طوت الإنسانية قرونا ساد فيها الشمال على الجنوب؛ لكن أرض الذهب كسرت القاعدة حين ساد الجنوب في جمهورية مالي وذاق سكان الشمال ويلات الحرب وعاشوا الخراب. لقد ثار الطوارق على الاستقلال و على الوحدة الترابية لجمهورية مالي الحبيسة
ذات الموارد الطبيعة المحدودة.الآن تتحرك خريطة الجمهورية والسيادة كالرمال تحت أقدام الرجال. لقذ ذاب الجيش المالي كشحمة في فرن تركي للوجبات السريعة. وأحرق سونغو علم بلاده ليبقى وجهه آخر قطعة ترمز للقوة في بلد تشربه الرياح في غدوها ورواحها.
لقد كان الرئيس أمادو تموناي توري أكثر قادة القارة الإفريقية حظا في التقدير لدى شعوب الأرض مع أنه كان عسكريا انقض على السلطة عام1991 وسلمها للمدنيين ثم فاز بعد استقالة قيصرية من الجيش برئاسيات 2002. ما يهمنا في مأساة جارتنا يمكن تلخيصه في ثلاثة نقاط محددة:
1.سلطة العسكر رحلة نحو الخراب
جنرالات إفريقيا وضباطها في هوس دائم للسلطة يغتصبونها بيضاء على أكفهم كزهرة تخدشها قبلة عاشق على الشاطئ، كما أن هؤلاء الضباط يريقون الدماء ليقبضوا السلطة لآجال لا يعلم حدودها إلا الله.و قد عرفت بلادنا قصص غرام كثيرة للعقداء والمقدمين والجنرالات للكرسي وللقصر.. حتى وصل بنا الأمر أن حاكم موريتانيا -حاليا- حاجب و"حطاب" جعل من القوة قدرا لتحقيق حلمه في الحكم لإشباع رغبته في تكديس الثروة لصالح العائلة والقبيلة وذوي الأرحام من مواطني بلدان أخرى شقيقة و مجاورة.
صحيح أن استمرار العسكر في السلطة يضعف المسار المدني للسياسية ويبعد التداول السلمي على السلطة ويهدد الاستقرار على المدى المتوسط والبعيد. إلا أن الحاكم العسكري يضعف الجيش ويبطل عقيدته في الدفاع عن الوطن والمواطنين؛ لأن كبار الضباط يتحولون إلى رجال عصابات يحمون سلطة "الزعيم" مقابل الامتيازات والأموال. ويتحول أفراد المؤسسة العسكرية إلى عبيد لرجال يملكون القوة والإمرة..هكذا ينفرط الولاء للوطن والتضحية في سبيله وينسلخ الجيش الوطني من قيمه وهيبته ليصبح شبيها بقوات حراسة لخليفة قاصر و مستبد بيديه مفاتيح بيت المال.ببساطة هذه الوضعية تجهض فيها "القوة" كل معالم الدولة إلا وجه الدكتاتور.
2.الجمهورية والأمة
نشهد جميعا اليوم على أن سفينة جمهورية مالي تغرق بشقيها أقصد الشمال والجنوب... لأن الحرب لا تحرق الناس وأرزاقهم فقط بل إنها تطال مقاديرهم في اللوح المحفوظ لتجعل منهم رمادا بعد أن خلقهم الله بشرا.
لا أحد يمكنه أن يلوم الطوارق وكل المهمشين شمال مالي على حرب يخوضونها من أجل التنمية والكرامة..كما أن سكان جنوب هذا البلد المنكوب لم يصنعوا بأنفسهم أسباب هذه الحرب مع أنهم قطفوا ثمار حرب طالما نامت وأيقظها تهاوي قلاع ملك ملوك إفريقيا وتسرب سلاحه إلى الصحراء.
إن الجناة الحقيقيون وصناع هذه الحرب هم هؤلاء الحكام الذين قوضوا المواطنة وصنعوا الفوارق بين أبناء الشعب مفاضلين بينهم في الحظوة والأموال والمناصب والنفوذ على أساس فوارق اللون والجهة واللغة..... لقد دفن هؤلاء الحكام المواطنة والأمة والوطن ورحلوا تاركين خلفهم الدمار والكراهية والحرب.
3.الإرهاب
هذا الوباء الذي نزل بالصحراء ..وحظي بدور بارز في قبض أنفاس جمهورية مالي نأمل أن يكون لنا عبرة وميزانا في حماية حوزتنا الترابية وعدم التدخل في شؤون جيراننا إلا لحماية أرضنا وحدودنا من سرطان يعصف بالدول وأشباهها.وعيا بأن استقرار الجار أمان للشعب والوطن يا حماة الديار.