النشيد الوطني في ملاحظات عابرة / عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

altيعود الحديث هذه الأيام عن النشيد الوطني ليتصدر من جديد صفحات المدونين والمواقع والصحف وغيرها من وسائل التواصل وهو حديث جديد قديم يتسع فيه المجال للرأي والرأي المخالف حسب تقديري المتواضع ،

  ورغم التحفظ من رأي المطالبين بتغييره  وجهلي على الأقل شخصيا بنوايا هؤلاء وخلفياتهم وشخوصهم وبحقيقة ما يصبون إليه فإنه قد تحصلت لدي بهذا الصدد بغض النظر عن كل ذلك ملاحظات أود أن أضعها بين أيديكم ، و للأمانة فقد قرأت ملاحظات لبعض الإخوة غير بعيدة منها أو من بعضها ، وهذه الملاحظات أجملها في النقاط التالية :

-          القدسية التي يضفي البعض على النشيد الوطني  ووصفه بأنه من الثوابت الوطنية ومن الخطوط الحمراء التي لا يَطالُها التمحيص أو النقاش والطعن في نوايا كل داع إلى تغييره أو مراجعته ووصمه بمختلف النعوت الشائنة أعتقد أنه لا يخلو من مبالغة ، وقد ينطوي على مستوى من مستويات الاستبداد الفكري الذي يُخشى أن يشكل عائقا أمام القبول بمطارحة  ومعالجة كل الاشكاليات الفكرية أو الرواسب الاجتماعية  التي قد تحتاج  البحث  والمناقشة  .

-          لا خلاف أبدا على قدسية وسمو ونبل المعاني والدلالات التي يشير إليها هذا النشيد بغض النظر عن كونه نشيدا وطنيا معتمدا لموريتانيا أو لم يكن كذلك وأُزيلت عنه تلك الصفة وعاد إلى أصله كنصيحة شاملة وصادقة من إمام ناصح لأخيه الأصغر ومن خلاله إلى كل إخوانه المسلمين .

-          صحيح أنه الآن رمز من رموز السيادة ويمكن وصفه بالمقدس كنشيد طالما هو النشيد الوطني المعتمد ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يُعدَّل أو يُعْدَل عنه ، شأنه في ذلك شأن الدستور والعَلَم ورئيس الدولة وغير ذلك فكل هؤلاء يمثلون رموزا ولكن  استبدالها يظل ممكنا في أي وقت من الأوقات طوعا بالطرق  الشرعية المعروفة بالنسبة لبعضها أو حتى كرها بطرق غير شرعية كما حصل أو يقد يحصل بالنسبة لبعضها الآخر .

-          لا خلاف على أن كلمات النشيد الوطني كتبت لتكون نصيحة فردية ويمكن تعميمها لتكون نصيحة للجميع ولاشك أنها وافية بهذا الغرض خصوصا فيما يتعلق بما بين المرء وربه وفيما بينه وبين العباد من إسداء النصح لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، ثم إن هذا الطابع الرباني الذي يميز نشيد الجمهورية الإسلامية الموريتانية يحمل دلالات عميقة تعبر بصدق عن  اسم وخصوصية هذا  البلد التي تجعل الدين يتبوأ الصدارة رسميا كما هو حاله شعبيا ، وكل هذا يستحق منا أن نحافظ عليه ونتمسك به ونناضل من أجل تكريسه .

-          يجب أن لا يَحجب عن أبصارنا حيازة هذا النشيد لكل تلك المُثل حقيقة مفادها أنه لا ميزة فيه لأي شعب مسلم عن بقية الشعوب الاسلامية فلا ورود فيه  لاسم البلد لا تصريحا ولا تلميحا ولم يرد فيه أبدا ما يدعو إلى الاعتزاز بهذا البلد بالذات والتفاني في حبه والحماسة له والدفاع عنه والإخلاص له وهي ميزات أعتقد أنها أساسية وأن الكثير من أبناء وطننا يبحثون عنها ويفتقدونها ويحتاجون من نشيدهم الوطني أن يشيد بها و يتغنى بها .

-          لقد قام الفنان الفرنسي توليا نيكيبرووتزكي الذي لحن النشيد الوطني بتلحين كلمات لا يفقه من معانيها شيئا وهذا في نظري لا شك في أنه مضر ومؤثر على مفردات وتعابير  النوتة الموسيقية التي ألّف لتعبر عن تلك الكلمات المبهمة بالنسبة له ، أما عزف وأداء الفنان الكبير سيداتي له فلا شك أنه كان ابداعا بمعايير ووسائل فنان مثله قادم من أعماق البادية وقتها ولكن من يستمع إليه الآن ويستمع إلى أداء أي نشيد وطني لأي دولة شقيقة أو صديقة سيصاب لا محالة بالصدمة بل ويتملكه الإحباط ، أما إذا استمع إليه من يجهل مفرداته من غير مواطنينا فلن يتمكن حتى من تمييز لغته .

بناء على هذه الملاحظات السريعة والبسيطة أعتقد أن الإبقاء على كلمات النشيد الوطني الحالية  يشكل أفضل الخيارات خصوصا أن أغلب الشعب الذي هو صاحب القرار أو هكذا ينبغي أن يكون لا يريد به بديلا حرصا منه على ذلك التميز وتلك الخصوصية التي تمنحها كلماته الربانية السامية ولكن ذلك لا يغني عن ضرورة المراجعة والتحسين فهي احتياجات متجددة ومطلوبة باستمرار ولا غنى عنها لأمة تريد أن تتجاوز الجمود وتتغلب على النواقص ولا يمنعها التقصير في جوانب من جوانب حياتها  الكثيرة حتى وإن كانت أولويات لم تجد بعد طريقها للمعالجة والحل من معالجة نواقص أخرى ولو كانت جزئيات يراها البعض أوهي بالفعل كذلك أقل إلحاحا لكن  معالجتها لا تكلف الشيء الكثير من الجهد أو الوقت أو المال ، لذا فإني أقترح :

-          الإبقاء على النشيد الوطني بكلماته الحالية مع إضافة مابين خمسة إلى عشرة أبيات تتناول الوطن الموريتاني تمجيدا وإشادة بماضيه وزرعا لبذور حبه والتفاني في خدمته والدفاع عن وحدته الوطنية وحوزته الترابية والتعايش بين مختلف أبنائه في الحاضر وفي المستقبل .

-          الإعلان عن مسابقة عالمية مفتوحة أمام جميع شعراء اللغة العربية لكتابة الكلمات المضافة واختيار أكثرها تميزا واستيفاء للمعاني المنشودة وتناسبا وتناسقا مع الكلمات الأصلية للنشيد الوطني .  

-          الإعلان عن مسابقة عالمية مفتوحة أمام جميع الملحنين لإعادة الكتابة الموسيقية للنشيد الوطني واختيار أفضل لحن من بينها وأكثره إلهابا للحماس وإثارة لمشاعر الفداء والنخوة والاعتزاز بالوطن .

-          الإعلان عن مسابقة عالمية مفتوحة أمام جميع الفرق الموسيقية لتأدية النشيد الوطني بطريقة عصرية وجميلة ولكنها أيضا تستمد جذورها وعمقها من الفن الموريتاني الأصيل .

 

إن الرغبة في التطوير والتجديد والتجويد لا تعني بالضرورة التنكر والكفران بالموجود بقدر ما هي في بعض الأحيان تعبير عن التمسك به ولكن في قالب أفضل يمنحه القدرة على البقاء والصلابة في وجه إكراهات الحاضر واستحقاقات المستقبل ، ولن تكون موريتانيا آخر ولاهي بأول من راجع و عدل نشيده الوطني ولا آخر ولا أول من يفتح المجال أمام كل المبدعين في شأن خاص له بعده الوجداني والسيادي .

 

عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

الدوحة : 03 - 01 - 2013

8. يناير 2013 - 0:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا