كلمة الإصلاح فضلت أن يكون مقالها اليوم ضيفا علي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ( تواصل ) ولكنه بإذن الله سوف لا يكون ضيفا ظله ثقيل ولا مقامه طويل ولا غايته صعبة المنال.
وأود بادئ ذي بدء أن نطرح علي هذا المقال الضيف الأسئلة التي تطرح عادة علي القادم لنحد بها من تشتيت أفكار المستقبلين عن سبب الضيافة وهي : من أين قدمت ؟ وماذا تريد ؟ ولماذا اخترت النزول علي هذا الحزب بالذات ؟.
فأقول وبالله التوفيق ردا علي هذه الأسئلة أنني أنا شخص مسلم وبذلك يعرف من أين جئت بمعني أنني جئت من عند الإسلام ، أما ماذا أريد فإني ولله الحمد أحمل معي في ما هو أخص من جيبي رسالة الإسلام إلي أهل الأرض جميعا ، وبما أنني كذلك ولله الحمد في دولة كلها مسلمة اخترت أن اعمل جولة في شعب هذه الدولة الذي كثر فيه هذا العام رحيل الزعماء عن الدنيا ولم أسمع بتوديع الشعب لهؤلاء الزعماء إلا علي نمط واحد ، وهو الاعتراف التام بأنه ليس لهذا الراحل من ملجأ إلا جهة واحدة وهي استقبال الله له حتما عند موته وهو وحيد ، وطلب الجميع من الله أن يغفر له ويسامحه زيادة علي كتابة آية ألفاظها قاطعة بأن النفس الراحلة مطمئنة وأن الله أمرها مباشرة بدخول الجنة ، ولكن المتكلم هنا هو الشعب والله يقول في الموضوع : (( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون )) ، وهذا في آخر ساعته من الدنيا ، أما بعد ذلك فيسجل القادم تحت عنوان : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) ، ومكتوب بجنبها : (( لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد )) ، ونتيجة لهذه الحقائق أعلاه فقد اصطحبت معي في ما هو أخص من جيبي كما ذكرت سابقا رسالة الله إلي البشرية كلها أحملها في قلبي للمقارنة ولو بفكري أنا القاصر الذي لا يكاد يري بالعين المجردة ، ولكن لشدة و قع صوت النعاة لهؤلاء الزعماء وتعليق المعلقين بعد الوفاة ، فقد اقترحت علي أن أعمل جولة في بعض مؤسسات مكان عمل هذا الشعب قبل أن يعلن المواطنون نعيي أنا ويقولون ما يقولون في ، وأنا أعلم بنفسي ولكن قطعا لا أعلم ما عند الله لأي أحد.
فقد اخترت البداية بالنظر في نشاط هذا الشعب وهي مؤسسة الأحزاب لأنها مظنة النشاط المبحوث عنه ، وهو العمل الدنيوي ، هل لاحظ فيه صاحبه العمل لما بعد نعيه ؟ أم هو عمل روتيني محض للدنيا ينطبق عليه قوله تعالي : (( ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وماله في الآخرة من نصيب )).
ولذا فقد استمعت إلي نشاط حزب الاتحاد من احل الجمهورية ، وقوي التقدم ، والتكتل ، والتحالف الشعبي التقدمي ، وبعض الأحزاب القوميين إلي آخره ، وآخر محطة توقفت عندها للمبيت لخصوصية سأذكرها فيما بعد هي حزب التجمع للإصلاح والتنمية ( تواصل ) وبما أنني جعلته هو عنوان الرحلة فسوف أقف عنده أكثر لا لخصوصية وجدتها بادية في هذا الحزب عن باقي أحزاب الشعب الأخرى بصفة عامة ولكن لخصوصية خص بها هذا الحزب نفسه لمناقشتها معه مناقشة داخل الأسرة الواحدة وهي التي وعدت بذكرها، ألا وهي وصفه لنفسه بالحزب ذي المرجعية الإسلامية .
وقبل ذلك أعود لأذكر نتيجة زيارة الأحزاب أو علي الأصح الاستماع لبرامجها ونشاطاتها ، فمن يحمل معه رسالة السماء إلي الأرض وهي القرآن ، والجميع متيقن أن موضوعها هو الإنسان الذي كل يوم ينعي بعضه بعضا ، والناعي يتيقن أنه هو والمنعي لا لقاء بينها بهد هذا اليوم إلي ما لا نهاية ، ويتيقن كذلك أن هذا المنعَي الآن ذاهب إلي احدي مكانين لا ثالث لهما كما قسم الله عليهما خلقه وهما (( فريق في الجنة وفريق في السعير )) ، وتوضح هذا آية أخرى : (( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )) ، وتفسر ذلك ساعة الموت ، فمن أتته ملائكة الموت وهو طيب فسيقولون له : (( سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) ، ومن أتته الملائكة وهو ظالم لنفسه فسوف يحاول التنصل بكلام كذب فيقول : (( ما كنا نعمل من سوء )) فترد عليه الملائكة في الحين بقول الله تعالي : (( بلي إن الله عليم بما كنتم تعملون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين )).
هذه الصورة الكاشفة للفريقين من زار مكاتب الأحزاب فسيرى أن كثيرا من رسالة السماء معطل النظر في فحوى مضمونها.
فالقرآن مكتوب فيه أن كل إنسان عليه حافظ من الملائكة يحفظه من أمر الله ، وأن هناك أيضا ملكا عن يمينه يكتب حسناته وآخر عن شماله يكتب سيئاته ، فالقرآن عبر بكلمة : (( ما يلفظ من قول )) والقول معروف وهنا نكرة لتعم كل قول ، ويقول في فعل الإنسان : (( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون)) ، والقرآن لا يصف القول أو الفعل بأنه ديني أو سياسي أو عبث أو جدي أو هو عبادة أو فساد في الأرض ، فهو في القرآن قول وفعل مكتوب في سجل كل أحد مؤمن أو كافر ، عابد أو فاسق إلي آخره ، فلو سماه أهل الأرض بالسياسي فذلك لا يغير من حقيقة كتابته في سجل الإنسان شيئا ، فمن اطلع علي برنامج الأحزاب أو سمح تدخلات مناديبها في البرلمان إلي آخره ، لا بد أن يلاحظ أن هذا الشخص الذي يمكن أن ينعي بالموت في كل ساعة ويذهب إلي أحد هذين المصيرين أعلاه ، لا يتكلم طبقا لهذه الحقيقة ، وليس هذا وحده ، وهو عدم ملاحظة كل مسلم أن كل ما يلفظ من قول أو يعمل من عمل سيجده حاملا له في عنقه إلي آخر ما في الآية ، بل أنبه هنا فقط أنني لم أجد في أسماء تلك الأحزاب ادعاء أنها أحزاب إسلامية أو أن مرجعيتها إسلامية ، فلا الاسم يشير إلي ذلك ولا أي حزب يدعيه مع أن هذه المسميات ليست شرطا في الإسلام ، ولكن بما أن هناك حزبا يطلق عليه إسلامي وهو يصف نفسه بأن مرجعيته إسلامية وهو الآن مكان ضيافتي فاسمحوا لي أن تحول إليه لأجد في بعض وثائقه أنه حزب مرجعيته إسلامية لنناقش معه ما تغني هذه الكلمة عن صاحبها دون مضمونها بعد ان ينعي رحيله إلي الآخرة ؟
فالمرجعية في اللغة تعني الرجوع إلي الشيء للاستفادة منه ، إما للأخذ منه مباشرة أو للإقتباس أو طلب الهداية به إلي شيء ضاع أصله كما قال تعالي : (( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا )) وقوله تعالي : (( فرجعا علي ءاثارهما قصصا )) إلي آخر الآيات.
ومعلوم أن القرآن هو رسالة كاملة جامعة لجميع مناحي الحياة ، فمرجعيتها لا تخص العبادات ولا المعاملات ، فالمعاملات كما نعلم جميعا تبدأ في الإسلام مع الشخص لنفسه : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )) إلي مقارعة السلاطين بكلمة الحق أمامهم فيقتلون قائلها.
فمرجعية الإسلام في قضية العبادة يقترب الأفراد الموريتانيون في التساوي في مرجعيتها ، فالراعي لغنمه يصلي عندما يحين الوقت ويصوم رمضان ويزكي إذا لزمه كذلك.
فعند قراءة جميع رؤية هذا الحزب أو قرارات هيئاته التنفيذية والتشريعية ومقارنتها مع قرارات الأحزاب الأخرى ، فسوف لا يميز بعضها عن بعض إلا بعناوين الأسماء المختلفة ، أو المواقف الإيجابية أو السلبية من الواقع المعيش في الدولة بدون ذكر أي سبب إسلامي لهذا الموقف ، فقد يسمع الشخص في قرارات الحزب ذكر الإسلام ، ولكن مع قلة ذكره لا يسمع إلا كلمة المرجعية فقط التي لا تتبع الموضوع المعبر عنه بالموافقة أو المعارضة.
فالإسلام كما يعرف الجميع مرجعيته هي الموجودة نصا في القرآن بدءا من قوله تعالي : (( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه كان بما تعملون بصيرا )) ، وعندما نريد أن نستقصي قوله تعالي : (( كما أمرت )) أي كما أمرناك أيها الإنسان بمعني إذا كنت رئيسا فعندك أوامر خاصة بك ، أو غنيا أو ذا جاه ، أو متكلما فقط ، فعندك أوامر : (( ولا تقف ما ليس لك به علم )) ، إلي آخر الآيات الأخرى ، ووصايا سورة الأنعام ، وأوصاف عباد الرحمن في سورة الفرقان ، فإذا ذهبنا إلي المرجعية الإسلامية في صحيح كلامه صلي الله عليه وسلم فسنجده تبدأ من أذكار اليقظة بعد النوم ، والحركة في جميع الحياة مع الأسرة والمجتمع ، ما دام الإنسان في وعيه إلي أن ينام.
وهنا أرجو أن يقبل مني هنا تعليق أشهد عليه أمام الله وهو أن أكثر أفراد الحزب بجميع أنواعه وألوانه (وشرائحه التي صنعها هو بسلوكه في حزبه ) الجميع من أحضر معه السلوك الفردي للمسلم الهادئ المتبع للإسلام فستكون ملاحظته قليلة في هذا الصدد علي أفراد الحزب ، ولكن السلوك النظامي الخارجي الذي يراه المجتمع فاسأل عنه كلمة المرجعية الإسلامية فستسله المرجعية الفعلية سل الشعرة من العجين من المعني المظنون ، وبعد ذلك ضع الحزب في الميزان ومعه قراراته وقرارات الأحزاب الأخرى إن أردتها معارضة أو موالاة ، فسيظهر لك فحوى القياس قبل القياس نفسه ، أما الملاحظة الثانية هنا ، فالميلاد أصلا كان طبيعيا مطابقا للمرجعية الأصلية إن لم يكن بالفعل فبالاتجاه ، إلا أن الشيطان أقسم لله ليقعدن علي الصراط المستقيم ولم يستثن أي إنسان ولا جماعة ولا حزب.
وملخص هذا أن الرسالة السماوية سوف تنتهي الدنيا وهي واضحة ولا يعرف الإسلام إلا بها ، ومن هذه الفقرة بالذات أقول لمن أراد أن يسخر من الحزب ويقول له " إخوان موريتانيا " ( فمع أن هذه العبارة لا يسخر بها إلا من جعل الله فيه مكانا للسخرية الدينية ) فأقول له أنها لا تؤدي معناها الذي هو مراده ، فإخوان مصر لا تمثلهم نهضة تونس ولا عدالة المغرب ولكن يمثلهم الاخوان المسلمون في مصر قديما وحديثا ولكن من يريد حقيقتهم فسوف لا تطلع علي حقيقتهم إلا بعد نعيك أنت صاحب السخرية ، وتحضر معهم إلي دار النهاية ، وتعاين أحدهم هناك بمعني أن الحياة في الدنيا لا تعطي حقيقة المصير الأبدي الذي هو بيت القصيد في الإسلام : (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) ، فمن تقبله الله منهم فانظره تحت قوله تعالي : (( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال علي الأرائك متكئون )).
أما حسن حياة أهل الدنيا فهو يشبه تحلية ألعاب الأطفال بالذهب والجواهر.
وأخيرا فإني ألفت نظر الجميع إلي حالتنا كدولة إسلامية كما هو واضح في محطة إذاعة القرآن الكريم ، فالدولة قد كلفت علماء بالتبادل علي المحطة لأجل الدعاء لرفع البلاء الذي أرجو أنا من الله كفرد لا حول لي ولا قوة أن يرفع عنا وعن هذه الدولة وعن جميع المسلمين الوباء والبلاء ، وكل بلاء ينزل من السماء أو يصعد من الأرض ، إلا أنني أنبه أن الإذاعة تنقل دعاء العلماء هي نفسها الإذاعة التي تقول للسلطة التي مكن الله لها في الأرض عن طريق أوامر الله نفسه : (( يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلي )) (( والجروح قصاص )) ، ونحن كل يوم يسقط طفلا بضربة سكين ولا قصاص ، كما تقول الإذاعة القرآنية (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله )) ، (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) ، وأرقام الاغتصاب تجاوزت المئات ، بمعني أن العلماء يبتهلون في الإذاعة يطلبون الله رفع البلاء ، والله في القرآن يطلب من السلطة تنفيذ حدوده فوق أرض الله علي عباد الله ، فلا العلماء انتبهوا لهذه المعادلة ليجيبوا عنها وهم يعرفون الإجابة ، وهي : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ، وعلي كل حال فأنا أرجو من الله لكل ميت مسلم سواء نعته الإذاعة أو توفي من غير إعلان ذلك أن يعامله الله بما في قلبه من الإيمان ولو مثقال ذرة إن مات لا يشرك بالله شيئا كما قال تعالي : (( إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )).