السرد النسوي: ثورة المتخيل الأنثوي...! (الحلقة الأولى) / تربة بنت عمار

لقد أصبحت الكتابة النسائية في وقتنا الحاضر محط أنظار النقاد، نظرا لما تتميز به من ثورة ضد الثقافة الذكورية، حيث شكل جيل من الكاتبات في مجال السرد (الرواية والقصة) صرخة تحدي في وجه طغيان الأدب الذكوري...، الشيء الذي جعل الأمر يختلف

 عما ألفه المتلقي عندما ظلت المرأة ذلك الكائن المادي والعنصر الملهم للرجل لكي تعطي للقصيدة رونقا وجمالا، وبهذا ظلت المرأة ثالث مكونات الإلهام للرجل مع الأطلال وأيام الصبا، وذلك ما ذهب إليه الناقد عبد الله إبراهيم بقوله: "فالآداب العربية القديمة شعرية وسردية كانت تموج بصورة المرأة الجارية، التي اقتصر دورها على تقديم المتعة للرجل فهي موضوع للذة..".

لكنها وانطلاقا مما سبق استفادت المرأة من نضالها السياسي وتحسن وضعها الاجتماعي وانتشار الوعي في صفوف النساء، ولم تعد المرأة ذلك الإنسان الساذج والسطحي والذي يرضى بحضوره في مقدمة شعر الرجل كعنصر للترويج، من اجل لفت انتباه المتلقي، وقد بالغوا في ذلك حتى اخترعوا حديثا على الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال: "لا تمتدحني بخصي الشعر" وهكذا أسست الثقافة الأبوية في الذهنية الجمعية- دينيا- حضور المرأة وذكر محاسنها وجعل ذلك من أساسيات القصيدة العربية الجميلة! لتظل عيون المرأة وثغرها وخصرها وأشياء أخرى من جسمها أماكن حيوية للعرض في المحافل الرجالية ومجالس الملوك...!

الشيء الذي رفضه جيل الثورة الأدبية ذات الأسلوب النضالي بمهارة المتخيل الذي اختزل مرارة الكبت، وانطلقت الكاتبة من منطق المتخيل الذي لا يعرف للثورة والعصيان قانونا، لأنه الإبداع الذي قال عنه نزار قباني ويعني إبداع الكاتبة أحلام مستغانمي: "فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني، وخارج على القانون..".

وانطلاقا من هذا أصبح بإمكان القارئ للأعمال السردية النسوية من جيل الثورة الأدبية هذا يستطيع أن يلاحظ صعودا وخروجا عن المألوف، وعنه يقول الناقد عبد الله إبراهيم أيضا: "لقد شهد السرد العربي الحديث صعودا للرواية النسوية استجابة للوعي الأنثوي الذي عرف طوال التاريخ استعبادا لا يمكن تجاهله...".

فالمرأة بإبداعها قد استطاعت أن تزعزع معتقدات المتلقي، وان تشاكس النسق الرجالي المتسلط "فمن الجرح وحده يولد الأدب".

فهوية المرأة المعاصرة برزت من خلال إنتاجها "عالم السرد النسوي موضوع هوية المرأة في عالم يتحول ببطء" فعندما كتبت الجزائرية أحلام ثلاثيتها التي أعلنت فيها ثورتها وتحديها للطمس الجزائري والمشاكل الاجتماعية التي يتربص بها الوطن العربي، وجمعت هموم الأمة بأسرها، توقفت قليلا مع الرجل حين قالت: "إن كل علاقة لك مع رجل سترسو بك إلى شاطئ المفاجآت...! في البدء نحن ندري مع من تزوجنا لكن كلما طالت بنا الحياة الزوجية نعود لا ندري مع من نحن نعيش!".

علق عليها حينئذ نزار قباني عندما صدرت ثلاثيتها الاستثنائية قائلا: "لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حدود لها، وشراسة لا حدود لها... وجنون لا حدود له!".

فلم يكن نزار قباني معًقدا لأنه مصاب بجنون الإبداع هو الآخر ولم يهاجم هذه المرأة الثائرة على النسق الذكوري، وإنما كان صادقا وشاعرا بتعليقه، الذي تضمن في وصفه لعملها بالشراسة والجمال والجنون، وهذه أشياء كانت مجتمعة بقوة في تلك الثلاثية الاستثنائية في السرد العربي بشكل عام، لكنه اعتذر ضمنيا عن كلمة جنون عندما أضاف قائلا: "الأعمال الأدبية الكبرى لا يكتبها إلا المجانين!".

فأحلام نفسها قالت عن الجنون الإبداعي "إن الأعمال الكبرى يقترحها الجنون ويكتبها العقل" فالجنون في عرف التراث العربي هو الخروج عن المألوف، وهذا ما أتسمت به الكتابة السردية النسوية في وقتنا الحاضر...!

14. يناير 2013 - 21:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا