشات وملتقيات وعقود مع مؤسسات خبرة بمبالغ ضخمة، فهم لا يبحثون عن الحل وإنما الفوترة، ومع ذلك فإن حل هذه المشكلة لا يتطلب أموالا طائلة وإنما إرادة جادة فقط.
الرقم الوطني للتعريف هو المفتاح السحري لحل هذه المشكلة.. كيف ذلك؟
سيتم تسجيل تلاميذ التعليم الأساسي بأرقامهم الوطنية للتعريف في مدارسهم الحالية من خلال تطبيق مخصص لذلك، هذا التسجيل سيضمن ألا يتكرر تلميذ في مدرستين لأن قاعدة البيانات لا تقبل تكرار الأرقام الوطنية للتعريف، كما سيضمن تسجيل المواطنين فقط والتسجيل في السن القانونية أيضا سواء كان في التعليم العمومي أو الخصوصي.
سيكون للتلميذ مسار من خلال تسجيله في هذه القاعدة، هذا المسار سيلازمه حتى يصل مرحلة التعليم الثانوي.
من خلال هذا التسجيل لن يكون في المدارس سوى التلاميذ الحقيقيين فقط، وهنا تم حل مشكلة أعداد التلاميذ في كل مدرسة وفي كل مستوى، ما يعني أنه لا يمكن افتتاح مدرسة وهمية أو قسم وهمي إطلاقا إلا بوجود تلاميذ حقيقيين.
هنا أيضا سيتم اختزال جانب من مهام المصالح المعنية بالإحصاء والخريطة المدرسية.
أما عن التنفيذ فسيتم من خلال التطبيقات فقط، وسيكون التسجيل من مهام مديري المدارس من خلال منحهم بيانات ولوج خاصة تمكنهم من إعداد لوائحهم بإدخال الأرقام الوطنية فقط.
لن يكون التلميذ قادرا على التحويل من مدرسة إلى أخرى إلا بإجراءات تحويل رسمية، وهنا سيكون من صلاحية المفتش التحويل في مقاطعته والمدير في ولايته وهكذا..
ومن خلال خبرتي في قواعد البيانات يمكن إنجاز هذه القاعدة الوطنية لتلاميذ التعليم الأساسي وإكمالها خلال 15 يوم دون تكاليف تذكر.
الآن بقي أمر مهم جدا وهو الإجابة على هذا السؤال: هل ستحقق قاعدة البيانات هذه انعكاسا إيجابيا على التعليم؟
الجواب: نعم، لن تكون لدينا بعد هذا المشروع أي مدرسة أو قسم وهمي، وستكون الوزارة قادرة على توزيع المعلمين حسب الحاجة دون مغالطات أو استغلال للثغرات ما يعني القضاء على ظاهرة استنفذت الكثير من الموارد وشرعت لكثير من الفساد.