العلماء: بين الوقف والرزق / د.أنس أحمد بزيد

كان لأهل العلم في دول الإسلام ومدنه بابان عظيمان للعيش الكريم: أولهما: الرزق الذي يأتي من قبل بيت المال، وهو خارج خلاف أخذ الأجرة كما أفادنيه الشيخ محمد سالم بن عدود رحمه الله تعالى.. وقد صرح الإمام ابن خلدون أن حظهم في خطة الدولة، بقي محدودا على مر العصور، حتى في الدول التي قامت عليهم وأعطتهم مكانة، قال: ولعل ذلك راجع إلى أن الدول لا تعطي إلى على أساس مطالبات وطرائق، يمتنع عنها العلماء عادة وتمنعهم إياها مكانتهم وتربيتهم.  
ثانيهما: الأوقاف التي كانت تغص بها مدن الإسلام، المعمورة بالعلم، حتى قيل (كانت المدينة كلها أوقاف)، لكثرة الأوقاف فيها، وقف المغاربة وقف الشناقطة، أما أوقاف طلبة العلم وأهل العلم فحدث ولا حرج...
وإنما كان العلم عندهم العلم الشرعي لا غير، على عكس إطلاق علمي عندنا اليوم، وفي ذلك سمعت شيخي: محفوظ إبراهيم فال، يقول: كان بعض العلماء يقول لطلبة العلم الشرعي المعرضين عن الطب وغيره من العلوم إنما جئتم تطلبون *الوقف لا العلم..
والغريب تحكم الدول في توجيه دلالة العلم، والإبقاء على مكانته ومكانة صاحبه، ليبقى العالم صاحب المكانة والغنى، لكن لكل أمة وجيل ودولة تخصص ترفع مكانته، بإطلاق لفظ العلم عليه بلا قيد.. ليبقى غيره يبحث عن اسم  أوقيد غير العلم المطلق المدعوم من طرف الدولة والمجتمع.
وفي عصرنا نجد العلم الشرعي، مشردا أو محروما حتى من إطلاق العلم عليه، في الأوساط الرسمية على الأقل..
وعليه لا بد من قيد الشرعي.. 
إن لم نبعده أكثر وأكثر فنقول ديني أو أصلي، أو محظري أو شنقيطي أو زيتوني أو أزهري ...
ومن الطريف في ذلك ما طالعته في كتب الأحناف من إشكال الوقف على الفقهاء لمن يكون؟
هل يكون للفقيه شرعا: وهو من يستنبط الأحكام من أدلتها.
أم يكون للفقيه عرفا: وهو الذي يحفظ الفروع أو المسائل..
ثم خلص الأحناف على ما أذكر إلى أن الوقف يجرى على ما يقصده العامي، والعامي إنما قصد ما يَعرف، وهو حافظ الفروع،  ليصلوا إلى إشكال تقدير الفروع التي بها يكون له حق في الوقف، ثم توصل الحنفيون على ما أذكر إلى أن من حفظ ثلاثة فروع دون دليل أعطي من الوقف بناء على كونه فقيها عرفا لا شرعا.. ونية الواقف العامي على إطلاق العوام وذلك حافظ الفروع، لا غير.
قلت: وقد لحِظت فيما طالعت دراسة الحنفيين، وقف العامي، دون العالم.. وهل ذلك لقلة المال في يد العلماء غالبا أو لقلة ما تخلفه تصرفات العلماء من إشكلات فقهية عادة،...
ومن هنا يتولد سؤال مباحثة علمية: هل نحمل وقف من علمناه مفرقا بين دلالة الفقيه العرفي، والفقيه الشرعي، على لغة قومه العوام، أم نحمله على لغة تخصصه وفنه العالم.
وقد عشت في المدينة النبوية على وقع نقاش غير بعيد عن هذا: مدراه على مفهوم الشناقطة هل يدخله الموريتانييون جميعا؟
أم أنه يختص بالبيظان ولحراطين دون لكور...
وعلى هذا أحكِم نظام أوقاف الشناقطة بالمدينة المنورة حتى عهد قريب.. فحرم منه لكور الموريتانيون بحجة أنهم.. غير شناقطة.. كما حرم الموريتانيون من أوقاف المغاربة على اعتبار آخر....
ولا يفوتني هنا أن أذكر بحقي في وقف الفقهاء، على طريقة شيخي عدود في إيناس غرباء الطلبة، فقد قال لتلميذ الليبي: يحكى أنه عندكم من يحفظ الكتاب الأخضر يعطى بعض النقود، أنا أحفظ بعضه، هات النقود.

 

6. فبراير 2021 - 19:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا