تعرف الكرة الأرضية والعالم آلاف الأحداث في اللحظة الواحدة، وما لا يحصى من الأفعال وردود الأفعال، لكن لا شيء يمكن أن يواكب كل ما يحدث متتبعا تبعاته موصلا حقيقته إلى الجمهور إلا عين الإعلام التي لم تعد تنام.
فالإعلام بمفهومه التطبيقي هو المعروف بعمل المؤسسات الإعلامية والصحفية التي تؤدي خدمة إيصال المعلومة، عبر قنوات ووسائل مختلفة، وأجناس وأنماط مختلفة من الصياغة، ولكنه في الحقيقة منظومة واسعة من العلوم والتي تأخذ بأطراف علوم أخرى متشعبة، وتقوم وفق استراتيجيات تعد وتصمم وفق الأهداف المرسومة لها.
ولسنا نبحر بكم بعيدا داخل نظريات الإعلام والاتصال وتشعباتها وانشغالاتها العديدة، فحسبنا الشروع في تطبيقاتهما على ما يهمنا وهو استغلال التقنيات والاستراتيجيات الحديثة، بما فيها خطط العلاقات العامة والاتصال لما لها من أهمية في بناء جسور الثقة والتواصل الحثيث مع الجمهور والمواطنين.
إن التوجه الحكومي الجديد الذي يسعى إلى بناء جهاز إعلامي جديد، وشبكة اتصال جمهوري، تربط بين المنابر الإعلامية الحكومية، لهو توجه حقيق بالدعم، لما له من أهمية كبيرة وتقتضيه الحاجة الماسة، لكن العمل عليه يجب أن يأخذ بعدا مؤسسيا محكما بعيدا من الترهل، وهو ما يحتاج بعض التحفظ على خططه المرسومة.
لكن السياسة الإعلامية ذات الاستراتيجيات المدروسة هي التي تعتبر بحق أداة الحكم في العالم الحديث لما يتميز به من سرعة الوسائط الإعلامية على غرار سرعة وسائل النقل والسفر، فإن انتقال المعلومة صار ذو سرعة عجيبة لا تحتاج يدا خفية لنقلها، بل تقوم بشكل اعتباطي على الناقلين “الساذجين”، فلكل فرد جهاز اتصال يعتبر ثورة من حيث الإمكانات التكنولوجية، والذي ينقل بشكل عادي أي محتوى يصله إلى العشرات أو المئات، وهكذا تنتقل المعلومة إلى أبعد مستوياتها، سواء أكانت تحمل الحقيقة أو تجافيها، فتحمل المعلومة المغلوطة وتساهم في الإيمان بها.
هذه السياسة الإعلامية التي نتحدث عنها هي الفيصل في توفير القناة السلسة لوصول الحقيقة، دون غيرها من المعلومات المغلوطة، وتكون سباقة إلى مخاطبة الجمهور، تحصينا له من التلاعب به وبمشاعره التي لا تميز بين الحقيقة والكذب.
لنقرب الصورة قليلا بشكل أكثر فنية، فمثلا لو توفرت المؤسسات الرسمية على منابر إعلامية مجهزة تسارع في دعوة الصحفيين كلما جد جديد بخصوص عملها، والتصريح به، وتقديم التوضيحات بشأنه، وتقديم البيانات المكتوبة والوسائط المطلوبة والداعمة، من قبل المسؤول الأول في تلك المؤسسة، فذلك يعتبر التطبيق الصحيح لما نود الإشارة إليه، فهو أسلم في المحافظة على تداول المعلومة الحقيقية دعما للشفافية، ووقوفا في وجه ناشري الأخبار الكاذبة.
وهكذا فإن المؤسسات الرسمية تكون في مكانها الصحيح ضمن العملية الاتصالية ومخاطبة الجمهور والإفصاح عن المعلومة، والتي شكلت أحد أهم مطالب الصحفيين في الولوج إلى المعلومة خلال ثلاثة عقود من الزمن شكلت عمر التجربة التعددية، وتعدد المنابر الصحفية، وهو في الحقيقة ما يجعل المؤسسة أكثر الرابحين فيه من خلال منح المعلومة حفاظا على تداول الحقيقة ولا شيء غيرها.
ولعل مثال هذا هو تجربة وزارة الصحة خلال مؤتمرها الصحفي اليومي وهي تقوم بإطلاع الرأي العام الوطني على الوضعية الوبائية خلال موجتي جائحة كوفيد 19 الأولى والثانية، لما لها من أثر إيجابي في إيقاف الشائعات ودحر الأخبار الزائفة.
إن توجيه الإعلام الجمهوري بشكل سريع وفوري للتفاعل مع الأحداث والمستجدات والمشاريع والبرامج التي تقوم بها الدولة، بحيث تواكبها وتوصل المعلومة بشأنها حتى يكون الجمهور على علم ومعرفة كبيرين، بكل ما يحدث من حوله وفي بلاده، لا شك أنه سيعطي مزيدا من الشفافية والمصداقية، ويسهم في انخراط المواطن وانطلاقا من إيمانه في دعم ومسايرة مشاريع التنمية المقام بها من قبل الدولة.
ونظرا لسياسة الحكومة الموريتانية المراعية للقانون والحقوق والعدالة الاجتماعية ومحاربة الغبن والاقصاء، فإن الإعلام المبني على استراتيجيات مدروسة سيكون خير نصير لها في تحقيق أهدافها وتيسير مهامها، خصوصا في غمرة الحملات الإعلامية التي تستهدفها لتشويه جهودها، وذلك للنيل من سياسة الانفتاح والحرية ومحاربة الفساد.