كلمة الإصلاح قصدت هذه المرة أن تضغط في عنوانها أهم الأمراض المزمنة التي تعاني منها موريتانيا منذو 30 سنة.
فقد بدأ العنوان بمناشدة السياسيين حقيقة بأحزابهم ونوابهم إلي آخره ،الذين أصبحوا كورونا موريتانيا الإداري، إلا أن كورونا الةباء أقل خسارة في الأرواح بالنسبة لكثرة إصاباته ، ولكن كورونا سياسيي موريتانيا فتاكا لم يترك لإصلاح الإدارة ولا للعدالة الاجتماعية ولا للمناعة الجسدية أي خلية إلا مزقها وهتك مناعتها ، وجعلها غير قابلة للإصلاح الإداري والسياسي.
أما المناشدة فهي آخر طلب يلجأ إليه المسلم من أخيه المسلم لعله يتعظ أويفقه قولا ، ولقد عين العنوان السياسيين بهذا الفساد قصدا ، لأن موريتانيا كما يعلم الجميع لم تولد ولادة قيصرية بل جاءت إلي الدنيا في يد حاضنة كانت ترعاها رعاية الأم العاقر التي أحست أن الله زرع في بطنها مولودا سيخرج للوجود عما قريب.
وبعد أن خلق الله ذلك المولود وجد أمامه أما تعرف الرعاية وأنبتتها نباتا حسنا بالاستقامة في القول والفعل ومعرفة المساواة العادلة بين المواطنين وعفاف اليد والقلب واللسان.
ولكن عندما أراد الله مصيبة الحرب وجعلها في كتابه طبعا قبل خلق موريتانيا استلم في ذلك الوقت وما بعده من قريب رجال عسكريون ولكن بالبذلة والتخصص فقط لا بالجشع وإظهار السيطرة والغلبة بالقوة العسكرية ، ولكن نظرا إلي أن كل فن لا يتقنه إلا أهله سارت موريتانيا علي أرجل لا تعرف الخطوات الموزونة الإدارية، فلم تستطع المشي عليها معتدلة ، فخلق العسكريون الأول مكانا لتدخل المدنيين الايديولجيين الموجودة أرجلهم فوق أرض موريتانيا وأعينهم وعقولهم تتلقي التعليمات من الخارج.
وباختصار ما أن وصلنا إلي سنة الأحداث 89 وما بعدها إلي اليوم وربما غدا إذا لم يتوقف من ولدوا في هذه الفترة المتلوثة عن محاولة الديمقراطية بمشي " عيشه رخمه " لتتحول غرابا ولم تقدر ونسيت مشيتها الأولي فصارت تترنح لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء ، لا ديمقراطية حقيقة ، ولا تسيير علي الطبيعة الموريتانية المعتدلة ، فقد حاولنا ديمقراطية لتنقذنا من الآثار السلبية للأحداث ، فخلقنا ديمقراطية مركبة من أنواع الفساد : القبلية أولا والجهوية وأخيرا العنصرية التي لا تبقي ولا تذر ، وكان سير هذه العشرينية في الفساد مختلفا ، فعشرة معاوية الأخيرة أفسدت الدولة بأشخاص جعلوا الدولة ملكا خاصا للمنتخبين ورجال الأعمال إلي آخره من غير تفكير في أي إنتاج ولا تقدم بل بجعل خيرات الدولة الخام في يد خصوصيين سياسيين ورأسماليين وعسكريين ، ولكن لم نصل إلي العشرة الأخيرة حتى تم إرثنا الحقيقي بعصبة لا فرض معها لوارث آخر ، بل تقويها عصبية لا تقبل السير إلا علي اتجاه واحد ، وقد أوضح هذا العصبي هو نفسه ذلك حيث قال لمحدثه عندما قال له أن ضباطا منعوه من المأمورية الثالثة أجاب بأنه في أيامه لا يستطيع أحد أن يلتفت إليه ، وهنا نسأل : أين الديمقراطية ؟ هل هذا كلام رؤساء الديمقراطية ؟.
وعلي كل حال فإن موريتانيا في العشرية الماضية لا تحتاج لمن يبدي سوءاتها في جميع المجالات ، وعند اللجنة البرلمانية الخبر اليقين ولكن في الفساد المالي فقط ، حيث تركت الفساد الإداري مثل تعديل الدستور علي مادة لا تربطه بها أي علاقة ، والاستثناء الأوحد المتقن هو سيطرة أعضاء الحزب الحاكم ونوابه وخبراء العمل في الشركات ورجال الأعمال للشراكة الحثيثية في نهب الأموال إلي آخره ، بمعني أن موريتانيا لم تصل إلي هذا الرئيس حتى هزلت وبان من هزالها كلاها ، وحتى امتلأ منها كل مفلس.
ومن هنا نصل إلي كلمة هذا الرئيس في العنوان بعد مناشدتنا للسياسيين أن يتركوه حتى يعيد موريتانيا دولة صالحة كالدول : واسم الإشارة مقصود هنا ، فالإشارة إلي هذا الرئيس تنبيهه لما جاء في خطابه الذي ترشح به ، والذي كنا نتيقن أنه جاء به من قلبه آنذاك ، فدخوله لقلوبنا إشارة أنه خارج من قلبه ، فالكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب كما يقال ، ولكن مع الأسف تقول الحكمة : أن التخلية قبل التحلية ، ولا تخلية وقعت ، فلا شك أنه هو وحكومته الأولي التي عينها بعد خطابه تتماشي مع ما فهمه الشعب من الخطاب ، فعين فيها رجالا أوفياء بالطبيعة ، وعملوا وفقا لما عينهم هو له ، ولكن لم تمر سنة واحدة حتى رجعت حليمة الحكومة لعادتها.
فالشعب عند الحكومة تقال للنواب والأحزاب والحقوقيين في جسد الديكتاتورية إلي آخره ، فالأبواب مفتحة أمام النواب والأحزاب فقط ، وجميع المواطنين إذا لم يكن في قبيلة المواطن نائب أو زميل لنائب فمن المستحيل أن يفتح وزير أو أمين عام أو مدير مؤسسة أو وال أو حاكم بابه أمام أي مواطن عادي ، ولذا أصبح المواطنون يلجأوون إلي المواقع التي هي الأخرى أصبح غالبيتها معولا لهدم الدولة بنفخ الأعمال الهزيلة لتصعد بنفس النفخة فقط ، وتهدم بنيان من وفقه الله للبنيان ( وقليل ما هم ) إن طلب منها ذلك.
أما السيد الرئيس فقد ظن أن مجرد إرادته هو في قلبه ورغبته في الإصلاح تكفي تلقائيا لذلك ، وقد ظهر للمواطنين في عمله بعد ذلك فهمان : الأول أنه لا يمكن أن يكون طبيب جناح المستعجلات ، لأنه سوف يموت آخر المصابين وهو يحاول إسعاف الأولين ، أما الفهم الثاني فقد جاء في خطابه الترشحي نبرة دينية لا شك أن من يهتم بالإسلام انشرح لها قلبه ، ولكن عند التطبيق أو ما ظهر منه حتى الآن فهو يعني المسلمين الذين ما زالوا أحياء ، أما ما ينتفع به المسلم بعد الموت فإن أوامره ما زالت منتظرة.
وهذه الفقرات الأخيرة تحتاج للشرح ، وأرجو أن يكون في الإشارات التالية فهما لها :
فكون السيد الرئيس لا يمكنه أن يكون طبيب جناح مستعجلات فإنه تقدم أنه جاء إلي موريتانيا وكل القيم الطبيعية للدول خاوية علي عروشها ، فلا حياة معتبرة عند الرئيس إلا للوزراء والأمناء العامين والنواب ورؤساء الأحزاب والحقوقيين إلي آخره ، أما الأغلبية الساحقة من دهماء المواطنين الموريتانيين فلا اعتبار لهم إلا عند من سوف يأخذهم مستقبلا للبيع في سوق الانتخابات.
فكان الجميع يظن في شأن الإدارة أن تصدر أوامر صارمة أن لا يغلق أي و زير ولا أمين عام ولا وال إلي آخره بابه أمام المواطنين أصحاب الحاجات ، فموريتانيا أصبحت أكثر عمالها البوابين فهم جيش ثابت معد لفعل المحرم في الدين وفي الديمقراطيات وهو الحيلولة بين الشعب والمسؤولين ، فكان أولي للدولة أن تجعلهم حراس شوارع ليليا عن دوام هتك الأعراض المستمر والتلصص بدلا من سد أبواب حقوق الناس المشروعة ، ولذا فإن إصلاح الإدارة لم يتقدم خطوة واحدة ، وأعطي مثالا فقط وهو أنه أصبح علينا أن نرفع ملفات المسابقات للخارج للتصحيح وإعادتها إلينا مصححة بعدالة.
أما الانتفاع الديني من القرارات الصادرة عن الرئيس مثل جائزة الرئيس لحفظ المتون وخلق رواتب لللإمة والمؤذين ، فهذا كله ينتفع به المؤمنون الأحياء الذين لا يعرف كيف يتصرفون به تصرفا يعود إلي الآمر أجره في الآخرة ، وإن كان نية الآمر معتبرة إلا أن حساب الله أدق من مجرد النية الحسنة ، فلا بد لها من شروط معروفة لدي علماء الدين في الدنيا.
أما العمل الديني المنتفع به بعد الموت فهو الذي يقام به لوجه الله فقط ، ولذا فإن هذا الرئيس جاء وهناك معلمة علمية دينية مغلقة وجمعيات خيرية تنتفع بها البطون الجائعة التي يتولي الله نفسه أخذ ما يعطي لها من يد العاطي يقول تعالي : (( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات )) ، وقد أغلقت بأوامر أجنبية لا دين لها وما زالت كذلك ، وأيضا فقد قرأنا في المواقع توبة من كانوا يسمون أنفسهم بالسلفيين ، ومن قرأ فقرات عباراتها يتيقن أنها توبة نصوحا ، وهم يطلبون العفو فكان علي من يعنيه الأمر أن يحيل من يطالب منهم بحق شرعي أي جريمة متعلقة بالأشخاص أن يسلم إلي غريمه ليقتص منه أو يعفو عنه ، ومن لا عليه إلا الحق العام فيعفي عنه كما عفي عن اللصوص العائدين للجريمة في المناسبات.
مع أنني شخصيا لا أعرف جهادا أمر به الإسلام إلا تحت قيادة مركزية يدين لها الجميع بالولاء الإسلامي وهي التي تعلن الجهاد بشروطه الكثيرة المعتبرة في الإسلام ، فلا جهاد بثورة ولا بمليشيات ولا بأي فوضي شخصية ، فقتل الأبرياء جهادا لصالح الشيطان فقط ، والجهاد في الإسلام بالسيف أولي منه الجهاد في طلب تنفيذ أحكام الله علي عباد الله ، ولكن لم يجعل الإسلام كل هذا إلا علي من مكن لهم في الأرض ، أما أفراد الشعب فلا يعنيه إلا ما ألزم به هو كفرد كالإنكار ولو بالقلب مع تيقن السبب.
فأي مؤمن مر في قراءة القرآن علي حالة الإنسان بعد موته فسيري الفرق بين قوله تعالي لأهل الاستقامة : (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ))إلي آخر الآيات ، أما الآخرون فيقول القرآن في شأنهم : (( وتري المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشي وجوههم النار )) إلي آخر الآيات.
وملخص المقال أن خطاب الرئيس في الترشح ما زالت نتيجته تراوح مكانها ، والدليل سلوك الحكومة وتقارب الخطو في الإبحار بالمسؤولين الفاسدين إداريا وخلقا ، وهذا مجرد تنبيه قبل أن يقول المعزي علي لسان الملائكة الذين يعرفون حقيقة الإنسان من تعاليم ربهم من هي النفس المطمئنة المستحقة لهذا النداء: (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )).