إذا كان الرحيل والرصاص والرمادة والمحرقة هي أهم الأسماء المتنافسة على عامنا المنصرم فإن المأزق يبدو العنوان الأكثر أهلية للتعبير عن العام الذى دلفنا إليه منذ أيام مثقلين بتداعيات عام مضى تولجنا فيه مسافات بعيدة على طريق غير معبد..
لايبدو أن لدى أي من الفاعلين الأساسيين في المشهد خطة واضحة للخروج من المأزق أو العودة إلى الطريق الآمن بل إن الأمر يبدو أكثر صعوبة عندما نلاحظ أن أبواب الخروج الممكنة معطلة وهو ما يجعل من حقنا أن نضع أيدينا على قلوبنا وندق جرس الإنذار لعل وعسى أن تتوفر ظروف تدفع بعناوين أخرى أكثر إشراقا إلى المشهد إن ذلك يظل ممكنا رغم صعوبة اللحظة وقتامة الأفق.
هو عام المأزق لأن السنوات الماضية لم تدفعنا بعيدا فقط في الأزمات ولكنها أثبتت أن من يمسكون زمام الأمور عاجزون عن الحل وغير راغبين فيه إنهم يحسنون توتير الأجواء ويحسبون أنهم يحسنون صنعا
- هو عام المأزق لأن الانتخابات التي يفترض أن تكون أحد بوابات الخروج من الأزمة من شبه المستحيل تنظيمها خلال العام الجديد ليعيش بذلك البلد عامه الثالث خارج الزمن الديمقراطي بهيئات فاقدة الصلاحية مفروضة على الناس بفعل الارتجال الحاصل في الحالة المدنية والانسداد القائم في العملية السياسية.
تقول السلطة إنها ستنظم الانتخابات خلال أشهر وهو نفس الكلام الذى تكرره منذ نهاية العام 2010 على مختلف المستويات عبر عنه وزير الداخلية والوزير الأول وصدر في بيانات لمجلس الوزراء وضمن تصريحات لولد عبدالعزيز وتلح عليه وكالة " امربيه رب للوثائق المخصخصة": من حين لآخر لكن المعطيات السياسية والفنية تقول إن تنظيم الانتخابات غير ممكن قبل نهاية العام 2014؛ فالإحصاء وصل بالكاد إلى نصف السكان بعد عامين من الترغيب والترهيب الممارس على الناس واللجنة المستقلة للانتخابات قاصرة في تشكيلها الحالي عن أي تحضير فني لاستحقاق يفترض أن يكون مخرجا من أزمة سياسية عمرت خمس سنوات.
- وهو عام المأزق لأن الحوار السياسي الذى يعتبر الآلية الأفضل لتجاوز الخلافات السياسية تجتهد مختلف الأطراف للابتعاد عنه كل يوم؛ فالنظام مستمر في إصراره على عدم وجود أي أزمة، والمنسقية ماضية في التشبث بشعار الرحيل أو الترحيل، والمعاهدة مستعدة لقبول الحديث حول أي شيئ إلا حول نقطة واحدة اسمها حوار جديد..
الجميع متفق إذا على تنكب طريق الحوار رغم أن أيا من الأطراف لم يستطع فرض أجندته على الأخرين خلال السنة المنصرمة فلا النظام نجح في إقناع الأطراف الأخرى بعدم وجود أزمة والدليل كثرة المبادرات الصادرة من الموالاة قبل المعارضة باحثة عن حل، ولا المنسقية استطاعت فرض الرحيل رغم تعدد مسيراتها وشعاراتها وتلويحاتها بالحسم والنهاية، ولا المعاهدة حلت الأزمة بحوارها مع النظام وهاهي أهم شخصية فيها تطرح منذ أشهر مبادرة للحل تطوف بها بين القوى السياسية الموالية والمعارضة وحتى بين منظمات المجتمع المدني.
- وهو عام المأزق أيضا لأن أزماتنا الداخلية العميقة تزداد تعفنا ويزداد استخفاف الأطراف القادرة على حلها بمؤشرات التفجير رغم وفرتها وكثرتها؛ فمعاناة ضحايا العبودية مستمرة وسط إهمال من الدولة والمجتمع، وإصرار من غالبية القوى المؤثرة على الاستمرار في سياسة النعامة المراهنة على أن الزمن سيحل هذا المشكل الذى يعاني بفعله قطاع واسع من أبناء الوطن معاناة هائلة، وملف الإرث الإنساني ومعاناة المجموعة الزنجية متروك هو الآخر على المقاربة " التجارية الفاشلة" التي ينتهجها الجنرال ولد عبدالعزيز مكررا فيها – بغباء أكبر – مسيرة سلفه وقدوته العقيد ولد الطائع تاركا مكونا من مكونات المجتمع يحس أكثر أن همومه ليست هموم الوطن وأهله، وأن هويته محل شك إلى أن يثبت العكس.
إن العام 2013 قد لايكون في الواقع عام المأزق فقط فيما يتعلق بوحدتنا الوطنية بل قد يكون عام الانفجار فكل المؤشرات تدل على أننا نقترب من لحظة دفع ثمن نصف قرن من السياسات الخاطئة في مجال وحدتنا الوطنية، وحين تحل لحظة الانفجار لن يفيد تحميل هذا الطرف أو ذاك المسؤولية أو القول إن الخطابات المتطرفة التي تظهر هنا أو هناك هي المسؤولة فالمسؤولية مسؤولية الجميع والتطرف بكل ألوانه ولغاته وممارساته مسؤول اليوم وأمس وأول أمس عن ما يواجه السلم الأهلي اليوم من خطر محدق.
- وهو المأزق لأن الحرب التي كان نظامنا الغبي أحد المساهمين في زرع بذورها قد اشتغلت على حدودنا الشرقية ولايعلم إلا الله متى أو كيف ستنتهي، وهي حرب يتحمل النظام الموريتاني – مع أطراف أخرى بكل تأكيد – مسؤولية كبيرة في الظروف التي هيأت لها؛ فهو الذى تبني مع الفرنسيين مقاربة دعم الانفصال في شمال مالي مراهنا على فصيل أكدت التطورات أنه لايملك كبير وزن على الساحة الأزوادية، وهو الذى دفع مع الفرنسيين إلى الإطاحة بنظام آمدو توماني توري مقدما بذلك هدية كبرى لجماعات العنف في الشمال لتسيطر على ثلثي البلد، وهو الذي يقدم اليوم دعما ميدانيا كبيرا للحرب الجارية حتى ولو دفعته يقظة الرأي العام الوطني لإخفاء ذلك لكن الدعم قائم وستكشف الأيام القادمة تفاصيله وحقائق مفجعة عن تداعيات " المأزق" الذى دفع الفرنسيون والنظام الموريتاني وأطراف أخرى المنطقة وموريتانيا إليه.
لقد أضاعت موريتانيا خلال العشرية الأخيرة فرصا عديدة للقطيعة مع الحكم العسكري الذى اجهض مبكرا مسيرتها نحو بناء الدولة مستمرة في الانحدار إلى قاع الدول الفاشلة لتصل اليوم إلى حافة هاوية حقيقية أخطر ما فيها أن ربان السفينة يعتقد أنها بر الأمان، وأن أبواب الخروج أمام الركاب المساكين تبدو معطلة في أغلبها اللهم إلا إذا حدث أمر من خارج دائرة التوقع يفتح أحد أبواب الخروج أو يفرض على الربان تصحيح وجهة السير أو يضرب علي يديه ويعيد الأمر إلى أهله.