واجهت بلادنا مع بداية مأمورية فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الكثير من التحديات؛ لعل من أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الدين الخارجي: فهو يشكل عبئا ثقيلا على مداخيل الدولة من العملة الصعبة وبطبيعة الحال ودون مبالغة فإنه تركة ثقيلة من مخلفات العشرية. وحسب الدكتور عيسى ولد الداهي فإن الدين الخارجي هو السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، والانخفاض المستمر لقيمة العملة الوطنية، وانعدام الادخار، وعدم تمكن الدولة من توفير الخدمات الضرورية.. إلخ. وذلك ما يجعل الدولة تلجأ لفرض الضرائب، وتتبنى سياسة نقدية مجحفة؛ بداعي تمويل الواردات، مما ينتج عنه التضخم الذي يمتص جميع جهود الإنتاج الوطني. ليبقى المواطنون في حلقة مفرغة من تدني الخدمات وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وانعدام السيولة النقدية.. اهـ
ولعل هذا ما يفسر حرص رئيس الجمهورية الحثيث في الكثير من اللقاءات مع الممولين الدوليين على طرح فكرة شطب أوجدولة الدين الخارجي لدول الساحل. وكذا الاستعانة بمكتب دولي للتفاوض مع الدائنين. لمساعدة دول الساحل في التعافي من أعباء جائحة كوفيد ولتتمكن من السير في طريق البناء والتنمية والازدهار.
2- الطموح السياسي للرئيس السابق وما بات يعرف بملفات فساد العشرية، وما أزمة المرجعية منا ببعيد. خاصة أن الرأي العام الوطني والفيسبوكي قد استبطأ الكثير من القرارات التي كانوا قد ألفوها من نواميس (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، وذلك من قبيل إعادة العملة، والعلم، والنشيد، وإعادة هيكلة الوزارات وتجريد حرس الإدارة القديم أو إحالته للتقاعد، ومحاكمة المفسدين وتخفيض سعر البنزين وإلغاء جمركة السيارات المجحفة.. إلى غير ذلك.
إن الرئيس المنتخب لن يتمكن من تطبيق برنامجه الانتخابي إلا في أجواء من الاستقرار السياسي تضمن استمراره في مأمورية كاملة لمرة واحدة على الأقل بقوة الديموقراطية. وقد انقسمت الساحة السياسية بين أصحاب مرجعية، ومتغزونين، ومتفرجين. إضافة إلى متغزونين سرعان ما ضاقوا ذرعا بضبابية نمط الحكم الجديد، وولوا وجوههم نحو وجهات أخرى مغاضبين، وفاتهم ركوب قطار طمأنة الرئيس الغزواني في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال الستين المجيد: (إنني لمدرك، تماما، لحجم طموحاتكم وتطلعاتكم المشروعة. ولا يزيدني عميق إحساسي باستعجالكم جني ثمار ما نعمل عليه، من إصلاحات وبرامج تنموية، إلا إصرارا على تحقيق ما التزمت به للشعب الموريتاني). واصطدم البعص منهم بواقع إحالة الملف للنيابة العامة بعد أن أوحى إليهم التباطؤ في سيره عدم جدية الإرادة السياسية، وأن ملفات العشرية بيد العدالة ودستورنا ينص على مبدأ الفصل بين السلطات.
هذا إضافة إلى مجموعات سياسة من مختلف التوجهات والمشارب أذعنت بشكل لافت، لأنها تطمح إلى مكاسب حرمت منها لعقود، وحصلت عليها من رئيس يوثق به وعرف بانفتاحه على مختلف الطيف السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لن يشهِّر بهم على غرار ما يفعل الساسة عادة. وأعتبر أنه من المنصف أن يكون للرئيس كامل الحق في إرضائهم ببعض الوظائف، فما دمنا لنا ديموقراطيتنا التي نخيطها على مقاسنا، فلماذا لا نفعل ذلك مع التوزيع العادل للثروة على طريقتنا الخاصة.
3- وما زاد الطين بلة هو تحدي جائحة كوفيد-19، التي يبدو أن أثرها الإعلامي كان أشد فتكا من الفيروس نفسه، لكن الله سلم. وبدأ الوباء ينحسر مع اكتشاف لقاحات جديدة والتنفيذ الاستعجالي لحملات التلقيح على مستوى العالم المتقدم مصدر الفيروس.
إذا نظرنا بتمعن للساحة السياسية فقليل ما هم الذين استطاعوا استشراف ما يدور في خلد ساكن القصر الرمادي، وتساوى في ذلك المتمسكون بالمرجعية والمتربصون لموجات التزلف، وحتى بعض من أعيدت فيهم الثقة بوساطة من المرجعية، أوتماهيا معها إلى حين، أو بقرار اختياري من الرئيس لحاجة في نفس يعقوب.
وتبقى الحالتان الأبرز والمثيرتان للشفقة من بين من أعيدت فيهم الثقة في المأمورية الجارية حالة المختار ولد اجاي، والدي ولد الزين.
فلقد أمسك ولد اجاي بالعصا من المنتصف بطريقة بهلوانية وبرجماتية من أجل الاستمرار في الوظيفة المرموقة والمحافظة على المكانة السياسية بوساطة من الرئيس السابق حسب ما هو متداول، مع الأخذ بعين الاعتبار دعم الرئيس الجديد من باب الاحتياط للحكمة السائرة: (ال منهم اغلب هو صاحبي).
أما الدي ولد الزين الذي خسر مساره المهني بسبب أحجية فشل مشروع السكر التي لم يتم فك رموزها حتى الآن، وخسر ثقة الرئيس السابق في التعيين. ليبقى على دكة البدلاء بقية مأموريته الثانية، فإنه بقدرة قادر وقع الاختيار عليه وزيرا للتنمية الريفية في أول حكومة.
ونجا بأعجوبة من ورطتين أخريين هما: ملف العشرية، لأنه تم استدعاؤه من طرف لجنة التحقيق البرلمانية، ولم تتم إقالته في التعديل الحكومي الذي أطاح برموز العشرية. وقد بلغ قلبه حنجرته آنذاك. لتزامن التعديل الحكومي مع استدعائه من طرف لجنة التحقيق البرلمانية وفساد محصول حملة زراعية كاملة من الأرز؛ وهو المحصول الاستراتيجي للبلد. لكن استدعائه كان بمثابة قرصة أذن لم يستوعبها حتى إحالة ملف العشرية إلى النيابة. تلك الإحالة التي يتضح منها بشكل لا لبس فيه أن ساعة المحاسبة على اختلاس المال العام قد أزفت، فالفساد ملة واحدة، فمن امتثل وجوب قضاء فائتة محاربة الفساد لا شك سيقوم بإحالة ملفات الفساد أثناء مأموريته في الوقت المختار.
لا نشكك هنا معاذ الله في جهود الرئيس من أجل النهوض بالقطاع الزراعي والرعوي والمتمثل من بين أمور كثيرة في إحصاء شامل للثروة الحيوانية لأول مرة وبناء السدود واستصلاح الأراضي الزراعية وتعويض المزارعين ودعمهم بالمليارات من الأوقية.. وحماية المنتوج المحلي من بعض محاصيل الخضروات من المنافسة لأول مرة بتقييد واردات الخضروات أثناء الحصاد.. إلى غير ذلك.
لكن بالرغم من هذا كله يبدو أن الوزير الدي ولد الزين هو وحده من بين أعضاء الحكومة وزير تصريف أعمال مما يوحي بأنه سيعود إلى دكة البدلاء في أقرب تعديل وزاري.
الدي ولد الزين "وزير الوعود" كما تنعته الأوساط الزراعية، والذي لا يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه مع الصلاحيات الواسعة والامكانيات الممنوحة من طرف رئيس الجمهورية للوزراء. وذلك لما يلمسه المترددون على وزارته من عدم الجدية في التعاطي مع أصحاب المظالم ونسبة البطالة المرتفعة بين المهندسين الزراعيين بغض النظر عما جرى من اكتتابات على مستوى المشاريع التابعة للوزارة والتي تتم بالطريقة المعهودة في كواليس الوزارة؛ وهي انتقاء المقربين من أصحاب التخصصات التي لا تمت للزراعة بصلة، بطريقة سمجة وفجة، وظلم وإقصاء الكفاءات الزراعية بحجة أنهم لم يوقعوا سيرهم الذاتية، هذا إضافة إلى عدم ضخ دماء جديدة لخلو بيانات مجلس الوزراء من تعيينات تخص الوزارة، فضلا عن كون الهيكلة الجديدة لم ترى النور حتى الآن.. إلى غير ذلك من بنك للقرض وتأمين زراعي وتمويل شعبة الخضروات والتنمية الحيوانية .. إلخ.
اللهم إلا إذا كان تعيين الوزير الدي ولد الزين برتبة وزير مع وقف التنفيذ اختيار رئاسي لحاجة في نفس يعقوب. لكون الرئيس يعول على القطاع الزراعي والرعوي كمرتكز للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكونها وزارة هرمة يعشعش فيها الفساد ومرتبطة بالإصلاح العقاري ولا يجدي معها سوى تغيير عاصف مع الهيكلة الجديدة المزمعة. وتوفر سيولة معتبرة نتيجة حاجتها لتمويلات ضخمة. وربما يكون ذلك قريبا مع حل مشكلة الدين الخارجي بالإعفاء أو الجدولة بعد أن تعذر الأمل في ذلك نتيجة تأخر تصدير الشحنة الأولى من الغاز إلى سنة 2023 بدلا من 2022، بسبب جائحة كوفيد. عائدات الغاز التي من المتوقع أن تكون بحجم الميزانية السنوية للدولة من العملة الصعبة.
وبما أن كوفيد تسبب في تأخر تصدير الغاز لسنة كاملة فقد كان حجة لالتماس إلغاء الدين الخارجي. وإذا نجحنا في إقناع الممولين بشطبه، فإننا نكون بذلك قد تجاوزنا الخسارة المادية والمعنوية لكوفيد. وذلك على طريقة العمال المصريين في السعودية، فمع إجازتهم السنوية في بلدهم الأم يقومون بجلب مروحتين، لأن الفرق في السعر بين البلدين يقترب من الضعف، ويبيعون إحداهما بسعر الاثنتين في مصر، ليحصل الواحد منهم على مروحة في بيته بتكلفة صفرية، وسنفرح بإلغاء الدين الخارجي فرحا أشد من فرح المصري بإنجاز تلك الصفقة.
في هذا الصدد يمكن الاستفادة من إلغاء صفقة استيراد 120 حاصدة لكونها شابتها بعض "الهفوات الفنية" وذلك بمراجعة صفقات استيراد لقاحات كوفيد وإلغائها بالتزامن مع تكثيف إجراءات الفحص السريع (TDR)، حتى نتمكن من الدخول في موجة ثالثة مزيفة من جائحة كوفيد نحصل بموجبها على تعاطف يدعم حجية إلغاء أوجدولة الدين الخارجي.