لعلي بقارئ متذمر يقول قد تعبنا من كثرة الكلام و التنظير و شبعنا تحفيزا و حماسا نريد كلاما علميا منطقيا ، لله درك يا صاحبي المعترض!
فعلا ليس للكلام ثمة فائدة و لا للحروف قيمة و لا للتحفيز سحر ما لم ننطلق بهما نحو المعالي و نترجمهما إلى خطط و خطوات عملية.
أيها الشاكي هون عليك فليس الذي تشكو/ين) داءك وحدك و لكنه (داء الشباب ) و لأن أرقك هذا الذي تجد/ين) لطالما أرق كثيرين غيرك صغارا و كبارا و لطالما نفى عن عيونهم لذيذ الكرى و لطالما صرف عن درسه التلميذ و عن عمله العامل و عن تجارته التاجر.
وما الحب الذي افتنّ في وصفه الشعراء وفي تحليله الأدباء إلا ماتجده أنت سواء بسواء،ولكنك أخذته مجردا مكشوفا فعرفه من حولك وهم أخذوه مستورا.
إنه ما أشرف على مثل سنك(ِك) أحد إلا توقد في نفسه شئ كان خامدا فتبدلت الدنيا في عينيه فلم يعد يرى الآخر على حقيقته إنسانا له ما للإنسان من المزايا وفيه ما فيه من العيوب و لكنه أصبح أملا تجتمع فيه كل الآمال و أمنية غالية فماذا (ت)يصنع الشاب(ة) في هذه السنوات التي قد يضطره(ها) أسلوب التعليم الى البقاء فيها....
وهذه مشكلة، فبعض الآباء يريدون لأبنائهم تكميل دراستهم دون أن يفكروا في هذا الجانب من حياتهم، أما سنة الله وطبيعة النفس البشرية فتقول له تزوج و أما أوضاع المجتمع و أساليب التعليم و ما آل إليه الزواج من تعقيدات و غلاء فتقول له إختر إحدى ثلاث كلها شر، ولكن إياك أن تفكر في الرابعة و هي الزواج التي هي وحدها الخير، فيها طاعة الله و سلامة الجسم والصحة وطهارة المجتمع و نقائه.
إما أن تنطوي على نفسك على اوهام تغذي شهوتك بالروايات و الافلام الفاجرة و الصور الخليعة حتى تملئها و تستأثر بسمعك وبصرك فلا ترى حيث نظرت و فكرت الا هذه الصور تراها في كتبك إن فتحتها و في أحلام اليقظة و في رؤى النوم .ثم لا ينتهي بك الحال إلا إلى الاكتئاب و الهوس و انهيار الأعصاب
واما أن تعمد الى مايسمونه العادة السرية (الاستمناء)و قد تكلم فيه حكمه الفقهاء.
و إما أن تسلك سبل الضلال و تأم بيوت الفحش فتبذل صحتك وشبابك و مستقبلك في لذة عارضة و متعتة عابرة فكم من رجال ونساء كانوا أعاجيب في القوة و أبطالا في الحياة وماهي إلا أن استجابوا لشهواتهم استجابة عمياء و انقادوا لها حتى أمسوا في انحطاط و مرض و من عجائب حكمة الله أنه جعل مع الفضيلة ثوابها الصحة و النشاط, و مع الرذيلة عقابها المرض و البؤس, و كأني أسمعك(كِ) و انت تقول(ين) للمرة الثانية هذا الداء فما الدواء؟
الدواء هو أن نعود إلى سنة الله و طبائع الأشياء التي طبعها الله عليها ، إن الله ماحرم شَيْئاً الا و أحل شيئا مكانه ، حرم الربا وأحل البيع ، حرم الزنا وأحل الزواج وهو موضوعنا.
فاذا لم يتيسر لك الزواج فالمؤمن لا يسد عليه باب، فديننا دين شامل ألم تسمع الى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
هذا القانون الذي وضعه الرسول صلى الله عليه و سلم فيه الدعوة إلى الزواج و علاج الداء، أصبح اليوم مصطلحا معروفا عند علماء النفس يقال له (قانون التسامي)، فالتسامي هو مسكن قوي ينفع و لا يؤذي وهو أن تنفس عن نفسك بجهد روحي أو عقلي او قلبي او جسدي يستنفر هذه القدرة المدخرة و يخرج هذه الطاقة المحبوسة بالالتجاء الى الله والاستغراق في العبادة او الإقبال على الرياضة و العناية بالتربية البدنية أو الانقطاع الى العمل و الانغماس في البحث العلمي وتطوير الذات عن طريق العلم و العمل و كثيرةُُ هي السبل الى ذلك ، و اعلم(ي) بأن العلامات التي تتركها معارك الحياة على جسدك هي التي تنحت في ذاكرة الدنيا سيرتك و تمجد ذكرك في الارض و في السماء.
يقول سيد قطب رحمه الله(آمن أنت بفكرتك آمن بها الى حد الإعتقاد الجاد عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون)
وإذا نظرنا من زاوية أخرى فلا شك أن البحث عن الراحة و الخمول هو مطلب الجسد و معظمنا اذا لم يقاوم ميل نفسه كان أبعد ما يكون عن الواقعية و الاستقامة، كما ان النفوس قد يصيبها الشطط و الجنوح فتطلب ما حرمه الله و ما خالف العرف، فالشخص الايجابي هو الذي يملك زمام نفسه ويحصنها ضد الأهواء والمطامع و يجبرها على تجاوز الصعوبات، إن معظم من خسروا في معارك الحياة او في بعض جوانبها على الأصح كانت خسارتهم أول الأمر ذاتية فتعثرهم أمام شهوة أو مطلب غير مشروع و انقلابهم على والديهم و ذويهم وعادات مجتمعاتهم الصالحة هو ما أخرجهم عن جادة الطريق و اخذهم الى دوامة الفشل و الهروب من المجتمع و الاختفاء منه و اسقطهم في الكبوات الدائمة.
فكوننا بشرا يجعلنا قد نخطئ كثيرا، لكن العاقل هو الذي يصحح مواقفه دائما و يستفيد من اخطائه و يكون عنفوان روحه اكبر من تسلط شهوته , فقراءة المرء لنفسه تحتاج إلى بصيرة وحكمة ويمكن للمرء تنمية ذلك عن طريق أصحاب الخبرة و الحكمة و السماح للآخر -ممن نثق برأيه- بنقدنا وقول رأيه فينا للمبادرة إلى علاج الخلل والعيوب خصوصا أن العاطفة هي التي تحكم جل مواقف مجتمعاتنا فدورك يتأتى بأن تجعل العقل هو الذي يحكم على الأمور،ويضعها في المكان الذي يليق بها فالإسلام يعلمنا أن نفتح أعيننا و أذهاننا و في القرآن الكريم مايقارب من (640) آية تحث على إعمال العقل و دائما ما يلوم ربنا عباده بأنهم «ألا يتفكرون....ألا يتدبرون» وفي سورة الزمر يثني ربنا على بعض عباده:
«الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ».
ولتكن لك الأسوة ،فذات يوم كان المعلم الأول للبشرية محمد صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه حينما دخل عليه رجل يتقاضاه ( أي يعترض على شئ ما) فأغلظ له (أي قال كلاما فيه شدة ونقد) فهمّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يزجروه فقال لهم صلى الله عليه و سلم (دعوه فإن لصاحب الحق مقالا)
وتالله ما كان الرجل بصاحب حق وليس له ان يغلظ على أعدل البشر، لكنها عظمة النبي صلى الله عليه و سلم الذي يقوم بتوفير مناخ من حرية النقد و التقييم وقبول الرأي الآخر، حتى وإن كان آتيًا من شخص بسيط إلى قائد معصوم.
ولا يمكن في الختام إلا أن أتكلم كذلك عن حقوق الأبوين اللذين هما سبب الإيجاد بعد الواحد القهار .
فلا يتعارض بحثك عن الزوجة مع من جعلا من نفسيهما آلة تدور بلا توقف من اجل ان يُوَفِّرَا لك الحياة اللائقة الكريمة .
ايها الشاب(ة) ألست أنت الذي بدأت حياتك بصرخة شقت بصوتها الحاد مسامع آذان مستبشرة بولادتك فتلقفتها الأيدي بالحب والبهجة من أب وأم , فللوالدين حقا عظيما وفضلا بعد فضل الله. إثنان إذا ذكرتهما ذكرت المعروف والإحسان والإيثار والتضحية .
إثنان إذا ذكرتهما تحركت القلوب و الأشجان و حب غير مشروط و حب و حب وحب .... ،وقفا والجنة وراءهما فطوبى لمن أحسن إليهما و أطاعهما في زمان تولى فيه البرور وانقطعت فيه المودة ، وكثرت الفتن و تعددت الصوارف والملهيات.
أَذهبا شبابهما و صحتهما و قوتهما من أجلك .
والدك الذي ربى و أدب وكبر و أجاد و سهر وتعب وتحمل مضار الدنيا ,مطرها, ريحها. قصفها, حرها , وبردها...
والدك الذي من أجلك يكد و يشقى ويسعى يدفع عنك صروف الأذى يبحث لك عن لقمة العيش ولو تحمل من أجلها الأخطار.
والأم صاحبة القلب الرحيم والصدر الحنون الذي وسعت مالم تسعه النفوس ،كم حزنت لتفرح وكم جاعت لتشبع وكم سهرت لتنام إذا فرحتَ فرحتْ وإذا حزنتَ حزنتْ تعطي ولا تطلب أجرا وتبذل ولا تؤمل شكرا.
هل سمعت بشخص يحبك أكثر من نفسه التي بين جنبيه.
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وقد قرن جل جلاله في كثير من الآيات بين عبادته وبرور الوالدين وطاعتهما،قال تعالى:(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال قال:(الصلاة على وقتها ثم أي قال بر الوالدين....)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضا الربُّ في رضا الوالدينِ، وسخطُهُ في سخطِهما)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه)
كل الذنوب يغفر الله منها ما شاء إلى عقوق الوالدين فإنه يعجلُ لصاحبه في الحياة قبل الممات.
والميزان والقاعدة التي وضعها العادل جل جلاله: (....فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً....)
فماذا قلت أنت وماذا فعلت وماذا وماذا؟.........
وأنا لا أظنني خرجت عن الموضوع فهذا جزءٌ لا يتجزأ من مقالنا.
وصدق من قال : (وكَمْ غَسَّلْتْ عنْكَ الأذَى بِيَمِينِهـا * ومَا حِجْرُهـا إلاَّ لدَيْـكَ سَريـرُ
وتفديكَ مِمَّا تَشْتكيـهِ بِنفْسِهـا * ومِنْ ثَدْيها شرابٌ لَدَيْكَ نَمِير
وكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وأعْطَتكَ قُوتَها * حُنُـوّاً وإشْفَاقًا وأنْتَ صَغيرُ
فَضَيَّعْتها لمَّـا أسَـأْتَ جَهَالـةً * وطَالَ عَليْكَ الأمْرُ وهوَ قَصِيرُ
فَـآهٍ لِذِي عَقْـلٍ ويَتَّبِعُ الهـوى * وآهٍ لأعْمَى القَلْبِ وهوَ بَصيرُ )
وفي الأخير مازالت ضرورة تسهيل الزواج أمرا قائما ولا زالت كذلك ساحة الصراع ملتهبة بعقبات ماقبل الزواج و ما بعده.
الأستاذة خديجة بنت سيد محمد ناشطة اجتماعية