لا يخفي علينا جميعًا أن سنة 2020 أتسمت بالتأثير الكبير لجائحة كوفيد19على إقتصاديات العالم و خاصة منها الدول النامية. حيث وقعت هذه الدول تحت ضغوط كبيرة و متنوعة جراء الأزمة تسببت في تعقيد الوضع الإقتصادي و الإجتماعي ومن ثم توفير الأسس الموضوعية لتوتير الوضع السياسي بصفة عامة، خصوصًا بالنسبة للبلدان التي تندرج ضمن شريحتي الدخل المنخفض و المتوسط وكذالك البلدان الفقيرة . وفي هذا السياق ، لا بد من التأكيد أن الدولة الموريتانية لم تكن مهيأة أصلًا لمواجهة هذه الكارثة لإعتبارات عديدة نجملها فيما يلي:
أولًا: أن البلاد خارجة في حينها من إنتخابات رئاسية تعددية بعد أزمة سياسية خانقة أستمرت لمدة عشر سنوات كادت أن تعصف بوحدة البلاد الوطنية و ضربت في الصميم الإنسجام الإجتماعي بين مكونات شعبها.
ثانيًا: تدهور الوضع الإقتصادي بفعل التسيير غير المعقلن للموارد الإقتصادية للدولة ,و ما صاحب ذلك من تفشي للفساد الإداري والمالي و إستفحال ظاهرة الزبونية و غياب الحكامة الرشيدة في تسيير الشأن العام عمومًا ، وارتفاع ارقام الدين الداخلي والخارجي و المساس بالمصالح العليا للبلاد و هو ما كان موضوع تحقيق شكلت له لجنة برلمانية خاصة.
ثالثا: تدني مستو الخدمات التي تقدمها الدولة في مجال الصحة العمومية و ضعف القدرة الإستيعابية للمنشآت الصحية في طول البلاد و عرضها و افتقار العديد منها للتجهيزات الطبية الضرورية..
رابعا: إستحكام أزمة التعليم بفعل تراكم تجارب السياسات التربوية الفاشلة التي لم تكن تراعي خصوصيات البلاد الثقافية وواقعها الإقتصادي و الإجتماعي ، و غياب التشاور المطلوب حول نظام تربوي متفق عليه من الجميع و يلبي متطلبات البلاد التنموية.
رغم النتائج الإيجابية و المشجعة التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة في مجال التعليم العالي و البحث العلمي.
خامسًا: غياب نظام عدلي يلبي طموحات الموريتانيين والمستثمرين المحليين والأجانب ، بسبب غياب إستقلالية القضاء و عدم الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية.
سادسًا: إرتفاع نسبة الفقر في الوسطين الريفي و الحضري خلال العقد الماضي و هو ما زاد من معانات الفئات الإجتماعية الهشة ذات الدخل المحدود.
سابعًا: إرتفاع نسبة البطالة في أوساط الشباب و خاصة حملة الشهادات و تطور تزايد أعداد المهاجرين من الأرياف إلي المدن و خاصة إلي أنواكشوط وذلك في ظل سنوات الجفاف التي ضربت البلاد” 2017 ، 2018 ، 2019″, حيث أثرت تأثيرًا سلبيًا على القطاع الريفي و أفرغته من قواه الحية .
وبالرغم من أن برنامج , فخامة رئيس الجمهورية , السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ” تعهداتي” الذي زكاه الشعب الموريتاني في الإستحقاقات الرئاسية الأخيرة بأغلبية مريحة , كان يهدف في المقام الأول إلى تصحيح هذه الإختلالات الهيكلية المعيبة، وذلك عبر التركيز على إرساء دولة القانون من خلال فصل السلطات و دعم إستقلالية القضاء و تحسين ظروف حياة المواطنين عبر إعادة هيكلة الإقتصاد الوطني و مراجعة المنظومة التربوية و توفير التغطية الصحية الشاملة و توطيد اللحمة الإجتماعية، لكن جائحة كوفيد 19 أعاقت إلى حد كبير عملية تنفيذ هذا البرنامج على أرض الواقع و حدت من فاعلية المشاريع الحكومية التي تم إطلاقها في هذا الأتجاه.
ومن أجل مواجهة هذه التحديات الجسيمة يتعين إتخاذ الإجراءات التالية:
– المحافظة على مناخ التهدئة السياسية الذي حققه رئيس الجمهورية من خلال الإتصالات التي أجراها سيادته مع مختلف أنواع الطيف السياسي بالبلد و مواصلة تلك الجهود ما أمكن،
– القيام بحملة تحسيسية واسعة تشارك فيها الأحزاب السياسية و هيئات المجتمع المدني و رجال الأعمال و أصحاب الرأي من أجل إنارة الرأي العام الوطني حول خطورة الوباء وضرورة إيجاد مزيد من التضامن الإجتماعي و السياسي والاقتصادي بغية التصدي له والحد من أثاره السلبية.
– إقامة خطة طوارئ صحية تستهدف تعزيز قدرات القطاع الصحي و مده بكل ما يلزم من وسائل بشرية و مادية للقيام بأدائه في أحسن الظروف .
– مواصلة العمل بالإجراءات الاحترازية الضرورية للحيلولة دون انتشار العدوى ، والاستفادة من تجربة التصدي للفيروس خلال المرحلة الاولى.
تبني استراتيجية التكوين عن بعد.وتطوير المنصات الضرورية التي تمكن طلاب المدارس والمعاهد والجامعات من تلقي الدروس بصفة مرضية.
– ضرورة صياغة سياسة إقتصادية جديدة بالنظر إلى المعطيات الجديدة التي تستهدف الحد من التفاوت الإقتصادي و تحسين الوضع الإجتماعي و تحديد مصادر جديدة للنمو وموائمة هذه الأهداف الجديدة مع الرفع من الأداء الإقتصادي.
– التركيز على جودة النمو الإقتصادي بدلًا من سرعته والعمل على أن يكون شاملًا و مستدامًا و يوفر فرصًا للجميع.
– زيادة مستوى الإستثمار للحد من البطالة و إنعاش السوق الداخلية.
– تكييف الهياكل الضريبية لتتماشي مع الدخل و مراعاة أوضاع أصحاب النشاطات الإقتصادية الصغيرة.
– تطبيق سياسة معقلنة لتوريد البضائع و تشجيع عمليات التبادل التجاري مع الدول الشقيقة والصديقة لضمان إستمرارية تزويد البلاد بإحتياجاتها الأساسية.
– تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والدفع بعجلتها انطلاقا من رؤية رئيس الجمهورية وتنفيذا لتعليماته مؤخرا.
– رفع الحد الأدني للأجور كلما سمحت الظروف بذلك.
و الخلاصة أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تعطي النتائج المرجوة منها لصالح البلاد و العباد إلا بتطبيق صارم للقانون و الوقوف بحزم في وجه أصحاب الكيد السياسي الذين يستغلون مثل هذه الظروف الحساسة لتحقيق مآربهم الخاصة .
والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بمصالح الجمهورية و النيل من إستقرارها .
هذا في الوقت الذي يحدونا فيه الأمل أن يكون عام 2021 عاما للتضامن الوطني- و عاما للتعافي الإقتصادي- و عاما فيه يغاث الناس وفيه يعصرون…!!