أبكت تلكم الحمامة أم غنت؟ / الطيب ولد سيد أحمد

 السلطة التشريعية مكون جوهري في نظام الحكم الديمقراطي الحديث ولعله أهم أركانه من حيث كونه يمثل الرقيب الجماعي الضامن لسلامة الممارسة السياسية من جهة إذ هو عين المواطن الساهرة التي تكلأ مصالحه وتؤمن مشاركته الايجابية في تسيير الشأن العام عن كثب ؛ ولكون أفراد هذه الهيئة قادمين من مختلف تضاريس المجتمع وأدغاله بغثها وسمينها إذا جاز التعبير ؛حيث يمثـلون سائر فئات المجتمع : مثقفيه وعوامه شيوخه وشبابه ؛ رجاله ونسائه مرضاه وأصحائه؛ فالكل يرى أنه استأجر القوي الأمين والكل يرى أنه استأمن من يشاطره آلامه وآماله ويسهر أكثر منه على همومه ويناضل من أجل تحقيق تطلعاته .

وهم يعلمون أكثر من غيرهم ما يعانيه ناخبوهم من مشاكل وإلى ماذا يتطلعون وماذا عليهم أن يبذلوا من تضحيات في سبيل الوفاء بالتزاماتهم أمامهم غداة تسول أصواتهم سبيلا إلى خوض الاستحقاق الانتخابي الذي أفرزهم ومكن لهم المشاركة في هذا الملأ الوصي على مصالح البلد حيث يسن القوانين ويراقب حسن سير عمل السلطة التنفيذية ويرشد سلوكها ويسائل ويطيح بالفاسد منها إذا اقتضى الأمر .

فأن يعمد ممثـلوا شعب المنارة والرباط في هذه السنوات العجاف التي فاقت في عددها سنوات عزيز مصر في غياب مفسر أحلام ملهم بقامة يوسف عليه السلام؛ أن يُقْـدم هؤلاء النجباء المكرمون على زيادة علاواتهم مرتين زيادة معتبرة في سنتين استـثـنائيتين متـتـاليتيـن ـ ((وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)) .

إن صح هذا الإجراء لهو حدث مخيب للآمال بل تـشيب له الولدان ؛ وتخر له الجبال هدا؛ فهل الخبر صحيح أم هو فقعة إعلامية مسيئة؛ تستهدف النيل من ممثـلي الشعب ورمز الأمة ؟ عسى أن يكون هذا الخبر المسيء أضغاث أحلام .

دعونا نتأول ما يشاع ـ ونحسن الظن ونلتمس أحسن المخارج لمن بادروا إلى اقتراح هاتين الزيادتين والذين صادقوا عليهما فذلك ما يقتضيه المقام .

.............................................  إن القلوب بحسن الظن تنسجم
لا تترك الشك يبني فيك مسكنه  إن الحــــــياة بسوء الظن تنهدم
لاشك أن قامات نيابية أبية قد تكون نأت بنفسها عن جلسة التصويت ولوثة حديثها  تعففا أو ترفعا أو كلاهما إذ لا يشرفهم الحضور لمثـل هذه الشبهات وحسنا فعلوا إذا صح الافتراض ؛ لكن الذين اقترحوا الزيادة أو دعموها أو سعوا فيها وعبؤوا لمقترحها المشبوه لعلهم إنما أرادوا من وراء ذلك خيرا؛ فالزيادتان معا إنما طلبوهما في هاتين السنتين الماحلتين نيابة عن ذوي الحاجة من معوزي دوائرهم إشفاقا عليهم وإمعانا في التعاطف معهم تحت وطأة الجائحة والجفاف والكساد والتضخم لا لأنفسهم معاذ الله ؛ هيهات بل كان ذلك منهم استنانا بالسنة الحسنة التي كان بعض النواب قد سنها من قبل في دوائرهم الانتخابية وتطويرا لها ؛ حيث يتبرعون بعلاوتهم البرلمانية جملة وتفصيلا حسب مصادر ذات صلة بمقاطعاتهم ويكلفون وسطاء بتوزيعها على ذوي الحاجة في دوائرهم بغض النظر عن ولاءات المستهدفين فالمرشح متى نجح صار وقفا على الجميع وممثلا للجميع وتؤرقه مصالح الجميع على قدم المساواة؛ ذلك ما تقتضيه قيم المسؤولية العمومية وأخلاق المهنة وتعاليم الشريعة؛ وهذا العمل الجليل إنما هو صدقة  يحتسبونها بعشر أمثالها عند الله وعمل بر يزين ؛ فأراد هؤلاء الاتساء بهم وتطوير وتعميم تجربتهم فهو تنافس في العمل الصالح تقـتضيه جسامة المهمة وحسن النية والوفاء للناخب المسكين الذي يروح ويغدو على تعلات الوعود الانتخابية الواعدة يومها؛ هذا ما تـقبله الفطرة السليمة ومنطق الإيثار والوفاء .

معاذ الله أن يتورط جمهور بهذه الرمزية وهذا الاعتبار وفي هذا المقام  وصليل سيوفهم في ملحمة الحرب على الفساد ملء الأفواه والأسماع ــ وطرائدهم ما تزال قيد الملاحقة والمساءلة والايقاف ــ أن يتورط هؤلاء في التهافت على لعاعة  من المال مهما كانت قيمتها هم في غنى عنها بمكانتهم المعنوية وأبوتهم السياسية وأخلاقهم المهنية وأمانتهم التاريخية ورواتبهم الجارية؛ وأرصدتهم المالية ؛ لهو تناقض منهجي صاعق ونكسة أخلاقية وإساءة استخدام للسلطة مريبة وخارج السياق التاريخي في وقت حساس ولحظة فارقة يتطلع فيها الجميع إلى نتائج الإصلاحات التي بشر وتعهد بها الرئيس وألزم بها حكومته  .

وإلا فما الحكمة في أن تبادر الجمعية الوطنية بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية هدفها المعلن إنصاف الأمة من المفسدين و هو لعمري مطلب استراتيجي ملح ثم تستبق  ثمار هذا التحقيق لـتـقرر زيادة رواتب أفرادها.

تحت أي عنوان يصنف هذا السلوك بالله عليكم؟

يا أيها الرجل المعلم غيــــــــــره ** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ** كــــــــــيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فأنهــها عن غــــــــيها ** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعـذر إن وعظت ويقتدى ** بالـــقول منك ويقبل التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثـلــــه ** عار عليك إذا فعلت عظيم
 لعلكم  تسمعون قريبا عن حملات توزيع سخية ينظمها هؤلاء داخل دوائرهم فلا ينتظر منهم غير ذلك ولا يقبل منهم سواه .

ففعل ما لا ينبغي  لا ينبغي ..............     .................................
 

فالعفة والقناعة والشهامة والنخوة والإيثار صفات لا تستقيم الصدارة والقيادة في غيابها حتى يعود القارظان ؛ وبضدها تتميز الأشياء.

يقول الشاعر الشعبي  في آداب القيادة :

شيخ الّحل يد بله   ويلزلت يصبله  والدي يط جله . ويتقاعس عند الحاس . ويلما هذا كله .  اح الناس كالناس .

ويقول المثل ( السترة واتلحـﮖيم ما يـخلط ) .

تـلكم هي القيم والأخلاق  النبيلة التي ينتظرها الناخب من منتخبه الوفي حيث كان وهي مناط عقد التزكية بينهما ومنتخبونا  ليسوا أقل شأنا من غيرهم فهم عند حسن ظن ناخبيهم إن شاء الله  .

وفي أسوأ الاحتمالات فمن تاب تاب الله عليه .

وشروط التوبة معلومة لدى الجميع .

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
فالبقاء لله وحده لا شريك له .

وإنما المرء حديث بعده ** فكن حديثا حسنا لمن وعى

15. مارس 2021 - 9:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا