واضح أن فرنسا غير راضية عن الموقف الموريتاني من الحرب الدائرة الآن في مالي، فقد عبرت عن ذلك على لسان رئيسها هولاند حيث ثمن الموقفين الجزائري والمغربي البلدين الذين سمحا للطائرات الفرنسية بعبور أجواءهما، ولم يعبر عن أي تفهم للموقف الموريتاني ولم يتطرق إليه ببنت كلمة.
موقف موريتانيا المتقاعس من وجهة نظر فرنسا عن الحرب قد يجعلها تواجه ضغوطا متزايدة من الأخيرة خاصة عندما تتزايد قوة التحاف الدولي الداعم للحرب.
موريتانيا بحاجة إلى حليفتها التقليدية فرنسا في مواجهة التهديد السلفي القادم من مالي، بحاجة إلى الموعلومات الاستخباراتية حول التنظيمات السلفية في مالي، وبحاجة أيضا إلى المال لمواجهة الوضع الانساني الناجم عن تزايد أعداد الفارين من الحرب في حدودها الشرقية.
لكن موريتانيا بالمقابل لديها مصالح في مالي. لديها رعايا في الجنوب وتحالفات في الشمال مع قيادات حركة تحرير أزواد ولديها تخوفات متعلقة بأمن المواطنين العرب عندما تتخذ الحرب طابعا عنصريا بين الشمال والجنوب في المالي.
الطبقة السياسية في موريتانيا منشغلة بالتخطيط للانتخابات في وضع يحكم الجيش فيه سيطرته على المشهد السياسي برمته. لا أحد في الحكومة ولا في البرلمان ولا في الأحزاب السياسية لديه أدنى قدر من السلطة أوالاطلاع على القرارات الكبيرة كالانتخابات أو الموقف من الحرب فتلك أمور من اختصاص القادة العسكريين الذين لا يقيمون وزنا أبدا بطبيعتهم للمدنيين ويقولون لهم "سيفيل" les civiles ولا يثقون بجديتهم ولا بقدرتهم على إدارة شؤون البلاد.
هكذا تأتي الحرب في مالي في ظرف أصبح نظام الحكم فيه في موريتاني شبيها بنظام الحكم في جارتها الجزائر. وقد يطمح القادة العسكريون في موريتانيا إلى دعم ورعاية حركة تحرير أزواد كورقة ضغط ونفوذ في المنطقة تجعلها أقدر على المناورة ومواجهة خطر هجمات التنظيمات السلفية القادمة من مالي، وبهذا تصبح كالجزائر في دعمها لحركة تحررية مسلحة في المنطقة، لكن هذا الوضع يجعل الحاجة إلى فرنسا أكبر خاصة إذا كانت هي التي ستتولى إدارة شؤون الحكم بعد الحرب في مالي اكبر جيران موريتانيا حدودا مشتركة.
الموقف الحالي الموريتاني من الحرب مطروح للنقاش وقابل للتغير، لكن ببطء. فقد بدأت موريتانيا ترسل إشارات إيجابية إلى فرنسا لإرضاءها لكن بدون حماس، وفرنسا لن تقبل بأقل من فتح المطارات ومشاركة القوات الموريتانية إلى جانب الأفارقة في الميدان، وذلك أمر يتعذر تبريره للرأي العام الوطني من قبل القادة العسكريين الذين هم في النهاية أدرى من غيرهم بقدرة فرنسا على حملهم على المشاركة.