لماذا نحتكر الإسلام؟ / المهدي بن أحمد طالب

لقد تناقلت الصُّحف المحلية خبر إن شاء حزب سياسي يقوده فضيلة الشيخ : محمد فاضل ولد محمد الأمين ، صاحب النظرة الفقهية الجامعة بين الأصل والفرع وفق استنباطات مالك وأتباعه في هذا الحيز الجغرافي المغاربي!

نعم لا ضير في هذا من الناحية القانونية فمن توفرت فيه

شروط وزارة الداخلية والمواد القانونية المنظمة لهذا له الحق قانونا في أن يؤسس حزبا وفق منهجه ورأيته لمستقبلية لهذا الوطن !

أمّا جدلية احتكار الإسلام في جهة معينة فأعتقد أن الإسلام بمفاهيمه المختلفة وقيمه المتنوعة أكثر من أن تحُصر في زاوية فكرية معينة بل حتى جيوغرافية .

إننا حين نختزله فنكون بهذا قد حطّمنا عُراه الوثقى عُروة عرُروة ، وأدخلناه في دائرة الانكماش والذُبول التي حاربها قائده الأول محمد صلى الله عليه وسلم بقوله " سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار " ولم يتوفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وصلت دولته إلى ضفاف جمهورية الصين الشعبية شرقا وفي عهد عبد الرحمن الداخل في الأندلس وصلت الدولة الإسلامية إلى ضفاف مدينة " باريس"  غربا هذا من الناحية الجيوغرافية !

أما من الناحية المعنوية فالأمثلة على هذا كثيرة فهذا الامام مالك بن أنس حين ألف موطئه وواطئه الناس عليه قال بعضهم يا إمام : الناس يزيدون في موطآتهم وأنت تنقصها ؟ قال نعم ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل !

نعم لا يدوم إلا ما أريد به وجه الله وأمّا الزبد فيذهب جفاء في سلة مهملات التاريخ !

قد يقول قائل هذا كلام إنشائي بعيد عن الواقع وأن هدف تأسيس الحزب هو تكثير سواد حزب الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأغلبيته الداعمة له لا غير !

أنا لست سُلطانا على قلوب الناس ولا نواياهم وقضية دعمه من عدمها هذا أمرٌ يرجع إلى مؤسسيه وكلامي هنا لا يدخل في إطار أنا قلت وأنت قلت !

كلامي هو أن فكرة تسييس الإسلام في دولة لا يوجد فيها غير المسلمين فيها ما فيها ، وقضية تحجيره تحتاج إلى مجامع فِقهية وندوات عِلمية لا إلى التهور الشبابي والحماس العاطفي الذي لا يجدي شيئا ، الإسلام دين يجتاح العالم بأسره ولن يبقى بيت إلى دخله أحب من أحب وكره من كره !

قد يقول قائل هذا كلام حماسي يثير شجون الشباب المتحمسين ويفتح النار على الجميع بفكر لا يعرف إلا فكرة لا أريكم إلا ما أرى !

صحيح هذا وصحيح أن الإسلام يواجه حملة شرسة حتى من معتنقيه الذين يسيئون فهمه ويسيئون كيفية تبلغيه على الوجه الصحيح ، الإسلام يحارب جوا وبرا وبحرا ، كما أنه يحارب بالمسلسلات الهابطة والأفلام الخليعة وهذا لا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته فهذا مصطفى السّباعي  في كتابه "هكذا علمتني الحياة " يقول : إسرائيل لا تحاربنا بالغناء والرقص والمجون فقط بل تحاربنا كذلك بالدبابة والصاروخ !

نعم تحاربنا بالدبابة والصاروخ ، وحين نرجع إلى تاريخ الأديان المعاصرة لن نجد دينا تعرض للمضايقات مثل ما تعرض له الإسلام وأقوى سلاح في نظري يحارب به هو اللسان والقلم من قبل أعدائه الذين هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .

إن فكرة احتكار الإسلام فكرة قومية مقيتة تؤمن باللون والوطن والجنس البشري .إلخ!

إن الإسلام دين لا يعرف في أبجدياته هذا من قبيلتي ولا هذا من جنسيتي ، لا بل سلمان الفارسي منا آل البيت ، بلال الحبشي منا ، وكذا صهيب الرومي !

وقد قعّد القرآن الكريم قاعدة في هذا " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقوله عليه السلام (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) والسبب الرئيسي وراء عدم إسلام أبي جهل وأبي لهب في نظري هو الاستكبار والعنصرية ضد عبيد الأمس سلمان وبلال رضي الله عنهما .

قد يقول قائل ذهبت بعيدا والأمر لا يعدو عن كونه نقاشا في التصورات الفكرية وراء فكرة الإسلام السياسي وكيفية تعدُّدها في المجتمعات ذات الطابع المتدين !

نعم إن توحيد الجهود أمر دعا إليه الاسلام ونبذَ الخلاف وأسبابه ، هذا بين من يتفقون في أصول الدين وفروعه ، أما من يختلفون في ذاك فيجب أن يكون هناك نوع من التلاحم بقدر نقاط الاتفاق ، دون التنازل عن القيم والمبادئ ولابد من إرساء قاعدة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كما هو معروف ومقرر عند عقلاء المدرسة الشاطبية !

لقد كتبت مقالا سابقا في موضوع " الفكر السياسي في الإسلام " نشر في صحيفة تقدمي وها أنا أرجع وأقول الفكر السياسي ليس وافدا على الإسلام البتة ، بل إن هدف الأنبياء والرسل من عهد نوح عليه السلام إلى خاتمهم قائم على سياسة الدنيا بالدين لا العكس ، وقد كتب في هذا غير واحد كالماوردي الشافعي وأبو يعلى الحنبلي وبن تيمية الدمشقي وبن خلدون المالكي .

هذا من ناحية السياسة الشرعية ويسمُّونها بهذا ، وكُتبُ الفقهاء غالبا ما تخلوا من هذا ويرجعون الأمر إلى أحكام الولايات الدينية كالإمارة والقضاء ، وخير من كتب في هذا هو بن فرحون المالكي في كتابه "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام" .

نعم إن فكرة الاسلام السياسي أو الإسلام المُسيس فكرة استشراقية كان الهدف منها هو القضاء على فكرة المطالبين بتطبيق الإسلام في جميع شؤون الحياة ، بدأت في مصر بزعامة " نابليون بون بارت" وأعوانه من المستشرقين إبان حملتهم على معقل الإسلام مصر ـــ أرض الكنانة ــــ ، لكنهم لم يفلحوا في هذا فسرعان ما اكتشف المصريون الفكرة وظلوا صامدين إلى يومنا هذا !

على أصحاب الأحزاب السياسية ذات الطابع أو المنهج المتدين أن يعلموا أن المسألة ليست مسألة انضمامات ولا ولاءات حتى ، المسألة مسألة قيم وأخلاق وفضائل مجسدة على أرض الواقع ، المسألة مسألة سلوك ومنهج وأن الشعارات الرنانة والصياح والعويل لن ينتصر صاحبه على نفسه فضلا عن غيره ، كذلك ليعلموا أن فكرة المناصب لا تقوم على الشعبية وكثرت الأصوات الاقتراعية ، وإنما تقوم على إن خير من استأجرت القوي الأمين !

وعليهم أن يعلموا أن الإسلام ليس لوحة فنية يرسمها فنان تشكيلي على جدار غرفته ، ولا أغنية ترددها ماجنة على جمهورها ، ولا مسرحية يُطرب بها ممثل خيال السامعين ، ولا كرة قدم يخسر فيها فريق ويفوز فريق ، الإسلام حين يصل الأمر إلى أن تقلع جذوره تدفع في ثمنه النفس رخيصة ، وحين يصل الأمر إلى المساومة في المعبود والتسوية بينه وبين المخلوقين يقال " لكم دينكم ولي دين " ، وحين يصل الأمر إلى أن يبتذل في سبيله الجاه والمال والعشيرة يقال " لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أموت دونه " نعم على هذا تربى الجيل المسلم الأول ولن تقوم لنا قائمة حتى نطبق تلك التعاليم سلوكا وحضارة .

نعم سلوكا وحضارة وقيم وتعاليم شعار صاحبها " إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " .

إن أول جماعة في العالم الإسلامي عرفت السياسة وخدمتها هي جماعة الإخوان في مصر على يد مرشدها حسن البنا وجماعته كسيد قطب ومحمد الغزالي ، لكن لحُسن حظهم تلقوا أصنافا من التعذيب على يد جمال عبد الناصر والسادات ومبارك ، وهذا ما جعل العالم الخارجي يبحث عن حيثية مسألتهم ويناقشها وهذا ما سبّب لهم تعاطفا دوليا من قبل الشباب المتحمسين والغيورين على دينهم وأمتهم .

لكن لاختلال التوازن بين منظري الجماعة وقعت في اضطراب فكري ، بل وقعت في انشقاقات فكرية ، فهذا سيد قطب يحارب في ظلاله الجاهلية الثانية ويعتبر أن المؤذن لا يفقه ما يردده يوميا وينفعه إن لم يطالب بالحاكمية وعلى هذه الخطى نهج الظواهري حين كان معه في السجن وحين أفرج عنه نقلها إلى أتباعه ، وهذا حسن البنا يرى أن التركيز على القاعدة الشعبية أولى من المطالبة بالحكم وعلى هذا النقيضين تلقف البعض المسألة فوقع الخلط بين القضايا الفكرية والسياسية فخرج لنا جيل تتصارع في داخله قوى منها المُشرق ومنها المُغرب .

نعم المُشرق يستحلُّ دماء غيره ويسبي نسائه محتجا بكفره ، ومُغرب جعل الدين في شعارات وأربطة عنقية وتكبير وتهليل عند كل نازلة وحين تخمد تذبل وكأن شيئا لم يكن !

 وعلى هذه النقائض التي تجعل من الأديب عالما وتجعل من السياسي مرشدا وقع العالم العربي والإسلامي في حيرة من أمره ، هل يتبع منهج الأديب أم يتبع منهج السياسي الأريب ؟

نعم جعلت العالم الإسلامي يقف وقفة تأمل حتى تتزن السفينة ليلتحقوا بها فيما بعد !

في هذا الواقع المتردي بقي البعض مكتوف الأيدي كسلفي مصر ومن حام حولهم مقتنعين نوعا مّا بفكرة سيد قطب مع تحفظهم على بعض نقاطها ، وحين ارتأت الولايات المتحدة مع القوميين ( الناصرية ) رأت أن المصلحة في مُصادرة فكر سيد قطب وفكر أتباعه ووقّعت على إعدامه فجرا ، وحين دارت الدائرة بفعل الثورات العربية على باقي القوميات ارتأت كذلك في الوقوف جنبا إلى جنب مع أعداء الأمس بل وصل الأمر إلى الدعم اللوجستي كما حدث في ليبيا .

على الجميع أن يعلم أن لا دولة اليوم في العالم الإسلامي لها تأثير في مجلس الأمن الدولي البتة ، وإنما نُدار بين مصلحة قطبي آمريكا وروسيا !

نعم مصلحة آمريكا وروسيا فما وافقهم هو الإسلام الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بيديه ولا من خلفه وما خالفه فهو دين مسيلمة هكذا منطق الواقع ، بل إن أحد الكتاب الأمريكيين يذهب بعيدا ويقول في كتابه " لعبة الشيطان " إن الولايات المتحدة تقف وراء أي جماعة اليوم وتدعمها بطرق خفية ولنا مع هذا الكاتب لقاء آخر في مقال لاحق .

وبعد هذا الصراع الفكري أصبح السلفي سياسيا إخوانيا وعلى هذا نهج حزب النور في مصر ، وأصبح الإخواني سلفيا سياسيا وعلى هذا درج أتباع الرئيس المصري الجديد " محمد مرسي " حيث أفتى أحد المعجبين به بقتال واستباحة من خرج للتظاهر ضده .

لاشك أن مصر هي مُحرك العالم الإسلامي وماكينته التي يدور على رحاها ولهذا التغيير الجذري الذي وقع فيها جعل بعض السلفيين خارج مصر يفكرون في تبني فكرة الأحزاب السياسية خشية التأخر عن قطار التنمية الذي يحدد  في بطاقة صعوده أن تكون سياسيا .

نعم سياسيا وعليه فكّر منظرو حزب الأمة الموريتاني سابقا ــــ حسب ما هو متداول اليوم ـــ  على إن شاء حزب يشارك في عملية الحياة !

ومما لاشك فيه أن أصحابه أصحاب خبرة وحنكة سياسية سابقة وأكثر نُضجا من غيرهم وحسب وجهة نظري فإن " بومية " وحمدا ولد التاه " ومحمد فاضل ولد محمد الأمين " ومحمد المختار ولد أمبالة " إذا اجتمعوا في شيء فسيكون له تأثيرا قوي على عُقلاء البلد ومُصلحوه .

 لا ضير في إنشاء حزب سياسي ثانية بل على الحزب الجديد أن يتجنب الأخطاء السياسية التي وقع فيها من سبقوه وإلا فسنبقى ندور في دائرة الفشل السياسي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأخيرا يا تُرى هل تعتقد أن الأحزاب الإسلامية بمفردها  ستحقق نصرا أم هزيمة ؟

المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي 

21. أغسطس 2012 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا