لحظات مع "البيومتري".. / أحمد ولد محمدو

رغم ولع  بعض مثقفينا التقعير في الكلام واستعراض قدراتهم الفكرية  والعلمية عندما يتحدث أحدهم أو يكتب فتراه يستنجد بما وعت ذاكرته الموسوعية من تعابير ومفاهيم فلسفية ولغة مهجورة ومصطلحات تكنولوجية يصعب إدراك المقصود بها من طرف الغالبية ،

  فإن بعض الكلمات الجديدة في قاموس حياتنا اليومية ذات الشحنة المحسوسة والموسيقى المميزة تسقط من خطابهم عن سهو و كثيرا عن خيار دبر بليل، تلك كانت أحاسيسي عندما تسلمت جوازي البيومتري ـ  هذه الأخيرة تترجم بالقياس الحيوي!! ـ  الذي لم أقرأ عنه أو أسمع محليا ما يشبع فضولي باستثناء "صراخ" أقصد نقاشا "سياسيا" سئمته بعد تكرار أشخاصه ومحتواه.

 

بعد أسابيع من تسلمي  كلمتي الساحرة، تسلمتني أفكار متناثرة اختطفتني من ضجيج مطار دولي ـ وأشدد هنا على أنه دولي منعا للإلتباس ـ  للحظات وأنا أتسلم جوازي البيومتري بسرعة اعتبرتها صاروخية، قياسا بما كنت أعانيه من إحراج مع جوازي السابق ، الذي خطته أنامل ماهرة بخط  عربي و آخر لاتيني أصيل، كنت حينها أعللها  بأن بعض موظفي المطارات لديه ذائقة فنية راقية، فيطيل النظر في الجواز إشباعا لشغف فني، كادت أن تخمده خطوط باهته لآلات صماء لا تعرف للأناقة أو الإبداع سبيلا.

 

فرحتي وفخري بسرعة إتمام الإجراءات، دون نظرة ازدراء تعودتها ،غلبتني لتخرج في وابل من الكلمات أطلقتها دفعة واحدة، في وجه مستقبلي الذي هو أحد أبناء البلد، محدثا إياه عن محاسن التكنولوجيا الجديدة التي أخرجتنا من عصر "رسائل السفر " التي كنا نحملها معنا في حلنا وترحالنا، أسباب أخرى عددتها له بخيلاء، لقد ودعنا للأبد رعب الصفوف الطويلة، وسهر الليالي، والابتزاز،  و دفع الرشا، والاستجداء في سبيل حق من حقوقنا، بورقة تقييد، ومبلغ 30 ألف أوقية، تستقبل على أبواب الإدارة المعنية استقبال الفاتحين ـ هذا هو شعوري ـ بل أكثر من ذلك تجاوزنا عرقوبية المصور الفوتغرافي، الذي كان يتلذذ بضرب مواعيد مختلفة تأكيدا على سطوته، وفي خلال 48 ساعة يصبح ما كان الحصول عليه بالأمس حلما بيدك ولمدة 5 سنوات بالتمام والكمال.

   ودون أن أشيح بنظر عن وجه مستقبلي سألته، هل استخرجت جواز السفر الجديد؟ فباغتني بعد أن علت ملامحه حسرة، يستحيل! وواصل حديثه بأسى، أعتقد أن وضعية "البدون" أفضل بالنسبة لي ما لم تقرر السلطة المسؤولة عن إصدار هذه الجوازات إيجاد حل للورطة التي أوقعونا فيها.

 

ورفع صوته بنبرة غاضبة "لا مراء في أن وصف وضع حالتنا المدنية السابقة بالفوضى يبقى تعبيرا لا يعكس حقيقتها البائسة، لكن الحلول التي قدمت لتصحيحها لم تستطع أن تستوعب كل مخلفاتها"، وردد بصوت خافت:" ألا يكفيهم أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاني منها البلد سابقا دفعتنا للهجرة والآن يريدون قطع أرزاقنا في الغربة".

 

وأسترسل قائلا "كل الشهادات العليا التي حصلت عليها وعقد عملي وإقامتي

لا تحمل الاسم العائلي، ويريدون مني بين عشية وضحاها أن أغير كل شيء كيف لي ذلك؟ حتى أبنتي الصغيرة ذات الأربعة أعوام مستقبلها مهدد، يريدونها أن تحمل اسم جدها الثالث في جواز السفر مما يقطع أي صلة بيننا، هذا مستحيل..مستحيل".

 

المضحك في كل هذا أن يقف لك شاب يتغنج في حديثه، مظاهر النعمة الطارئة تغطيه من أخمص قدمه إلى هامته،  ليحدثك عن لقاءات عقدت مع سفراء الدول الأجنبية شرحت لهم خلالها الحالة المدنية الجديدة وتأكيدهم على تفهمها واستعدادهم للعمل بمقتضاها، ترى هل بدأت تصدق نبوءات نهاية العالم سنة 2012؟،  وكيل في قسم في قطاع في إدارة... لم يسمع في حياته بإمبراطوريات تسمى إدارات الهجرة، يصدر أوامر ويعطي توجيهات للسفراء الدول..! على العموم الوقت مبكر على الحكم على هذا الموضوع، اعتقد أن السلطات ما زال الأمر بيدها ونفترض أن الصالح العام هو غايتها، وبمقدورها أن تجد حلا لهذه المشكلة شريطة أن تضع نصب عينيها أن الإسراع في محاولة حل الإشكال  أفضل من وضعه على الرفوف ليتراكم  ويتشعب مما يضاعف من تكاليف الحل مستقبلا.

سألته هل لديك تصور لحل هذا المعضل؟ قال بالتأكيد، دراسة جادة ومعمقة وتشكيل إدارة خاصة مكلف بهذا الملف كفيلة بحله بدل دفن الرأس في الرمال.

تحسست جواز سفري مصدر فخري قبل لحظات لأطمئن عليه، فوخزني ، قلت في نفسي لك الله يا وطن حتى محاولة ترتيب الفوضى وحل المشاكل يولد مشاكل.

9. يناير 2013 - 13:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا