الدعوات الضيقة بين سذاجة المبدإ وحتمية الفشل / د. علي ولد محفوظ

altالخالق العظيم أقام الكون على التنوع والتعدد فتنوع الإنسان وتعدد كما يشهد الجميع ويشاهد. وإذا كان الإنسان قد تنوع وتعدد وتشعب شعوبا فأي وصف يمكن اعتماده لنعرف ما الإنسان؟. هل يتحقق معنى الإنسان لكونه من مدينة كذا أو جزيرة كذا أو عنصر كذا؟

 أو لأنه يتكلم باللسان العربي أو الهندي أو الفرنسي أو الحبشي أو الصيني؟ أو لأنه يمارس مهنة معينة؟ أو لأن لونه أبيض أو أسمر أو أسود أو أصفر أو أشقر أو أحمر؟ أو لأن عيونه زرقاء أو بنية أو سوداء؟ أو لأن شعره أبيض أو أسود أو بني أو مجعد أو سبط أو بين ذاك وذاك؟ أو لأنه طويل القامة أو قصيرها؟، أو لأنه ذكر أو لأنه أنثى؟!. باختصار هل للمظهر سلطة على الجوهر؟؟؟.

أعتقد وأظن الجميع يوافقني أن هذه الفروق المادية لا تعبر عن معنى الإنسان، وأراها حقيقة لا يختلف حولها - في الحالة الطبيعية - أولوا العقول السليمة، فمعنى الإنسانية وعلتها يلغيان هذه الفوارق بكل تأكيد، فهي فروق لا تعني شيئا في البرهان العقلي والعقل العلمي، لكن ربما وقف عندها العامي المقصور على مقتضى الحس الساذج، وربما استوقفه المثقف المتنكر للثقافة لغرض ما معنوي أو مادي لا يهم باعثه، وقد جاءت الشرائع بالتكريم العام للإنسانية وخص المتقين بتكريم خاص بوصفهم أعلى نموذج يمثل الإنسانية في أسمى معانيها.

إنه لا يمكن إنكار هذه الفوارق ولا ينبغي التنكر لها لأنها من المحسوس الذي لا ينكره غير المكابر، لكن من الباطل قطعا اعتبارها أساسا للتفاضل أو دليلا على نبل من بطأ به عمله. وإنه لمن منكر القول وزوره، وهزيل الفعل وتافهه رفع العقيرة بمقتضياتها الضيقة في كون أقامه الخالق العظيم على التنوع والتعدد، إنه نفخ لنفث السموم وإفساد النفوس ونشر العداوات والعصبيات النتنة بالأنانيات الضيقة التي لا يشغل العاقل بها نفيس زمانه.

ولعلك تعلم أن الأنانيات تنقسم إلى مستويات متعددة، وأن الدعوات العنصرية والقومية والإقليمية تمثل مستوى مقيتا من الأنانية الجماعية الوقحة، وإن مبادئ هذه الدعوات لتضمن فشلها وتلاشيها، ذلك أنها تخالف قانون الكون وسنن الحياة والشرائع السماوية، ولا تراها إلا حاملة في طياتها بذور فشلها وفنائها، ذلك أنها ليست مما ينفع الناس لتمكث في الأرض، إنما تأتي تمحيصا ووسيلة لظهور فضل دعوة الحق، وبضدها تتبين الأشياء، كما تعرف قيمة الصحة بالمرض.

وكما أن هذه الدعوات نوع من أنواع الأنانية والاستكبار فهي كذلك وجه من وجوه الاستبداد والطغيان، وشوك شجرة خبيثة دأب المحتلون على زرعها وتعاهدها في كل بلد دخلوه. وما أكثر ما تجر هذه الدعوات على ذويها من الويلات والأسى وعلى شعوبها من المعاناة لكن المتحقق دائما أن مآلها الفشل الذريع والسريع فجأة دفعة واحدة. والتاريخ والواقع ناطقان ينطقان بهذه الحقيقة للمخالف والموافق، فهي مجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار، وأما السماء فهي أسمى من أن تصلها قاذورات تلك الشجرة الخبيثة.

ولقد شهد التاريخ والواقع باطراد على كون هذه الدعوات تحمل بذور فنائها بحيث يصح عد ذلك من الحقائق الثابتة، ومن ذلك أن من أكثر الشعوب عنصرية قومية هو الشعب اليهودي وهو أكثر الشعوب فشلا، فما إن يخرج من شتات حتى يدخل في شتات، وما تقوم له قائمة إلا ليسام سوء العذاب.

وقبل زمن ليس بالبعيد تلاشت الدعوات الفاشية والنازية، وما كان للنازية أن توجد لولا السلوك اليهودي العنصري في أوروبا عموما وألمانيا خصوصا.

وقد قامت في العصور القديمة وفي العصر الحديث آلاف الدعوات الأنانية الضيقة الجهوية والعرقية واللونية واللسانية، وكلها أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا، والدعوات التي تقوم في العصر الحاضر على المبادئ الأنانية والعنصرية قريبا يخني عليها الذي أخنى على لبد، أو أنه بالفعل أخنى، إنها تسير في الطريق الخطإ مقلدة أمما خلت لتقع في مثلات تكررت، فهل من متوسم لبيب ينيب؟!.

وغير خاف أن الدعوات العنصرية تستهوي الكثير من النفوس، ولا سيما النفوس العامية التي لا تؤسس قواعدها على أحكام العقل وإنما على العواطف التي لم تتهذب، فإن النفوس في أصلها مجبولة على حب الذات نفسا وقوما وعنصرا وجهة، والتعلق بكل ما تشعر فيه بالاختصاص. لكن النفوس متى ما تتهذب بنور العقل فإنها تتعالى على الفروق الحسية وتستغرق في المعاني دون المباني وفي الحقائق دون الصور، ولا سيما إذا انعكس ضياء شمس الوحي على قمر العقل فإن نفسا سارت  وفق ذلك النور تتسامى نحو قمم الإنسانية الصافية، في أصفى وأرقى معانيها المستمدة من الهدى الرباني الحكيم.

 

 

د. علي ولد محفوظ

باحث في الإنسانيات

للتواصل: [email protected]

16. يناير 2013 - 18:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا