لا شك أن تقوية السلطة القضائية وضمان استقلالها يعتبر محورا أساسيا في البرنامج الحكومي وذلك لما له من دور في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يعتبر من ركائز دولة القانون ومرتكزات التنمية وأداة تحقيق مبدأ الإنصاف، إلا أن هناك لبنة من لبنات المؤسسات القضائية ضلت تحت الظل ومن اهمها كتابة الضبط التي تركت للفوضاء وعدم التنظيم لاسباب كثيرة ولعل اهمها غياب القانون المنظم لها ، فإما هي مساعدة أو مشاركة أو ركن ولكل مصطلح اثاره و الآثر الآن الفوضاء وعدم الانسيابية والنجاعة .
وعليه ومن أجل أن تنجح جهود اصلاح القضاء كمؤسسة ، لا بد من تقوية واجهتها الادارية والإشهادية والضبطية المتمثلة في كتابة الضبط والتي لاتكاد تعدوا وظائف بدون وظيفية وان كان حقا- نظرا لما سطرت لها - من يعتبرها العمود الفقري للعملية القضائية برمتها بحجج انها مكان ميلاد القضايا ورواجها وهي المخاطبة لجميع المرتفقين من المتقاضين ومساعدي القضاء من المحامين والعدول والمفوضين القضائيين وغيرهم، وهي التي ترافق أطوار القضايا إلى أن تنفذ، وبالتالي فأي إصلاح، لا يستحضر هذا الدور المحوري سيكون فاشلا لا محالة وأكبر ما يجب أن ينصب عليه الإصلاح ، بخصوص كتابة الضبط هو تأهيل الموارد البشرية والهيكلة التنظيمية للمحاكم، وفق لما يحقق النجاعة المطلوبة(التنظيم القضائي بجانب تنظيم ادارتها القضائية). إذ لا يمكن أن ننتظر نجاعة قضائية بهيكلة معدومة الوجود قانونيا، كما لا يمكن أن نطلب النتائج المرجوة بموارد بشرية غير مؤهلة ولا تحظى بالعناية الاجتماعية والاعتبارية اللازمة. إضافة إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية المنظمة لجميع المهن القضائية وفق لرؤية متكاملة تنبني على تحقيق التكامل والانسجام والجودة.
ولعل أهمية الهيكل التنظيمي يكمن في النقاط التالية:
1-توزيع الأعمال والمسئوليات والسلطات بين الموظفين وهذا غائب .
2- تحديد العلاقات لمن يتبع كل شخص ومن هم الأشخاص الذين يتبعون له وتطبيق نطاق الإشراف يكاد يكون في حكم العدم.
3- تجميع الأفراد في أقسام والأقسام في دوائر والدوائر في وحدات.
4- تفويض السلطات وتصميم الإجراءات.
5- تصميم الأنظمة والوسائل لضمان تحقيق الاتصال الداخلي الفعال ومشاركة الأفراد في صنع القرار والتفاعل مع الجمهور وتقديم منتجات جيدة.
6- توفير القواعد والوسائل اللازمة لتقييم أداء الموظفين. .
فكيف لم توحد الهيكلة القانونية والتنظيمية للمهنة ؟ كيف و ننتظر نجاح أو نفضل فشل المنظومة المؤسسية والإدارية للقضاء بغياب الإطار المنظم لموظفي كتابة الضبط ؟ مع العلم ان الادعاء بكتابة الضبط أمر بسيط جدا في الواقع بمباركة عدم التقنين والتنظيم فالملفات القضائية عرضة للاهمال ؟اسئلة جوهرية لم تجد اجوبة بعد ؟ وان كانت هناك محاولة فلم تخرج بعد للنور!؟ فكيف لمهنة الضبط في المحاكم أن تٌترك بدون قانون منظم وتترك حقوق المواطنين وأسرار الناس لمن لم يحلف ولايمث بصلة للسلك ابدا وبأي موجب؟ وكل خطأ من هؤلاء يحمل موظفوا الاسلاك ضرره المعنوي ؟
ولن نغفل ان إقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدستور لا يخلوا من ضرورة الحديث عن موقع هيأة كتابة الضبط وتحديد موقعها بين هذه السلط ، ومن ما لا يختلف فيه اثنان أن كل المهام التي تقوم بها كتابة الضبط هي مهام إدارية تنفيذية غير قضائية إلا ما يتعلق منها بتنفيذ بعض الأوامر القضائية - ويمكن تسميتها بشبه القضائية - ومن ثم فهي تخضع للسلطة التنفيذية في حين أن القضاة يتبعون للسلطة القضائية. وهذه الرؤية مدعومة بقاعدة فقهية هي ان كل ما هو اجرائي فهو من وظائف كتابة الضبط وكل ما يتعلق بالفصل في الخصومات والمنازعات فهو من اختصاص القضاء.
ولكن لكل شيء حدود فما هي حدود استقلالية هيأة كتابة الضبط في مشروع اصلاح المنظومة القضائية؟
إلى حدود اليوم نسجل عدم استيعاب الوزارة الوصية لأهمية استقلالية هيأة كتابة الضبط ونأسف أن نجد محسوبين على الخط الرسمي من يعتبر ذلك رغبة في الإفلات من الرقابة؛ وكأنما لا يحق مراقبة كتابة الضبط إلا من جهة بعينها، ورغم أن هذه الاستقلالية لا تقل أهمية عن استقلالية القضاء بشكل عام. فنحن نعلم أن كتابة الضبط تؤدي أدوارا مختلفة، فهي إجمالا تقوم بثلاثة أدوار مختلفة لكنها متكاملة، فهناك الدور القضائي الذي يتمم جميع ما يصدر عن الهيئة القضائية؛ وبدون كتابة الضبط لا معنى لأي حكم قضائي ولا لأي قرار قضائي مهما كان مضمونه، والدور الثاني هو دور إداري باعتبار كتابة الضبط تدبر مصالح وقضايا مختلفة يحضر فيها الطابع الإداري والتدبيري اليومي، إضافة إلى استخلاص الرسوم القضائية والغرامات والعقوبات المالية... ولهذا كنا ننادي -وما زلنا- إلى ضرورة إعادة النظر في قانون التنظيم القضائي من خلال التنصيص على استقلالية هيأة كتابة الضبط وتحديد هذه الأدوار كاختصاصات منصوص عليها قانونا وتحديد صلاحيات رؤساء كتابات الضبط حتى لا يترامى عليها مسؤولون قضائيون دون موجب قانوني، وإنما برغبة في الهيمنة والسطو على اختصاصات هيأة يفترض فيها أن تكون مستقلة كما في عدد من الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها ، فكيف يقوم باعمال كتابة الضبط وفي مكاتبها دون الخوف من انتحال الصفة والجرأة عليها إلا في الايقان بأن لاقانون ينظم المؤسسة وبغياب القانون والتنظيم تدخل الفوضاء والمحسوبية.
وللأسف أيضا مع أن لهيئة كتابة الضبط دور أساسي في تحريك عجلة منظومة العدالة فإن هذه الهيئة عانت وما زالت تعاني من العديد من المشاكل أهمها ،أن عدم تقنينها وتنظيمها عرضها لتكون تحت رحمة النظرة الدونية التي تطبع هذه الهيئة منذ تنظيرها في موريتانيا ، نظرة تؤدي بشكل أو بآخر إلى إهدار كل الطاقات والكفاءات وجعلها مثل الآلة تشتغل بصمت دون أن تساهم في أي إصلاح للعدالة.
وعليه واستجابة للرغبة الملحة في طرح تصوراتنا لإصلاح العدالة آثرنا إلا أن نبدي وجهة نظرنا حول إصلاح منظومة العدالة وذلك من بوابة هيكلة ادارتها القضائية والمنسقة للعملية القضائية والاعوان القضائية ولا يسعني الا وان ابدي ملاحظة وهي ان كاتب الضبط ليس عونا قضائيا فالعون يمكن الاستغناء عنه بل هو شريك في العملية القضائية وركن في المؤسسات القضائية ولا تصح العملية القضائية دونه مطلقا.