فضيلة الاحتراف / الحسن مولاي علي

من النماذج الكريهة المتداولة المتوارثة، من عبية الجاهلية وتعاظمها بالٱباء، والمنسوبة-حقا أو كذبا- لبعض العلماء الفضلاء، من سلف اهل هذه السائبة، مقولتهم الشائعة: «لا خير في الحداد ولو كان عالما»، وهب فرية بحجم الكبيرة، مهما كانت مكانة مصادرها المزعومة، وجدت فرصة للتغلغل في ثقافة مجتمع الساىبة والعنصرية والطبقية، حيث تغيب الضوابط والمرجعيات.

لقد كان إطلاق هذه الكلمة الموغلة في الإسائة، المجانبة لكل حقيقة، في العصر الذي انتجها، إعلانا ضمنيا للحرب على الفضائل، وفي مقدمتها الاحتراف والكسب الحلال. والأدهى  والأمر من ذلك، أن الأجيال والاحقاب تعاقبت وتتابعت، وتخللتها المتغيرات الراديكالية، ثم ما يزال الاحفاد يلوكون باطل الأجداد المنافي لكل حق معروف، وأحقه كتاب الله في قوله تعالى:{إن أكرمكم عند الله اتفاكم}..!!

إن سنة الله الماضية في خلقه وحكمه، كما يوضحها استقراء ٱي الذكر الحكيم، وتشير إليها الٱثار النبوية الشريفة، وتجسدها سير الانبياء والعلماء، والنظر المنطقي إلى كتاب الكون المفتوح، وما فيه، لتؤكد كلها، وبلا ريبة من ذي لب بصير، أن الاحتراف وكسب الإنسان من عمل يده، فضيلة من أجل الفضاىل، مارسها وحرص عليها عباد الله الصالحون، وتعرفوا بها في كل زمان وفي كل مكان.

ألم يمتهن ٱدم، عليه من ربه السلام الزراعة والصيد، فعاش هنيئا وأطعم أهله من عمل يده، وامتهن نبي الله إدريس الغزل والنسيج واخترع الكتابة، فعاش من عمل يده، وكان رسول الله نوح، أول أولي العزم من الرسل، نجارا، انقذ المؤمنين والحياة على الأرض من الطوفان، في سفينة من صنعه، ورعى موسى الغنم لشيخ مدين ثماني حجج، وكان داود النبي الملك حدادا يصنع الدروع ليأكل من عمل يده، ورعى خاتم النبيئين وسيد الخلق أجمعين، الغنم لاهل مكة بقراريط.

وقد جسد علماء الامة هدي الانبياء في  الامتهان والاحتراف، ومارسوه في معظم عصورها الزاهرة، وافضل فترات تاريخها، حتى ارتبطت القاب المهن المعروفة بأكثر الأسماء شهرة في عالم المعرفة الإسلامية، فكانت نعوت الحداد والخزاز، والبزار، والقصاب، والعطار، والخباز، والغزال والتاجر والراعي والصراف، وغيرها، القابا لاكثر الأئمة والعلماء شهرة.

أين من يرددون تلك العبارة الٱثمة الكاذبة الخاطئة المسيئة، من قول سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده؛ وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده»

 

11. فبراير 2021 - 10:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا