الحرب في مالي وموقف الشارع الموريتاني / الحسين محمد عمر

تعود جذور الأزمة المالية المتجددة في الشمال إلى سنوات مضت حين رفع الطوارق السلاح في وجه الحكومة المركزية مطالبين بإشراكهم في تسيير الحكم الذي يسيطر عليه الزنوج في الجنوب، ونتيجة لعوامل عدة تمت معالجة الأزمة ووعد الأزواديين بالإشراك في الحكم

 وبمشاريع تنموية في الشمال وعلى اثر ذلك تم تعيين شخصيات منهم في الحكم ، إلا أن كل تلك الوعود لم تطبق وفق ماهو متفق عليه، ونتيجة لثقل القذافي في تلك الفترة بأموال نفط الليبيين استطاع احتواء عدم رضا وتململ الطوارق ففرض عبر نفوذه تهدئة نفوسهم وصار يقيم فيهم عدة احتفالات نذكر منها صلواته المعروفة التي كان يقيمها في تمبكتو وأقام في تلك المدن عدة مشاريع ، لكن بعد الثورة الليبية الأخيرة التي قضت عليه كان لزاما على الطوارق أن يجدوا لأنفسهم ملاذا سيكون هذه المرة محاولة إثبات وجودهم في الأرض التي يعتبرونها ملكا أزليا لهم.

بدأ الطوارق ثورتهم الخاصة في الجزء الشمالي من الأراضي المالية مطالبين باستقلال إقليم أزواد عن الحكم المركزي في الجنوب وتشكيل دولتهم المستقلة إلا أن ذلك المسعى ووجه بالعديد من العراقيل ليتخلوا عن الاستقلال معلنين قبولهم بالحكم الذاتي، إلا أنهم تناسوا تأثير الجماعات الإرهابية القوي التي كانت تقاتل إلى جانبهم بالإضافة إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهو الحاجز القوي الذي حال دون اعتراف الغرب بمطالبهم خاصة فرنسا التي تعتبر الراعي الرسمي لدولة مالي المستعمرة السابقة على الرغم مما قيل وقتها من أنها – أي فرنسا- تدعم الحركة الأزوادية.فرنسا التي اشترطت انفصالهم عن هذه الجماعات التي ترتبط بإحدى فصائلهم وهي حركة أنصار الدين التي رفضت فك ارتباطها مع القاعدة وطردت حركة تحرير أزواد فيما بعد.

ظلت موريتانيا في خضم هذا كله ترعى الأوضاع هناك بمواقف متفاوتة ومتضاربة أحيانا الشيء الذي جرّ عليها هجوما قوية من الصحافة المالية متهمين نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز بدعم التمرد الشمالي إلا أن  هذا النظام ظل يقول أن ما يهمه هو الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تنشط في الشمال وجل ما يقوم به هو محاولة حماية حدوده منها دون التدخل في الشأن المالي ، وكان معظم المحللين قد نبه إلى خطورة امتلاك القاعدة لبقايا أسلحة القذافي التي اختفت من الساحة الليبية خصوصا مع الحدود الليبية المفتوحة في تلك الفترة.

بعد فترة من جمود الأوضاع نوعا ما في هذه المنطقة برزت الجماعات الإرهابية أو الإسلامية كما يحلوا للبعض كلاعب قوي في المناطق التي طرد منها الجيش المالي وطردت هي بدورها جنود حركة تحرير أزواد – كما أسلفت - وفرضت سيطرتها لتتم إحالة المسألة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبدأ الحديث عن حرب ستشنها قوات دولية مشكلة من جنود دول الإيكواس وقوات فرنسية أساسا ،إلا أن دخول القاعدة وحركة أنصار الدين لمدينة (كونا) عجل بهذا التدخل فبدأت القوات الفرنسية هجومها على معاقل الإرهابيين وطردتهم منها على الرغم من نفيهم للخروج من المدينة وتأكيد الماليين لعكسك ذلك، وقد بدأت دول افريقية عدة إرسال كتائب من قواتها إلى مالي ستصل بحلول الاثنين لدعم القوات المالية ، هذه الأحداث المتلاحقة أبانت عن موقف الموريتانيين الذين بدا بعضهم متعاطف إلى حد كبير مع الإرهابيين وبدا البعض الآخر غير مهتم في حين لم يخرج أي تصريح من جانب النظام العسكري الحاكم.

هذا النظام الذي لم يقدم تصريح كما أسلفت الا أن السيطرة الفرنسية على هذا النظام كما هو حال معظم المستعمرات السابقة سينتج عنها لا محالة زجه في أتون هذه الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، فبحكم الجوار مع المناطق الساخنة الآن واعتمادا على ما صرح به أحد زعماء القاعدة من أن المصالح الفرنسية ستكون أهدافا للقاعدة وأخواتها فإننا نتوقع أن موريتانيا ستكتوي بهذه النار لا محالة وهو  ما سيجرنا جرا للمشاركة في الحرب تحت مسمى محاربة القاعدة هذا فيما يخص الموقف الرسمي حتى الآن ، الموقف الإعلامي إن جاز التعبير يبدو مواليا في تناوله للأخبار الواردة من هناك للجماعات الإرهابية فنجدهم محاولين إبراز تصريحات الجماعات الإرهابية ومحاولة تسويقها للشارع الموريتاني بعبارات "إسلامية" فتجدهم يقولون( الحركات الجهادية ، الحركات الإسلامية، الغزو الصليبي.....الخ) هذا الشارع الذي بدا متجاوبا إلى حد ما خاصة أنه في مجمله متعاطف مع هذه الحركات نتيجة للسطحية التي تطبعه في تناوله للأمور وعدم فهمه للواقع هناك، ويدعم ذلك أيضا النظرة غير الودية التي تكونت لدي الموريتانيين من الشقيقة مالي بعد تفاقم الأحداث هناك، جانب آخر من الموريتانيين يبني موقفه على كرهه لما يعتبره قوات صليبية كافرة غازية متناسين أن ما يحدث في مالي هو جماعات إرهابية اختطفت حراك جماعات ذات مطالب مشروعة وصارت تحاول – أي الجماعات الإرهابية - السيطرة على دولة قائمة لذاتها بدعوى إقامة خلافة إسلامية تحكم وفق الشريعة الإسلامية على حد قولهم.

ما يجب أن يفرق بينه الموريتانيون هو الجماعات الإرهابية التي تحكم بالحديد والنار والتي تحاول تطبيق الشريعة غير مراعية للظروف ولا للكيفية التي يجب تطبيق ذلك فيها وبين حركة تحرير أزواد التي لا مراء في أحقيتها في المطالب التي انتفضت من أجلها والتي يجب على القوة الغربية والإفريقية المتدخلة الا تشملها بالمحاربة، وما علينا كموريتانيين الا أن ندعو الله ألا يرتكب هذا النظام حماقة من حماقاته التي لا تنتهي ويزج بجنودنا في هذه الحرب التي يبدو أنها ستطول لا محالة.        

13. يناير 2013 - 21:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا