الأنظة السياسية في الوطن العربي التي قامت منذ الاستقلال السياسي في الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي ، واستعانت بالمتعلمين في أقطارنا فيما عرف بالنخبة السياسية المثقفة، لكنها لسيت من فئات النخب التي عرفتها المجتمعات الاخرى بالدفاع عن حقوق المواطنين ، وقيادة التحولات الاجتماعية، والسياسية الكبرى خلال القرنين الماضيين، فتلك النخب ، كانت تحمل مشاريع التغيير الأجتماعي، والسياسي، والثقافي، وقادت التطور العام في اروبا، وآسيا، وامريكا اللاتينية، وارتبط تاريخها بقيادة الحداثة والمعاصرة،،
بينما النخب العربية اختلفت ـ وتختلف ـ عن النخب التغييرية السابقة ، بعامل " التكيف" الوظيفي مع المعطيات المستجدة ، حيث أنها تمكنت من توجيه الوعي السياسي المستأنف، و المستولد قيصريا للأنظمة السياسية في بلادنا العربية ، لذلك استطاعت بذكاء" الثعلب" ان تتجاوز دورها في التسيير الاداري، الى التنظير للحاكم، ونشر المؤلفات باسمه، فضلا عن تثبيت اركان النظام، الأمر الذي جعل الحاكم العربي محشورا في الزاوية ، ولم يبق له الا أن يستجيب طواعية لمن يسير نظام الحكم باسمه، ويكتب النظريات الفكرية باسمه، والابتكارات العلمية باسمه ، ويؤلف الكتب باسم آبائه المقبورين قبل ميلاد اجيال مجتمعات اليوم ، وجعل منهم شهداء في مقاومة الاستعمار ،، ونهضة البلاد مفعلة بتاريخ نشاط عائلة الملك، او الأمير ، او السلطان ، او الرئيس، ، وهذا الدجل فرض الأمر الواقع المزيف على شخص الحاكم وبالتالي القبول به، ولم لا ،؟ وقد قدم المجتمع اليه كفيلة" الهند" التي تتراقص في الاعياد،،إنه ذات المجتمع الذي يترائ للحاكم العربي كل ليلة في كوابيسه المزعجة ،، لكنه الآن في لحظة من التجلي باعتبار الأخير امتداد ا فكريا ، وعلائقيا بخواص الحاكم العربي الذي لا قبله، ولا بعده " لا قائد بعد القائد "، والحال أن العصر بوجوده الاجتماعي، والفكري، وعلاقاته الدولية مختزلة في شخص ملك البلاد الذي يبتسم بهجة، وارتياحا بما يلتاع به الجميع في الاغاني، والاشعار، ويصد الكوابيس بالاحلام الوردية، ويوحد تفكير الشيب، والشبا ب ، والاطفال، والكبار، من الرجال، والنساء، وتستولد الاجنة باسمائه في الارحام المستنطقة بمقولة " ما الكل الا انت وحدك "
ونخبنا السياسية العربية، تمتلك قوة الاستشعار البيولوجي عن بعد، لذلك نراها تسافر بين العواصم العربية نظرا لتنبؤها الذي تجاوز حدسيات علم النفس فيما يسمى ب " التلبث"، كما لو أنها ـ النخب ـ سمعت ، او قرأت نبضات قلب الحاكم العربي ، وتفكيره، وسياسة حكمه في عاصمة " الكويت " او " أبو ظبي" ، او " الدوحة"، او " المنامة" ، بينما هي في نواكشوط،، او الخرطوم ، أو الرباط،،او تونس ، او طرابلس ..
فهل النخب العربية، هي التجسيد الحي للعقل الباطني المشترك للقوى الامبريالية التي تعرف كل حاكم عربي، وتنتزع منه ثرواتنا بواسطة النخب ، كعقل توفيقي بين الحاكم العربي، وقوى الخارج ؟!
لذلك، لا مندوحة عن توصيف النخب العربية بالعقل التركيبي الناتج من النقيضين: المطالب (المستحقة ) للمستعمر في مستعمراته في الوطن العربي، والقيادة السياسية صاحبة التوجهات (الوطنية ) بنظامها السياسي ، ولو كان نظام الحكم ملكيا، فإن النخبة العربية ملكية اكثر من الملك، حتى ولو كانت ماركسية من قبل ــ اليوسيفي رحمه الله في المغرب استدعي من فرنسا ليصبح رئيس حكومة في بداية تسعينيات القرنا الماضي ، ورجب بودبوس في ليبيا الذي كان في الحزب الشيوعي الفرنسي، وتحول الى فيلسوف الثورة في ليبيا ،، والماركسيون في موريتانيا على عهد الانظمة التي حكمت منذ الاستقلال ــ ولو كان نظام الحكم أميريا ، فإن النخبة أميرية اكثر من الامير.
أما اذا كان نظام الحكم ثوريا، فان النخبة تكون ثورية اكثر من قادة الثورة،، واذا كان نظام الحكم جمهوريا، لكنه تابع لما سمي سابقا بالا ستعمار الجديد ، حيث استطاع المحتل السابق إعداد جيل من الألسنيين، تتقاطع مصالحه مع مصالح القوى السياسية الحاكمة، الأمر الذي فرض عليها ان تتصف بصفة " الأستحمار" الذي يعبر عن قبولها لإكراهات التبعية السياسية ، والثقافية، والاقتصادية للقوى الاحتلالية التي استخلفتها ،،
إن النخب العربية ذات العقل الأنعكاسي الى حد أنه تجاوز التلون الذي توصف به " الحرباء" المسكينة، فبلورة جسمها الشفاف ، تعكس الألوان التي تقع عليها برشاقة ، وكياسة دون ان تحدث انكسارات، أو رضات جسمية ، خلافا للنخب العربية التي ما إن تقع على الحكم الا ودمرته، وهربت عنه مذعورة، ومستشعرة الاخطار قبل ان يدري الحاكم العربي ، أحرى أن يقدر على التحكم في الذي كان بالأمس يتماهي معه عقليا ، وبالكاد جسميا ،،بينما افراد نخبنا ، قد غادروا الى "الدوحة "، إن كانت عظائم الأمور قد حلت بالبلاد، فتعطي ارجلها هباء لريح سليمان في سبيل انقاذها ،أما اذا استشعرت النخبة (الوطنية ) السلامة في الجسم ، والممتلكات ، فلا تحتاج الى أن تهاجر مع طائر "الكناري" ، ولا مع النوارس المهاجرة بحثا عن الحرية للفرد، او الأوطان ،، إذ أن الوضع السياسي لايدعو الى القلق، لحظتها يتسللون فرادى من قارب الحكم ـ دون ان يبتل ثياب أحدهم ـ الى شاطئ الحكم الجديد ، لكن هاجس الخوف لايبرح عنهم حتى يسعوا، لأن يحتفروا الأوحال للقارب ليستحيل التجديف، ويوجهوا التهم الى الحاكم الرمز التاريخي باعتباره فاسدا ومرتشيا، تجب محاكمته ، واسترجاع اموال الشعب منه،، بينما منطق البراءة للنخبة ، أن دورها كان" تسييريا" للأمور ليس الا، والوزراء والمدراء، وارباب الشركات،،كأي نادل في مقهى، او حاضنة للأطفال، فرب الأسرة، هو رب الجميع !!
فكم من هذه الطحالب خلفتها انظمة الحكم على شواطئ نواكشوط ؟