دخل التعديل الأخير لمدونة التجارة الموريتانية رقم 2021-005 حيز التنفيذ، وهي فرصة لنا كممارسين ـ لن نضيع الحديث عنها والوقوف على بعض المضامين الجديدة والمهمة التي جاء بها، وبداية وقبل الدخول في تلك المضامين الفنية والإشارة إليها، نلفت انتباه
القارئ الكريم إلى أهمية هذ الإصلاح الجديد لكونه يزيد في الموثوقية القانونية والارتقاء بالمعاملات التجارية، وتتأتى عناية الدولة بالقانون التجاري من منطلق أنه لم يعد ذلك القانون
الذي يقتصر تطبيق قواعده علي التاجر والأعمال التجارية بل إن التحولات الاقتصادية التي شهدها العالم أخيرا بظهور الكثير من الثروات والمستجدات الاقتصادية فرض توسيع دائرة القانون التجاري ليستوعب تلك المستجدات الاقتصادية والتنموية.
ولعل هذا الأمر ما حدا بلجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ـ والتي تعني بمهمة إصلاح القانون التجاري على النطاق العالمي ـ بإصدار الكثير من التوصيات المتعلقة أساسا بضرورة مراجعة القانون التجاري وتحديثه، نظرا لمحدودية القواعد التشريعية الخاصة به في كل ظرف مقابل
تجدد الوقائع والنوازل المتسارعة في ظرف آخر.
ويدخل ضمن هذه المراجعات ما تم القيام به على مستوي القانون رقم 2000/005 المتضمن مدونة التجارة الصادر بتاريخ 18 يناير سنة 2000 , حيث قامت الحكومة بمراجعته سنة 2014 و2015 , وعلي ضوء ما أحرزته الدولة في السنوات الأخيرة من خلال التقارير التي
تنشرها مجموعة البنك الدولي والتي بموجبها احتلت المرتبة تسعة وأربعين عالميا والسادسة افريقيا في مؤشر إنشاء المؤسسات، وما تلتزم به من ضرورة الاستجابة للمتطلبات الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قامت الحكومة أخيرا بعرض مشوع تعديل القانون رقم 2000 / 005، وتمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بتاريخ 11 /01 /2021 ليتم إصداره في الجريدة الرسمية يوم 10 فبراير سنة 2021 , كما تمت المصادقة من طرف مجلس الوزراء يوم 03 /مارس / 2021 على مشروع مرسوم مطبق لأحكام الفرع الثاني من الفصل الأول المتعلق بسجل التجارة في الباب الثاني من الكتاب الأول من القانون التجاري، وبذلك تصبح التسمية الجديدة للسجل التجاري هي " سجل التجارة والضمانات المنقولة " بدل السجل التجاري .
وبهذا التعديل يصبح القانون رقم 2021 – 005 هو التعديل الثالث الذي يعدل ويكمل ويلغي بعض أحكام القانون رقم 2000 -005 الصادر بتاريخ 18 يناير سنة 2000 .
وحتى لا نطيل على القارئ الكريم ونشتت ذهنه بالكثير من الجزئيات الفنية التي قد لا يستوعب كثيرا منها بحكم عدم التخصص فإننا نعطيه بعض الأمثلة على الإصلاحات التي حرصت الحكومة على إدخالها في هذه التعديل الأخير الذي يتضح منه انها ماضية في تطوير المنظومة التشريعية بصورة عامة والمنظومة التشريعية التي تحكم القضاء التجاري بصفة خاصة.
واهم هذه المستجدات التي جاء بها التعديل الجديد هو إدخال آليتين جديدتين على مدونة التجارة هما سجل المستفيد الحقيقي وسجل الضمانات المنقولة .
أولا: سجل المستفيد الحقيقي
لم تتوقف جهود المشرع الموريتاني عند حدود إصدار القانون رقم 2005 -048
المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وما تلاه من تدابير قانونية
بل قام هذه المرة بإدخال مقتضى جديد على مستوى مدونة التجارة تمثل في سجل
المستفيد الحقيقي، وهو تدبير قانوني تهدف الحكومة من ورائه إلي:
الوقوف في وجه الأموال غير المشروعة ومنعها من التسرب إلى اقتصاد البلد
حتى لا يتم الاعتماد على اقتصاد الجريمة كبديل عن الاقتصاد الشرعي في
تأسيس أي نمو اقتصادي داخل البلد.
تعزيز الشفافية المالية وتوفير المعلومات اللازمة عن المستفيدين
الحقيقيين وعن الترتيبات القانونية والشخصيات الاعتبارية .
تنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية الرامية إلى الحد من المخاطر
المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
محاربة عصابات الإجرام التي تجاوزت تهريب المخدرات والأسلحة لتقوم
باختلاس الأموال ومن ثم تمويل الأنشطة التجارية سبيلا إلى تبييضها
وتشريعها.
تمكين المعنيين بمسك السجلات التجارية المحلية من مراقبة الكيانات
القانونية ذات الشخصية الاعتبارية وكذا الترتيبات القانونية عند التقييد
لمعرفة هوية المستفيد الحقيقي منها ومعرفة المسؤولين والعمال الذين
يتصرفون لحسابه .
ثانيا: سجل الضمانات المنقولة
يعتبر الائتمان ركيزة أساسية في المعاملات التجارية وهو ما دفع أصحاب
المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى تقديم ضمانات للبنوك عند الاقتراض قصد
تمويل مشاريعهم.
ونظرا إلى محدودية الوسائل التي تتوفر لهذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
وحاجتها في بعض الأحيان إلى حيازتها لأنها من أدوات إنتاجها وتحريك
نشاطها فإن المشرع الموريتاني ومن خلال المدونة التجارية أتاح لهم تقديم
هذه الوسائل كضمانات من غير أن تنتقل حيازتها عنهم وقد عدد المشرع هذه
الضمانات ونظمها فخصص لها ما يربوا على 47 مادة من مدونة التجارة
الموريتانية،
وبالإضافة إلى تحقيق تلك المصالح وسعيا إلى تحقيق نتيجة معتبرة في المؤشر
الخاص بمنح القروض، فقد أنشأت الحكومة عن طريق هذا التعديل الجديد سجلا
خاصا بالضمانات المنقولة بغية الأهداف التالية:
ـــــ إشهار الضمانات المنقولة والحقوق التي يفرض القانون تسجيلها في
السجل والاحتجاج الكامل بها في مواجهة الغير .
ـــــــ تسهيل الولوج إلى المعلومات المرتبطة بالأموال المرهونة وإشهارها
في سجل خاص بها .
ـــــــ مركزة تقييد الضمانات المنقولة في سجل التجارة والضمانات
المنقولة في نواكشوط .
ـــــ تشجيع البنوك على منح القروض الميسرة مقابل تقديم ضمانات محمية
بالتقييد والإشهار .
ــــــ الحد من النزاعات عن طريق ترتيب أولوية الدائنين استنادا إلى
تاريخ وساعة إجراء التقييد في هذا السجل .
وأخيرا أقول إن مبدأ إصلاح القوانين عن طريق تعديلها والنظر في مضامينها
من الأمور المهمة التي تستوجب التنويه والإشادة خاصة إذا تعلق الأمر
بالقانون التجاري.
ولكن ينبغي مواصلة هذا النهج في جميع القوانين والمراسيم، حتى تتطور
المنظومة التشريعية ولن يتأتى ذلك إلا بمراعاة الأمور التالية:
ــــ إ حصاء شامل للقوانين والمراسيم والمقررات السارية المفعول .
ــــ إخضاع جميع القوانين والمراسيم والمقررات السارية المفعول للدارسة
والقراءة المعمقة قبل إجراء أي تعديل لمعرفة ما ينبغي تعديله منها.
ــــ مراعاة الواقع الذي يحكمه القانون .
ــــــ مراعاة جودة الصياغة القانونية عند القيام بإنشاء أي قانون أو
مرسوم أو مقرر .
ــــ تعزيز وتقوية الجهاز الإداري الخاص بالدراسات والتشريع وتأطير
كوادره وتكوينهم على إعداد ووضع النصوص القانونية.
إبراهيم الب خطري: ممثل المحكمة التجارية في نواكشط لدي الشباك الموحد ،
باحث في مجال قانون الأعمال.