لعل أن يكون في رصدنا للتيارات الوطنية في الكتابات الرائعة في المواقع الاخبارية،إفادة للكتاب، والقراء معا، وذلك لتقييم ما كتبه الأولون، وإطلاع الآخرين على معرفة الميول، والدوافع ، وتأثرها بمفاعيل العلاقات المدعومة من الشخصيات الاعتبارية التي تلبس المساحيق في الاوصاف البلاغية في الدعاية الناجحة التي تزدان بها كذلك الآراء الواردة في هذه "العينة" من مقالات الكتاب، والمثقفين، والنشطاء السياسيين الذين سعوا لتنوير( وعي) القراء حول ظواهر المجتمع، ومستجداته من قيم مادية، ومعنوية، أحدثت ــ وتحدث ــ طفرة من المشاكل الاجتماعية التي تزيد من معاناة الموريتانيين: افرادا، وأسرا، ومجتمعا مدنيا، وتضاعف من الاعباء على التدبير العام،،
وتلك المقاربات التحليلية، والحلول آنفة الذكر، قد تساعد القائمين في التدبير العام ــ إذا وصلت الأخبار ــ على فهم المشاكل الاجتماعية المركومة، والعوامل المؤدية لها، وانعكاسها على السلوك العام، والخاص، وعلى الانظمة الاجتماعية التي تواجه التفكك منذ أن خضعت لتأثير الهجرة الداخلية من القرى، والمدن الطاردة، نحو العاصمة نواكشوط، وباقي المدائن الغارقة في مظاهر التخلف العمراني، والعجز عن تصريف مياه الصرف الصحي، و جمع ، ودفن القمامة، أو ترحيلها ـ تهجيرها ـ الى القرى المجاورة، مما يستوجب مواجهة الاولويات من التحديات الداخلية ــ وما أكثرها عدا، واحصاء ــ التي تؤدي الى اختلالات جعلت تجاوزها ، يعد هروبا من المسؤولية، أو تأجيلا متواضعا عليه، كنهج اتباعي اضحى من سماتنا الحضارية المميزة في مجتمعات القرنين العشرين، و الواحد والعشرين.
لذلك علينا التساؤل إزاء مظاهر الواقع و أوجاعها الممضة ،، وما علاقة ما كتب عنها ــ في المواقع الاخبارية ــ بما هي عليه ؟
وهل قراتنا ــ هلامية، مضللة كذلك ــ باعتبارنا باحثين عن "مذهبات" الحلول التي نترجاها برغباتنا المحبطة، وبأمل متفائل، ولكن اخشى ما أخشاه أيكون إدراك الجميع لما يجري في بلادنا هو من صنف استحضار الوعي لدي الانسان قبل لحظة سقوطه من الأعالي على رأي الحكيم /أبن سينا / ،، ؟
وللإجابة الإيحائية على التساؤلات، فإن صحافة المواقع يمكن تقييم كتابتها في خانتين: صحافة المعلومة المعرفية، والبحوث الجادة، ومنها التحقيق حول نشأة التعليم النظامي منذ الثلث الأول من القرن العشرين،، ومقابلها صحافة المواقف، والقيم السياسية ، والاخلاق الانتفاعية التي ترصد سخطها، ورضاها حسب علاقاتها بالشخصيات الاعتبارية، والتشيؤ في هوجاء التجاذبات التي تحشر تفكير اصحابها في الجزئيات من الحوادث اليومية،، وستكون السطور التالية تشخيصا ــ لا انتقادا ــ وذلك لفهم السلوك، وتحديد الرؤى، وتقييم الحلول وفق تصور لا يدعي أن يكون مكتملا حول ما كتب واحد من الكتاب ممن يمتدح الاشخاص، ثم يتراجع، ويعترض عليهم في المقال التالي ،،فكيف باستطاعتنا رسم منحنى الهبوط والصعود في فكر كاتب من هذا النوع،، أحرى مجموعة تعبر عن التيار العام ؟
ومن بينها كتابات قدمت حلولا جزئية، الأمر الذي يشير الى قصور في التصور الناتج من غياب الاطلاع على فكر النتمية، ونماذجها التطبيقية الناجحة نسبيا في العالم الثالث، واستطاعت معظم الاقطارالعربية، والإفريقية الوصول الى مستويات متقدمة في مأسسة مشاريع التنمية المستدامة استنادا الى مأسستها للمنشآت الصحية، والتربوية، وأستصلاح الاراضي الزواعية، ومشاريع البنية التحتية ، وهي عوامل انعكست في مجالات الصحة، والتعليم، والتخطيط الحضري، وتطويرمشاريع البنية التحتية، والإصلاح الزراعي، بينما في المقابل رصد الباحثون في التقارير الدولية المتعلقة بالتنمية في بلادنا، فشل المسكنات الجزئية التي تفاقم المشاكل، والعجز جراء عطالة التدبير الذي كان يهمل البدء بالتخطيط ــ على مراحل ــ للتنمية الاجتماعية، والإدارية، والاقتصادية، والتعليمية، والثقافية، كما اهمل الشروع في تقديم الحلول في اتجاهين : أفقي، وعمودي، حيث لم يصل الى مستوى الحد الادنى الذي يستحق أن يوصف ب" الوصفات المهدئة " التي ساعد ت فقط على قتل الوقت، وهو ما دأبت عليه أنظمة الحكم في بلادنا منذ نشأة نظام الحكم السياسي قبل ستين عاما، ولم يكن من حل عملي استطعناه بكفاءة سوى اجهاض دور تنامي الوعي السياسي في الشارع المغلق بدوائر الفساد في مجتمع " تكيف"، تواضع على الحيف الاجتماعي الذي توارثته الأنظمة اللاحقة عن بعضها قبل ان ترتدي لباس الانظمة الشرعية التي استخلفت بقيادة الرؤساء الوطنيين عبر الاقتراع الحر، و"التعهد" بإزالة مسوخ الحياة البائسة،، واعراضها البادية على الحياة اليومية للمواطن، ومستوى التحضر في وطننا العزيز.
ومن الكتابات ما يمكن اعتباره من صنف "ثالثة الأثافي" نظرا للمراوحة فيها بين الإيحاء بما توحي به من هاجس وطني، دفع الكاتب لولوج الكتابة ، لكن من أجل مآرب أخرى، و الممعن في الفكرة التي تختبئ في ظلال الأسلوب البلاغي، سيلاحظ أن الكاتب لايعدو كونه يعلن عن نفسه ككاتب مؤثر برأيه الذي يتصدر المواقع، الأمر الذي ساعده على مغازلة القائمين على التدبير العام، وذلك بهدف استمالته إلى جانتهم، كصوت اعلامي،،وهنا تختفي الميول، والنزعات الوطنية من دون شك في الكتابة التي تتحاشى المطالبة بتحسين الأداء للحد من ظواهر البؤس الاجتماعي ،،
وهناك تجاهل مريب لبعض الأحداث الوطنية، وكأن الكتابة عنها تشكل تجاوزا للخطوط الحمراء في حين أن موريتانيا تشهد حرية في التعبير تحسد عليها في عهد محمد ولد الشيخ الغزواني، لكن ما المانع من تحديد موقف من تلك الأحداث الوطنية، وتغييب التحليل الاستراتيجي، فما مصدره اذا لم يكن الخيانة الصغرى ، وليس محدودية الوعي السياسي ، أو العجز عن التحليل اطلاقا ؟
وكمثال على تغيب التحليل الاستراتيجي للموضوعات التي يتعلق بها مصير موريتانيا ، وعلاقتها بمجموعة دول الساحل، والتحالف المشبوه مع الدوائر الامبريالية، وخاصة فرنسا التي لاتريد أن يكون في الوطن العربي ، وافريقيا دولا مستقلة عن نفوذها ،، لذلك نسأل معشر الكتاب في المواقع الاخبارية ، وغيرها ،، أين الأقلام الحرة التي أدمن اصحابها على الكتابة عن الأحداث اليومية، حتى إعتقد المواطن أنهم يمثلون بحق " مرآة للصحافة الحرة" التي تعبرعن الرأي العام ، أو على الأقل آراء جمهور القراء؟
ولماذا لا تحلل ظاهرة الأحلاف العسكرية مع الغرب الامبريالي، ودور تلك الاحلاف في العجز عن إحلال السلام للدول الواقعة في الحرب الاهلية التي تجابه بجيوش نظامية مستجلبة من الغرب لا علاقة لها بالمجتمع، وثواره، أو متمرديه في حرب العصابات،،؟ثم لماذا نقيم النتائج غير المشجعة ــ المدمرة احيانا ــ للدول التي ساندت الجيوش الغربية في تلك الحروب ، ومثال على ذلك تجربة " باكستان" في الحرب في افغانستان،،فهل موريتانيا، ينتظرها ــ لاقدر الله ــ ما حصل في " باكستان" من تفجيرات بعد أن جرتها أمريكا الى حرب لاناقة، او جمل لها فيها؟
أما الموضوع الثاني الذي لقي تغطية محدودة في مقالين واحد منهما لصحفي متمرس، حذر من جريمة " التطبيع" مع الكيان الصهيوني، والمقال الثاني لواحد من الهوات المتذبذبين بين الاخلاص لفلان ، او مغازلة غيره ممن لهم حضور على مسرح السياسة الموريتانية.
لقد كان ــ ولازال ــ المطلوب من الصحافة الوطنية، أن تناقش خطورة "التطبيع" مع الكيان الصهيون على الوحدة الوطنية لمجتمعنا، لأن العلاقات السياسية مع الكيان المحتل لفلسطين والقدس الشريف،، تفتح مجالا لتخريب الموساد الاسرائيلي للأقطار العربية والافريقية عبر تأجيج الصراعات الاثنية، وتقسيم الأوطان على أساس الاقليات، والطوائف،، كما فعل في السودان، ويسعى في العراق،،علاوة على تأليب دول الجوار على بعضها البعض، كما يفعل الآن بين " اثيوبيا" والسودان ومصر،،
ولهذه المخاطر جميعا، كان الواجب يفرض على الكتاب في المواقع، وغيرها أن يعبروا عن خطورة " التطبيع"، وأن يستحضروا الدور الإجرامي الذي قام به جواسيس السفارة الصهيونية في نواكشوط من العمل على التفرقة بين سكان الضفة الموريتانية، وبين مجتمعهم الموريتاني،، وأتذكر أن أحد الزملاء ممن كان في موقع أمني حساس قال لي يومها أن الأمن الموريتاني، رصد اختراقا أمنيا يقوم به عناصر " الموساد "،، وبعد فترة قريبة اعلنت الصحافة الفرنسية بالصور عن علاقة بعض النشطاء السياسيين الموريتانيين بالسفير الصهيوني في " داكار" عاصمة السينغال،،
فهل ما ذكرنا من العوامل التحذيرية، سيقنع النظام الوطني في موريتانيا لإبعاد أي شكل من اشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني مهما " طبع " معه من حكام العرب الذين اسقط هذا " التطبيع" الخياني آخر ورقة من أوراق التوت التي كانوا يخفون بها عورات الانظمة العربية المتخلفة سياسيا، والتابعة للمحتل على غرار ما قرئ في التاريخ عن تبعية " ابن عباد" للفونسو السادس؟ ( يتبع)