بونتي Bounty ثقافة المجتمع المادِّي (1) / أحمد سالم عابدين

قطعة شوكولا تُغَيِّرُ ثقافةَ مجتمع

1ـ تم استيراد النوع المسمى بونتي Bounty سنوات التسعينات، على الأغلب من طرف البقالة المعروفة في منطقة كرفور باسم بقالة "مانويلا" المسماة بدورها على بطلة مسلسل مكسيكي، قبل أن تتحول إلى مجمع معروف ويتغير اسمها.

هناك قول آخر يقول إنه تم استيراد القطعة أول مرة من طرف بعض المجمعات في تفرغ زينة. لكننا نميل إلى القول الأول أو على الأقل يمكننا القول إن القطعة لم تشتهر إلا بدخولها الأحياء الفقيرة التي كانت تمثل بالنسبة لها قطعة شوكولا هدية معتبرة لا سيما في أيام العرس.

إنَّ وجود نقطة غنى في وسطٍ فقيرٍ يمكن أن يُغَيِّرَ الكثير في هذا الوسط، خاصة إذا كانت ثقافته مادية.

2ـ مع مرور الزمن تحولت "بونتي" من مجرد قطعة شوكولا معروضة في إحدى الثلاجات إلى إحدى أهم الأعراف الاجتماعية الحديثة. لقد تحول اسم "بونتي" من "المادة" إلى الرمز، من قطعة شوكولا إلى رمزٍ ثقافي وعادة اجتماعية تزداد ترسخا مع الأيام. إنه ثباتُ الاسمِ وانزياح الدلالة.

3ـ إنَّ ما حَدَثَ هو إضفاء قيمة مادية أيضا على بونتي حيث بَقِيَ الاسم ليشير بعد ذلك إلى الأغراض التي على العريس أن يحسب لها ألف حساب، تماما كالصداق والحنّاء وتجهيز العروس... إلخ. لقد أصبحت "بونتي" تُعَبِّرُ عن كل ما "خَفَّ وَزْنُهُ وغلى ثمنه"، انطلاقا من بطاقات تزويد الرصيد إلى النقود، إلى الهواتف الثمينة، إلى أساور الذهب والفضة...

4ـ لقد أصبح الذي يتجاهل إعطاء "بونتي" مُعَرَّضاً للذم الاجتماعي والوقوع في عرضه، ونحن نعرف ضرورة وجوب الحفاظ على العرض في مجتمعنا، بل إن الأمر قد يصل إلى طلب الطلاق على اعتبار أنَّ عدم تقديم "بونتي" هو علامة احتقار للمرأة أو صديقاتها.

5ـ بما أننا شعب "المظاهر" فلم نكتفي بذلك القدر، لقد انتقل الصندوق الذي تحمل فيه "بونتي" من مجرد كيس بلاستيكي يعطيه البائع مجانا إلى سلة تساوي آلاف الأوقية، ولقد سَمَّيْنا هذا الصندوق "كُورْبَيْ" وأحيانا نسميه "بوكس" في تخبطٍ لغوي بين الإنجليزية والفرنسية، ولعل كلمة "كوربي" بوصفها "سَلَّة المهملات" ذات دلالة مهمة يُقْصَدُ من خلالها تقزيم قيمة "بونتي" تماماً كما نقول عندما نسمي في ثقافتنا الشعبية الهدايا التي يقدمها الزوج ب"أُوسَخْ الرَّاصْ (وسخ الرأس).

6ـ إنَّ وَقْعَ اسم القطعة "بونتي "سَهْلَ الاستساغة في اللهجة الحسانية وذلك ما زاد من قوة تقبل المجتمع لها، ذلك أنَّ طريقة نطق كلمة ما تؤثر على مدى قبول تبنيها من طرف ثقافة وإدخالها في منظومتها المركزية.

خِتاما:

ـ إنَّ أضعفَ المجتمعات هي التي يتم اختراقُ نَواتِها الثقافية دون مقاومة.

ـ بعد أنْ كانت "بونتي" مجرد قطعة شوكولا لا يتجاوز سعرها الخمسين أوقية أصبحت اليوم تصل أحيانا إلى عدة ملايين، ليس فقط بالنسبة للطبقة الثرية بل حتى بالنسبة للفقراء، فلقد أصبح بعضهم يتكلف كل راتبه أو كل ربحه ليشتري "بونتي".

 

 

22. مارس 2021 - 15:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا