" وسيحل العمل اللائق محل أشكال التشغيل الأخرى عن طريق عصرنة الاقتصاد، والشروع في حوار جاد فيما بين الشركاء الاجتماعيين، من أجل زيادة الحد الأدنى للأجور، وتحسين الظروف المعيشية للعمال .... ،وبعد التشاور مع الشركاء الاجتماعيين سأقترح على البرلمان جملة من النصوص التشريعية الهادفة إلى مزيد من المرونة في تشريعات الشغل للقضاء على الكوابح التي تعرقل التشغيل، مع الحفاظ على حقوق العمال وأرباب العمل" (مقتطفات من برنامج تعهداتي، ص 40،41).
تشكل الدعوة إلى حوار اجتماعي وطني فرصة نادرة طالما انتظرتها الشغيلة الموريتانية التي عانت منذ نشأة الدولة من الظلم والحيف، في ظل قوانين شغل جامدة ظلت تكرس الغبن، والتفاوت في توزيع الثروة و اللامساواة الاجتماعية على مر الحكومات المتعاقبة على حكم البلد( مثال: علاوة الأعباء العائلية،التفاوت في علاوات الموظفين...)، وتأتي هذه الفرصة كبارقة أمل لاستعادة العامل الموريتاني لكرامته المهدورة، وحقوقه المسلوبة بقوة " القانون" منذ عقود،وخاصة حقه في الحصول على عمل لائق،وبأجور مجزية تضمن عيشا كريما وتحقق التنمية المنشودة.
و رغم أن هذه الدعوة جاءت من رئيس الجمهورية في إطار برنامج " تعهداتي" إلا أنها أيضا تأتي في ظرف استثنائي يقتضي منا جميعا استحضار المصلحة الوطنية لتجاوز مرحلة خطيرة من تاريخ البلد و العالم، تتطلب منا أن يشد بعضنا بعضا للخروج من تداعيات جائحة كورونا، وتهيئة أرضية مناسبة لخلق مناخ اقتصادي سليم، يمكننا من الإقلاع الاقتصادي الناجح، لكن ما نخشاه اليوم هو أن يتم تأويل هذه الدعوة " لحاجة في نفس يعقوب" إلى مواضيع فضفاضة، تفتح نقاشا عقيما حول قضايا يتخذها البعض مطيته لتحقيق مكاسب شخصية، أصبحت معروفة و بأساليب للأسف مفضوحة.
و من أجل قطع الطريق أمام تأويلات المأولين، وتبريرات المبررين لابد هنا من تحديد مفهوم " الحوار الاجتماعي الوطني " و الأطراف المعنية به، و مجالات اهتمامه، والنتائج المتوخاة منه،وذلك لإزالة أي لبس محتمل، وتفاديا لأي انحراف مفتعل، فالحوار الاجتماعي وفق تعريف منظمة العمل الدولية " يتضمن كافة أنواع التفاوض أو المشاورات أو ببساطة تبادل المعلومات بين ممثلي الحكومات، وأصحاب العمل، والعمال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك المتصلة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
و يستشف من هذا التعريف أنه حوار ثلاثي الأطراف (العمال، أرباب العمل، الحكومة)، تتحدد مجالاته في مواضيع كثيرة يمكن تكييفها حسب السياقات الوطنية، و نذكر منها على سبيل المثال – لا الحصر- سياسات التشغيل، مراجعة نظام الأجور، المعاشات، وقت العمل، الحريات النقابية، عمالة الأطفال،السلامة والصحة المهنيتين...
هي فرصة ثمينة، ومطلبا عماليا رئيسيا يأتي في ظرف استثنائي يتوجب علينا استغلاله، و تعزيزه أكثر لتحقيق قدر من الإنصاف والانسجام، من أجل ضمان مناخ اقتصادي سليم، يوفر العيش الكريم، ويجنب البلاد ويلات النزاعات ومآسي الانزلاقات الخطيرة، و لن نرضى أن يختطفه السياسيون لتحقيق طموحات آنية، أو تعكير جو الهدوء السياسي الذي ينعم به البلد خلال هذه الفترة.