لا شك أن كلمة الإصلاح بعد سماعها لفعالية الحفل الذي اختتم به مجلس السماع لصحيح البخاري واستلام المستمعين لإجازة السماع- أصابتها غيرة إيمانية علمية قل أن يوجد نظيرها غيرة بين البشر.
فلقد استمعت إلي الفعاليات التي ختم بها العلامة المحدث سيدي يحي ولد الطالب عثمان وهو يضع لمساته الأخيرة لتلك الإجازات النادرة حقا في بلدنا من قبل.
وقد تتابع العلماء المستفيدين من ذلك السماع علي المنصة بدءا من الأخ أبو بكر ولد أحمد واختتم الحفل بتدخل من الأخ محمد المختار ولد امبالل ولا تسأل عن حسن تلك التدخلات وطولهن وعمقهن وإيفائها بالموضوع حتى يظن السامع أن المتدخلين جميعا سواء من بدأ منهم ومن ختم التدخلات وما بين ذلك من المتدخلين – الجميع أفهم كل سامع أنه أهل للوصف الذي ينعته به المواطنون من العلم، فهنيئا لهم من هذه الناحية الإيجابية، وبارك في علمهم وأثمره علي جميع الوطن لينتفع به الجميع دنيا وأخرى.
ومنها أود أن أقول لهؤلاء العلماء أن مجالسهم هذه أشارت إلي بكثير من الاستفهامات تتعلق بحقيقة الإسلام وهي : ما هو المطلوب من كل إنسان قبل الموت؟ وما هي نتيجة ذلك بعد الموت؟ {{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون }}.
فمن المعلوم أن كلما استمعنا إليه من المجالس سواء في صحيح البخاري أو موطأ مالك هو عبارة عن إبلاغ النبي صلي الله عليه وسلم لرسالته كما أمره الله بها في قوله تعالي : {{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}}، بمعني أن ما في البخاري والموطأ هو نفسه الذي في القرآن مبينا للعلماء ليبينوا هم بدورهم للناس كما قال تعالي : {{ ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف}} إلي آخر الآية، وقوله صلي الله عليه وسلم : (( نضر الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها)) إلي آخر الحديث، ولا نتيجة للتبليغ غير العمل بما فيه.
ومعلوم أن ما هو مطلوب من الجميع هو العمل بما في جميع القرآن وما في الحديث ومن هنا يرد هذا السؤال : هل يكفي العلماء للنجاة في الاخرة أن يستوعبوا كل الآيات القرآنية والأحاديث الصحيح بدون أن يُرى أثر ذلك في المجتمع من تطبيق لأحكام الله والنصح المتكرر لولي الأمر بذلك إلي آخره.
فمن استمع إلي ما دار في ذلك الاجتماع وفي قلبه أن أي إنسان لا يمكنه أن يرتاح إلا إذا رأي نفسه قد تزحزت عن النار وأدخل الجنة، فالله هنا قد استعمل كلمة "من " ويستوي فيها العالم والأمي، فمن قدم إلي الآخرة علي جناحي الرجاء والخوف قبل الاحتضار فلا شك أن رجاءه التزحزح عن النار إذا عمل بمقتضاه في الدنيا يكون واردا، بخلاف من سكت عن ما يجب عليه إبلاغه لغيره للعمل به، ولا شك أنه بعد قراءة هذه الفقرات أعلاه سيقال كيف يوجه هذا الكلام لهذه الكوكبة من العلماء التي هي وحدها تقريبا المعروفة لدي الساحة تبث العلوم الصحيحة من بين يديها ومن خلفها علي المواطنين؟
وهنا أدعو بكل الخير لمن قدم لنا هذا الاستفهام الذي هو شبه إنكاري، لنقول له إننا نتكلم عن الإنسان بعد موته وليس عن ما تقوله الناس عنه وهو حي، ولا ما تقوله لمن مات وهي لا تعرف عن ما هو فيه بعد موته إلا كما تعرف عن غدها قبل أن ينتهي، فالله بين في كتابه أن بعض الناس يتوفاه الله طيبا وبعضهم يتوفاه ظالما لنفسه ولا ثالثا لهما، ومعيار ذلك قوله تعالي : {{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا}} والاستقامة تتحقق حسب عطاء الله لكل شخص، والله يقول لنبيه المعصوم {{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}} ولا فرق في الأمر هنا بين العالم والأمي، وبناء علي ذلك فلنعرج إلي ما يكون به الإنسان مستقيما سواء كان رئيسا أو وزيرا أو عالما أو أميا إلي آخره، الجميع تتناوله كلمة الإسم الموصول {{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}}، فالرئيس عنده استقامة خاصة وهي التي يخاطبه بها القرآن بوصفه نائبا عن النبي صلي الله عليه وسلم بقوله تعالي : {{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}} إلي آخر الآية، والعالم مخاطب بتبيين الأحكام للرئيس وغيره حتى يتبين لهم أنه الحق، فالله يخاطب العلماء بقوله : {{ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}}.
وهذا الاستدلال هو مجرد إثارة للموضوع في قضية تطبيق أحكام الله علي عباد الله، بمعني أننا نسأل العلماء هل بعد حضور الرؤساء أمام الله يكفيهم من تجنب الأسوء عند الله ما يفعلونه اليوم من اسلام القول والبحث عن إحياء الشعائر الإسلامية دون تطبيق حكم الله علي عباده، فمثلا نحن توفى منا الآن 5 رؤساء وبقي أربعة ينتظرون الموت، وتوفي منا كثير من العلماء وليس في علمي أنه تحرك في الموضوع إلا ما تحرك به العلماء في زمن هيدالة حتى أنني سمعت في الأيام الماضية عن لقاء هيئة العلماء مع رئيس الدولة الحالي، ولكن لم يطلبوا منه ولم يلتزم لهم هو إلا بحاجاتهم قبل الموت، أما ما ينفع بعد الموت فهم لم يطلبوه وهو لم يلتزم به، والحذر لما بعد الموت هو نتيجة العلم كما تعالي : {{ إنما يخشى الله من عباده العلماء}}، فهل الرؤساء المسؤولون عن تطبيق الأحكام والعلماء المبينون لها، سوف يتزحزحون عن النار ويدخلون الجنة بحفظهم للنصوص فقط؟ والله يقول في بعض آياته في الأحكام : {{ سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها ءايات بينات لعلكم تذكرون}} إلي آخره، ففرضناها علي من؟ علي السلطة الإسلامية للتنفيذ والعلماء للتبيين.
فلهجة العلماء التي سمعنا في مجالس الحديث يفهم منها أنهم مكتفون في قضية تطبيق الأحكام بالسكوت المطبق، وكلهم يذهب إلي منزله بعد عمله وكأنه لا تبعية تلاحقه بهذا السكوت بسبب علمه ـــــــــــ وهذا هو مربط الفرس في هذا المقال، وهو الفتوى الواضح هل يفهم من القرآن والحديث أن لا تبعية علي الرؤساء علي حكهم بغير ما أنزل الله، وهل سكوت العلماء يكونون معه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ؟ ومن هنا أنبه الجميع أن الدول الإسلامية بما فيها موريتانيا أصبحت تنعت نفسها في حكمها بأنها دولة مدنية طبقا للتحول إلي ما يسمي بالديمقراطية بمعني أنها مسؤولة عن تطبيق أحكام الدولة المدنية، وليست مسؤولة عن تطبيق ما جاء في تعاليم الإسلام، ومعلوم أن الله لم يأذن لأي مسلم أن يحكم إلا بما جاء في القرآن، وأن الديمقراطية والحكم المدني لا ينسخان أحكام الشريعة وتبعية ذلك سوف ترى بعد الوقوف بين يدي الله، ومن سلبيات هذا الاتجاه أن الرؤساء لم يسمح لهم في الدولة المدنية إلا بحكم عشرة سنين فقط ليعودا مواطنين عاديين وليحق لهم القول فيما بينهم وبين الله في قوله تعالي : {{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة }} إلي آخر الآية.
ومن المصائب التي أصيبت بها موريتانيا في هذه الدولة المدنية أن حزبا واحدا كان ينعت بالإسلامية لمطالبته أصلا بتطبيق الإسلام، والآن تخلص تماما علي الدولة المدنية خارج تطبيق الشريعة الإسلامية، اللهم إلا إذا كان تطبيقا خاصا بنفس كل فرد منهم، ومعلوم أن هذا ليست هي روح الإسلام تماما، فالإسلام لا يقبل التجزئة كما فعل بنو إسرائيل في قوله تعالي : {{ ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض}}، فرئيس الدولة ورئيس الحزب في الشأن العام للإسلام متساويان بعد الموت، فذلك لم يطبق، وهذا لم يأمر.
والخلاصة أن الحديث يقول : إن الجنازة إذا حملت إلي المقابر - سواء كانت جنازة رئيس أو عالم يحفظ جميع النصوص أو عامل يدوي - فإن كانت صالحة قالت قدموني وإلا قالت يا ويلتها أين يذهبون بها، وبذلك أصبحت المعادلة لتطبيق حدود الله بين علماء صامتين عن أمر الله بذلك، ورؤساء لا يفكرون فيه، وما يسمى بالمتطرفين أو الجهاديين الذين يتقربون إلي الله بقتل الأبرياء المسلمين ويحسبون أن قتلاهم شهداء عند الله، والآية الأقرب في فعلهم هي آية الحرابة إلا إذا تابوا من قبل القدرة عليهم، بمعني أن الرؤساء والعلماء والآخرين ينتظرون فعل الله فيهم بعد موتهم مباشرة، وهم ذاهبون إلي المصير الأبدي، أما ذكر المواطنين للمآثر الدنيوية لكل من مات قائلين : {{ يا أيتها النفس المطمئنة }} إلي آخر الآية، فهم لا يعرفون وصف النفس المطمئنة عند الله كيف كانت في الدنيا والله يقول : {{ لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}}.