الوعي الطبقي... ثورة ضد القوالب الجامدة / الولي ولد سيدي هيبه

في حين أن الثورة الطبقية بمفهومها الواعي الشامل تستهدف خارج بلدنا تغيير ميزان القوة لصالح الطبقات المقهورة، والمحرومة في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فإنها ما زالت في موريتانيا تسعى إلى الخروج من قبضة براثين موازين قوى مفترية ما زالت تمليها ظلامية

 القرون الوسطى بمفاهيمها المجحفة بحقوق البشر في مشروعية المساواة ـ في الحقوق و الواجبات ـ و المكرسة لفوارق طبقية لا تقرها أو ترضاها الشرائع و لا الأعراف و لا  يقرها كذلك أي منطق أو فلسفة... و هي أيضا الموازين التي تسعى باستمرار، إلى تطويع و توظيف و إكاه أجهزة الدولة ـ في غياب أو على الأقل في ضعف مفهومها الحاضر الصارم ـ لقمع ثورة النفوس المكلومة، واستغلال طاقاتها و قدراتها في ظل المصادرة الممنهجة من طرف هذه القوى المتحجرة  و من دون الدولة و الأطر الحزبية التقليدية، للحريات، وقمع الإطارات التنظيمية، التي  لا محالة ستتحول مع اشتداد الوعي الى أدوات لقيادة نضالات المقهورين، من اجل تحسين أوضاع المستضعفين المادية، والمعنوية.

 في  حيز الأفق الرحب المترائي لتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية و سعيا في المشاركة إلى التحول بالدولة، من دولة تخدم مصالح الطبقات الممارسة للاستغلال، إلى دولة تخدم بالتساوي مصالح الذين يمارس عليهم الاستغلال، كان لزاما أن  يبدأ الصراع الطبقي بصدام الوعي الحقيقي، بالوعي الزائف، في الفكر، وفي ممارسة الأفراد، والجماعات حتى يتم تسييد وعي طبقي معين موحد و شامل، قائم على الوضوح المطلبي، والتنظيمي، والسياسي، وعلى مستوى الوسائل، والأهداف. وهذا الوعي الواضح، هو الذي يتحول الى سلاح سلمي يتمتع بنفس طويل و صارم لمواجهة الوعي الزائف، الذي تعتمده الفئة المتنفذة، والممارسة للطبقية الظالمة و الاستغلال المفرط. 

ففي الوقت الذي يسعى فيه الوعي الطبقي، إلى إعداد المعنيين لخوض الصراع الطبقي، في مستوياته الفكرية، والسياسية، وسعيا إلى الرغبة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، يسعى الوعي الزائف الى تضليل جميع أفراد المجتمع مستخدما بجسارة الدين و الرؤى الإجتماعية المغلوطة، من أجل المداراة عن ما يجري من فساد و جمود القوالب الضامنة بقاءه، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي و حتى يتأتى للطبقة المتلكئة عن مفاهيم العدالة و المساواة، وسائر المستفيدين من الاستغلال، أن يضاعفوا استغلالهم لمجموع أفراد الشعب، و في الطليعة منهم المنتمين للطبقات المدرجة في أسفل السلم الطبقي الرجعي، و يجمعوا المزيد من الثروات و يوطدوا مقامات نفوذهم و تشتد قبضتهم.

و لكن هيهات فما لليل حالك الظلام دوام و ما لطبقية عفا عليها الزمن و طوقها الوعي الإنساني بقاء،  وإن الطبقات الدونية في النظام الطبقي الموريتاني بدأت تتململ تحت أثقال تراكمات من الظلم و التهميش. فبعد ما ضرب الاسترقاق في الصميم و بدأت نتائج ملاحقته تؤتي أكلها ارتفعت بالفعل أصوات أخرى ترفع عن حال حناجرها قيد الصمت و الخنوع  لتقول لا لدونية لا تستند بالمطلق إلى أي مصوغات شرعية أو إنسانية اللهم تلك التي أملتها، في عصور ولت، إكراهات زمن كان للاستبداد فيه و القوة الغاشمة كلمة الفصل و قوة قانون الغاب، أصوات متطلباته بحقوقها كاملة في ظل دولة الجميع تحت سقف القانون، ليس إلا.

ها هي  و في هذا الخضم الجديد، طبقة "لمعلمين "العرضية و الحاضرة حضورا نوعيا لا غبار عليه في نسيج المجتمع تأبى ثوب المهانة و نكران عطائها الغالب على كل أوجه الحياة المادية و المعنوية منذ فجر تاريخها إلى اليوم و قد كان لها أيام رفض الخنوع للاستعمار الفرنسي دورها الرائد في توفير السلاح و العتاد للمقاومة الباسلة.

و تعاني هذه الشريحة من جملة من المعوقات كالطعن في الأنساب و الرمي بالخيانة و نقض العهود، تمنعها من الإحساس بالانتماء إلى وطنها و من الشعور الغامر بحصولها على حقوقها كاملة في المساواة و تبوء مكانتها الحقيقية بما يقدمه أفرادها من عطاء كبير و حب عارم و صادق و انتماء أزلي للبلد.

و لا شك أن الدولة في مسارها الجديد ستلتقط هذه الإشارات التي أخذت وتيرتها الواعية تطرق مسامع كل الواعين لماهية العصر الجديد و التحولات العميقة التي يشهدها في ثورته الموحدة ضد ظلامية سادت طويلا و سعيه إلى الوصول بالإنسانية إلى كمال معناها و نبل مقاصدها. و لا شك أنها من هذا المنطلق ستتصدى بكل حزم لجميع المخالفات و المعوقات التي ما زالت تصدم جدار الوعي الحقيقي و تسعى إلى الإبقاء على قوالب الماضي الطبقية و ممارسة نتائج مفاهيمها المدمرة للدولة العصرية و سيادة القانون فيها.

 

7. يناير 2013 - 23:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا