لعل هذا المقال يشكل بادرةً لاهتمام الموريتانيين بأهمِّ قضيةٍ معاصرة مطروحة عليهم، قضية يتعلق بها بقاء المجتمع الموريتاني ووجود موريتانيا ككيان قائم، يتعلق الأمر بقضية الأجانب في موريتانيا. لم أطَّلِعْ فيما سبق على أيَّةِ كتاباتِ موريتانية تتناول هذا الموضوع، وبسببٍ من إحساسي الكبير بإلحاح هذا الموضوع ارتأيت أن أكتب حوله مجموعة حلقات. وتتعلق هذه الحلقة الأولى منها بتأطير عام للموضوع.
وأَوَدُّ أنْ أقولَ بدايةً: إننا نرحب بكل ضيف على بلادنا وله كامل الحق في أن ينعم في موريتانيا بالأمن والأمان، ولنا واجب إكرامه واحترامه.. نحن فقط نريد أن يتم احترامنا في وطننا.
1ـ لن تندثر موريتانيا بفعلِ حَربٍ خارجيةٍ ولا فتنةٍ داخلية، بل بفعلِ استحواذِ الأجانب، لقد بدأوا فِعلاً في تغييرِ التركيب السكاني لموريتانيا منذ سنوات، وإن لم نتدارك القضية فموريتانيا لن تكون.
إنَّ النَّظَرَ إلى تاريخنا الوطني القريب جدا منذ حوالي عشرين سنة يُظْهِرُ لنا أنَّ الأجانب قد اخترقوا بلادنا عن طريق استثمارهم للفساد الإداري في وطننا.
نحن نعرف فضيحة التجنيس الكبيرة جدا عندما كانت حالتنا المدنية تعيش أكثر أزمنتها فسادا، لقد حصل آلاف الأجانب على الجنسية الموريتانية عن طريق تعاملهم مع الجهاز الإداري الفاسد، أحيانا يحصلون عليها برشوة بسيطة وأحيانا يتم تسهيل حصولهم عليها بطرق غير شرعية من طرف المواطنين الموريتانيين الذين يستخدمونهم للعمل.
2ـ في معظم دُوَلِ العالم هناك أحزاب سياسية قوية تتناول خطر الاجانب على البلاد، ويزيد ذلك دائما من شعبِيَتِها، أما في بلادنا فقد فشلت أحزابنا السياسية جدا، لم يوجد لدينا من يَعِي خطر الاجانب، أهم قضية سياسية واقتصادية واجتماعية تواجه حاضرنا ومستقبلنا. إن أي حزب سياسي موريتاني يتبنى قضيةَ ضبطِ أوضاع الأجانب وتحديد أعدادهم المستقبلية في بلادنا ونوعية المهن والوظائف المسموح لهم بمزاولتها... هذا الحزب سيجتذب قدرا كبيرا من المنتسبين وسيحصد أعدادا كبيرة من الناخبين في الانتخابات.
المجتمع والأفراد فشلوا كذلك في التعبير عن إحساسهم بخطر الأجانب الذي باتَ مُطْبِقاً عليْنا. مع إحساسهم العميق بأن الأجانب يضايقونهم بقوة في أعمالهم وحياتهم النشطة.
3ـ أخْبَرَنَي صديقٌ أجنبي قائلا: "إنَّ نواكشوط هو عاصمة مُلتقى الأجانب". أحسستُ فورا بِصِدْقِ هذا الحكيم وبِغَبائي إذْ فاتَتْني هذه البديهة. لم يعد نواكشوط ملتقى الأجانب فقط كأفراد بل أصبح مركزا لمجموعاتِ عملٍ ومجموعاتِ ضغطٍ وشركاتٍ ناهبةٍ تَتَّحِدُ وتتعاون في ابتكارِ نهبِ خيرات البلاد.
4ـ لقد عَبَثَ بِنا بعضُ الأجانبِ جدا: ابتداء من قتل المواطنين، اغتصاب، سرقة، رشوة، مخدرات، ضرب، إرهاب، تهرب ضريبي... الخ.
5ـ الأجانب اليوم يستحوذون على أهم الأنشطة التي كان المواطن البسيط يشغلها، هذا ما مَثَّلَ أزماتِ بطالة كثيرة. لقد تَمَّ دَحْرُ المواطنين من مناطق العمل اليدوي مثلا (انظر اكلينيك، لگصر...).
6ـ لا توجد احصائيات عن عدد الأجانب في بلادنا ولا عن نوعِ الأعمال التي يعملونها في بلادنا.. إنَّها قِمَّةُ الخطر في عالمِ رقمنةِ السياسة، حيث يتم اتخاذ القرارات التنموية والأمنية بناء على الاحصاءات. يعني هذا أنَّ أي قرارات حكومية لا تنبع من احصائيات تتعلق بنسب الأجانب الى نسب المواطنين ومدى استفادة كل منهم كل ذلك سيعطي نتائج سلبية على تنمية بلادنا وتحسين حياة المواطنين. كيف لدولة لا تعرف ـ ولو تقريبيا ـ أعداد الأجانب فيها ونوع أعمالهم وخريطتهم التوزيعية في البلاد أن تَخْلُقَ تنميةً أو أنْ تساعدَ مواطنيها؟!
7ـ نحنُ نُرَحِّبُ بكل أجنبي مُحترمٍ يَجعلُ من الشَّرعيةِ عنوانا: شرعية الدخول والعمل والسلوك... لكننا في المقابل ندعو دولتنا لإعطاء الأولوية للمواطن بِما يَضْمَنُ حمايته من منافسةِ الأجانبِ المُدَرَّبين أكثر. إن موريتانيا هي بلد الضيافة وشعبها من أكثر الشعوب استضافة وترحيبا بالأجانب والغرباء، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون سببا لاستهتار الآخرين بنا ولا لعبهم عل تلك الضيافة والكرم لكي يستغلونا ويستعمرونا.
8ـ على الدولة التمييز الإيجابي دائما لصالح المواطنين.
نحن نرفضُ أنْ يُصْبِحَ المواطِنُ أجنبيا والأجنبي مواطنا. نرفضُ أنْ نموتَ جُوعاً بينما يُتْخَمُ الآخرون مِن ثرواتِنا الصغيرة والكبيرة. يجب على دولتنا حمايتنا من المنافسة غير المتكافئة مع الأجانب.
إذا كان المواطنون في غالبيتهم أهل بدو وأهل كسل وعدم معرفة بالكثير من الأعمال والوظائف فإن ذلك لا يعطي الحق لحكومتنا وإداراتنا في التماشي مع الأجانب فيما يتعلق بترك الحابل لهم على الغارب. على الدولة أن تشترط عليهم تعليم المواطنين وتدريبهم وإشراكهم.