في الطرف المدني، وحجم الضرر، ورشوة المشتبه فيهم!
ب. حول حجم الضرر المزعوم وبينته
من البديهي أن مركز الطرف المدني الذي يبحث عنه بعض عمدائنا، رغم استحالته في الوقت الراهن، ويدعيه دون بينة عليه، وكذلك حجم الضرر الخيالي المزعوم الذي يعلن عنه على رؤوس الأشهاد، هدفهما المشاركة النشطة في فتنة المرجعية الخبيثة المقيتة؛ وذلك بإيهام الرأي العام وجود فساد في العشرية، ورفع دعوى تعويض كيدية تتعلق به باسم الدولة الموريتانية ضد الرئيس السابق وبعض الوزراء السابقين أمام القضاء العادي؛ إذ لا يسمح أمام محكمة العدل السامية بالقيام بالحق المدني!
وبما أننا كنا قد تناولنا في الحلقة الماضية مسألة الطرف المدني ففندناها تفنيدا؛ فها نحن نتناول في هذه الحلقة - بإذن الله- مسألة "حجم الضرر" المزعوم، واستحالة رفع تلك الدعوى.
وللتذكير، فردا على سؤال قناة الوطنية عن حجم الضرر الذي يدعونه بصفتهم طرفا مدنيا، قال السيد منسق دفاع الطرف المدني: "الدولة الموريتانية تعتبر واستنتجت من عمل اللجنة البرلمانية أنها هي الضحية الحقيقية لكل الفساد الذي عم هذا البلد لمدة 10 سنوات وكانت نتائجه (قاطعه الصحفي قائلا: أنت حسب اطلاعك على الملف ما تقديرك لحجم الفساد في هذه المرحلة) ... أعتقد أنه آلاف المليارات... آلاف المليارات على أسوأ تقدير أنه آلاف المليارات.. جميع القطاعات: شركة سنيم، شركة سوملك، الميناء، الأراضي مدرسة الشرطة الملعب الأولمبي المدارس.. ناهيك ضخم ضخم استنزاف في الحقيقة بمعنى الكلمة"! ... "هناك أموال كثيرة مهدورة ومخزنة في بنوك أجنبية وفي أماكن أجنبية".
وهذا القول هو ما سنناقشه الآن؛ وهو قول محير فعلا.
فأنا شخصيا أستبعد جدا أن يعتقد محام مخضرم ومجرب، أن التهويل والادعاء والولولة تشكل وسيلة ناجعة لتحديد وإثبات الضرر اللاحق بطرف مدني ما أيا كان؛ وأنه بمجرد القيام بذلك يصدقك الناس، ويحكم لك القضاة، وتكسب القضية وتأخذ "حق" زبونك كاملا غير منقوص من غريمه، وينتهي الأمر! وما دمت أستبعد هذا الاحتمال، فإن هذا "القول" لا يخلو من ثلاثة أوجه هي:
* أن يكون نوعا من الاستعراض الذي عادة ما يقوم به بعضهم قبل رسو المزاد، ليثبت أمام عيني زبونه المحتمل قدرته على التزلج على الرمال، كي تزداد ثقته فيه واقتناعه به؛ خاصة إذا كان الزبون غبيا ومحتالا وقليل الخبرة في المجال! وهذا الوجه مستبعد في حق السيد النقيب لما أعرفه عنه من قبلُ من الاستقامة؛ خاصة أنه ممن يعون جيدا قول الحق عز وجل: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}! (آية 36 سورة الإسراء).
* وجود تقرير آخر صوري غير الذي لدى الجميع تم اختلاقه وتسريبه إلى النقيب! وبذلك يكون السيد النقيب ضحية مؤامرة دبرتها الحاشية التي تقف وراء فتنة المرجعية و"لجنةِ التحقيق البرلمانية" وتقريرِها والدفعِ إلى الاتهام والمحاكمةِ و"توكيلِ" 60 محاميا لاسترجاع "أموال الشعب المنهوبة"... وآلاف المليارات"! وهذا الاحتمال وارد جدا لما عرف به النقيب من براءة وطيب قلب. وقد لاحظت انتشار نفس القراءة التي لدى النقيب لتقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" لدى بعض الصحفيين والمدونين غير المغرضين، ما جعل هذا الوجه يتعزز لدي! ولم لا؟ فإذا لم تستح فافعل ما شئت!
* ألاَّ يعدو كونه قياما بدور محدد سلفا، ومتفقا عليه، وواع في مسرحية سياسية لم تعد خيوطها خافية على أحد! ولعل دواعي سياسية وحقوقية وشرائحية دعت البعض في لحظة ما إلى تبنيه!
ومهما يكن من أمر، فإن هناك ثوابت معلومة وجلية تشكل عقبات كأداء لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها وتجاوزها في مجال رفع مثل هذه الدعوى، من المستغرب جدا أن ينكرها أي كان؛ وأحرى المحامون! ومن بينها مثالا لا حصرا:
أولا: الحصانة، والامتياز القضائي. ذلك أن المستهدف في الملف هو رئيس الجمهورية السابق وكوكبة من رؤساء الوزارات والوزراء. وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم لديه حصانة دستورية تمنع مساءلته منعا باتا؛ وبالتالي فلا سلطان لأي قضاء كان عليه. وهذا هو المركز القانوني الثابت للسيد رئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز. وقسم لديه امتياز قضائي لا يمنعه من المساءلة، ولكنه يقيد مساءلته فيجعل اتهامه من اختصاص البرلمان، ومحاكمته من اختصاص محكمة العدل السامية. وتلك هي الطامة الكبرى على الطرف المدني المنتظر! إذ لا مكان أمام محكمة العدل السامية للأطراف المدنية بمقتضى المادة 27 من قانونها، التي تنص على أن "دعوى القيام بالحق المدني غير مقبولة أمام محكمة العدل السامية"!
ثانيا: الصفة والمصلحة المشروعة؛ وهما شرطان قانونيان يجب توفرهما في المتقاضي أيا كان، وغير متوفرين في هذا المدعي. إذ من حيث الصفة نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. ومن حيث المصلحة المشروعة، يتضافر عاملا الحصانة المانعة من المساءلة والامتياز القضائي، وكون القضية كيدية وسياسية بامتياز؛ إذ أبطالها وشهودها والقائمون عليها أعداء سياسيون للمدعى عليهم ومتآمرون ومتمالئون ومفترون عليهم بسبب المرجعية في الحزب الحاكم ومن يقوده. وعليه فهي من النوع الذي لا يسمع.
ثالثا: حسن النية. وهو واجب على كل متقاض في ممارسته لحقوقه، ويفترض ما لم يثبت العكس. وقد ثبت عكسه من خلال أقوال وأفعال المدعين العلنية والمسربة، وأقوال بعض "دفاعهم"!
رابعا: البينة. وقد أجمعت شرائع السماء والأرض على عدم تصديق أي أحد، أيا كان، على دعواه. واشترطت عليه تقديم البينة البالغة كي تسمع وتقبل دعواه! وهذا ما كرسه الفرقان ونزل به الوحي وقضى به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده:
{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}!
و"البينة على المدعي"!
وقال بعض الفقهاء، وأجاد:
"القول دعوى وفعل المرء بينة ** ولا سماع لدعوى دون بينة.
وكم دعاوى على الإنسان هينة ** تطلبـت بينـات غيــر هينــة.
رابعا: الجزم بمعتبر، وعدم تناقض أقواله، وعدم مخالفة دعواه للعوائد (صدق مدعي الأشبه). وهي شروط مفقودة في هذه الدعوى! وعن هذه الشروط يقول العلامة محمد مولود ولد أحمد فال (آدّ):
شرط الدعاوى جزمها بمعتبر ** يلزم مدع عليه لو أقر
ولم تخالف قوله أو شهدا ** أقامهم بها أو العوائدا.
فما هي بينة المدعي على الضرر اللاحق به في هذا الملف؟ إنها
أ. عمل وتقرير اللجنة البرلمانية،
ب. سرد أسماء شركات ومؤسسات وقطاعات،
ج. شهادة بعض المشتبه فيهم.
فنلق نظرة عجلى على تلك البينة.
يتبع