منذ استعادة المشعل الأولمبي من اليونانيين، وانطلاق الألعاب الأولمبية من جديد في فرنسا على يد Combertin مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة، تبين للعالم أن المناسبة الأولمبية فرصة كبيرة ومثيرة للتعريف بالدول، وأن مشاركة الدولة بعداء واحد ولو كان آخر من يصل إلى نقطة النهاية أفضل من ثلاثين سنة من دبلوماسية حقيبة تكاليفها باهظة وبروتكولاتها معقدة، حذرة أكثر من اللازم، تطغى عليها قواعد مجاملة ومداراة بعيدة كل البعد عن منطق المباشرة الرياضة في تسجيل هدف النصر، وإشاعة التعارف عبر شاشات صغيرة تعج منصاتها بالمشاهدين والمشجعين في جميع دول العالم، حتى تلك التي لم تعرف اسم الدولة الفائزة أو المنظمة أو المشاركة من قبل؛ و التي لم تصلها بعثة دبلوماسية قط للتعريف ببلدانها.
لقد أكدت الدبلوماسية الرياضية ولا زالت، قدرتها على نشر ثقافة السلم الدولي وبناء العلاقات الودية بين الشعوب بحياد مطلق ومسافة واحدة بين الأمم المتنازعة، مما مكنها من دخول كل بيت، وكل قلب، وكل اقتصاد ببطولاتها وألعابها وصناعاتها للاعبين والمدربين والحكام والمنشآت والماركات ومراكز التكوين والتأهيل ومنتزهات الترفيه والسياحة، فجلبت العامة والساسة ورجال الأعمال إلى استثمار وتمويل مجالاتها. فكانت خير وسيلة للقضاء على البطالة ورفع نسب الدخل القومي وإشاعة الثقافة الصحية والانسجام الاجتماعي والتسامح، و تعزيز الاستقرار وتوطيد اللحمة الاجتماعية وزيادة انتاجية الفرد والمجتمع.
إن فهم قيادتنا لنجاعة هذه الدبلوماسية وما تتيحه من فرص وإمكانات مادية ومالية وسياسية وسياحية للتعريف بمقدرات البلاد في لقطة تعرض على شاشة صغيرة، هو ما جعلها تجند بعض وزرائها في خوض غمار حملة شرسة للظفر برئاسة الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم، والتطلع إلى وضع أبنائها حيث يجب أن يكونوا ليسهموا من الباب الواسع في تطوير منظومتنا الرياضية والارتقاء بها إلى مصاف الأمم المهيمنة على منصات التتويج.
كما أن استيعابها لدرس تنظيم البطولة الإفريقية للشباب، وإدراكها لجسامة ما انجز داخليا (فرص تشغيل وخدمات والسياحة و اكتساب لخبرات جمة في التنظيم والإدارة والتيسير .... إلخ) ، وما تحقق خارجيا من نسج علاقات دولية رياضية فاعلة مبنية على الندية والاحترام أنتجت مناصب مهمة في اتحادين دوليين( النائب الثاني لرئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم السيد أحمد ولد يحي وممثل الاتحاد الأفريقي للدرجات الهوائية لدى الاتحاد الدولي للعبة السيد عبد الرحمن ولد عثمان رئيس اللجنة الأولمبية الرياضية الموريتانية ورئيس الاتحادية الوطنية للدراجات الهوائية والسيدة السالم أعمر شين عضوا في المكتب التنفيذي في الاتحاد الأفريقي للدرجات الهوائية )؛ مدخلات مهمة لدى صانع القرار الرياضي لتفعيل كل ما من شأنه أن يساهم في تقديم معالجات حقيقية لكل الاختلالات وصهر الكل في بوتقة البناء بعيدا عن إقصاء وتهميش الكفاءات الوطنية التي كان لها فضل تكوين وبناء وتشيد الصرح الرياضي الذي بفضله وصلت رياضتنا إلى هذه المكانة الرياضية المشهودة بتزكية الاتحادات الرياضية الدولية.
المسعى الذي يسلكه معالي وزير التشغيل والشباب والرياضة السيد الطالب ولد سيد أحمد في تفعيل الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، والتي بالمناسبة قديمة قدم محاولات تطوير القطاع، حيث تم تحيينها وتفعيلها مع الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة والترفيه 2011-2015 هو مسعى يذكر ويشكر وطال انتظاره. فنحن في أمس الحاجة إلى الاطلاع على تجارب الآخرين والأخذ منهم ما يلاءم ويطور ويحقق أهدافنا الاستراتيجية، لكنه لن يؤتي أكله إذا لم تنسد مهمة متابعته لأهل الاختصاص والدراية بالمجال.
مجالات التعاون الخارجي ليست هي المدماك الوحيد لحل مشاكل وتعويض النقص في القطاع، وإنما الحلول الداخلية الواعية بخفايا المسكوت عنه (صراع اللوبيات الداخلية والخارجية الذي يدعي الوصاية على القطاع ويعيق كل وزير) أولى بالعناية والاهتمام لأن الحلول الناجعة تأتي من الداخل، وللقطاع فائض من الكفاءات لا يزال غائبا أو مغيبا عن مسيرة الإصلاح التي ننشدها جميعا، كما لا يعقل أن يتنازل القطاع عن ما يملك لمن لا يستحق من الفاعلين والسياسيين الباحثين عن مظان الكسب والترزق.
الحراك الذي يقوم به القطاع اليوم برآسة معالي الوزير حري بالتقدير، فحضوره القوي في أروقة البطولة واطلاعه على أدق التفاصيل لا شك سيزود المهتمين من باحثين واقتصاديين ومقيمين للسياسات القطاعية الحكومية بتقرير مفصل يبين مجالات استفادة الدولة من هذه البطولة اقتصاديا واجتماعيا بمؤشرات علمية وارقام احصائية غير قابلة للطعن.
التقرير الذي ينتظره الكل، نتائجه هي المحدد لاهتمام وعناية الدولة لاحتضان تنظيم بطولات وألعاب في المستقبل.
لقد كسبنا معركة الرهان الأمني بفضل خطة ناجعة، و اكتسبنا طرق وأساليب التنظيم بالتعاون مع المشرفين الدوليين من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم واتحاد كرة القدم الموريتانية، وينبغي ألا نخسر معركة الرهان الاقتصادي الذي هو وسيلة وغاية تنظيم البطولة ( التقرير سيكشف عن ذلك).
وعليه، و حتى لا تظل سياساتنا التطويرية للمنشآت الرياضية، صيحة في واد أو نفخة في رماد، علينا أن نرفع التحدي الاقتصادي والمالي الذي تفرضه المنشآت الرياضية بعد انتهاء كل بطولة أو ألعاب وذلك بتحديد من يسريها ؛ و من يمول صيانتها ويدفع لعمالها ويشرف على أنشطتها صونا للمال العام من صولات المفسدين وعاديات الزمن.