التعليم هو الأساس المكين والخطوة الصحيحة الأولى لأي تنمية بشرية يراد لها النجاح.
والعلم هو القنطرة الوطيئة التي عبرت عليها شعوب الأرض المتقدمة إلى بر الأمان التنموي .
وكان الأولى بنا كأمة إسلام أن نتصدر تلك الشعوب في مزايا التعليم والعلم بحكم كوننا الأمة التي كانت أول آية نزلت من كتابها المقدس على قلب رسولها الخاتم :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ فهذه الآيات الخمس على إيجازها شملت من الأوامر والإرشادات والقرائن والايحاءات ما يكرس حقيقة أن العلم هو ملاك أمر الحياة وبمقدار الحظ منه يكون حظ الأمة أو الفرد من السعادة والتقدم أو البؤس والشقاء .
ويوم أن أخذت أمتنا بأسبابه ضربت المثل الأعلى في التقدم والرخاء في ظرف زمني قياسي فعمرت الأرض وأقامت العدل وأسعدت الإنسان وتسنمت ذرى حضارات المعمورة كلها فأنصفت المظلوم واحتضنت المشرد وواست المعوز واتسع صدرها لكل ما هو نبيل؛ وما إن اهتز الحبل في أيدي الخلف حتى نكب الطريق وفقد البوصلة فضاعت المبادرة من يده وبات فريسة سائغة لكل من هب ودب .
ذاك ما آل إليه حال الأمة العربية والإسلامية في حقبة ما عرف تاريخيا بعصور الضعف والانحطاط حتى افترسها الاستعمار الصهيو صليبي وأطاح بالخلافة العثمانية فانفرط عقد ما كان ملتـئما وما لم يلتهمه الغرب كان من نصيب الاستعمار الشيوعي السوفيتي .
أمعن الاستعمار في تقطيع وتمزيق أوصال الأمة من خلال العمل على قاعدة فرق تسد فقسم البلاد العربية وحدها إلى نيف وعشرين كيانا فيما عرف باتفاقية سايسبيكو بل قسم بلاد الإسلام جميعها إلى نيف وخمسين كيانا؛ أقبل في الجميع وأدبر وأتـلف ونهب وسرق ونكل واضطهد .
لكن جذوة الإيمان المتجذرة في وجدان الأمة ظلت حية حصنا حصينا لثوابتها ؛ وعامل إزعاج وتحد لمستعمر حاقد كان يظن أنه حيد فريسته إلى الأبد فإذا بها تنتفض وتثور .
فكر في تغيير إستراتجيته فمنح مستعمراته استقلالا مغشوشا ما وسعه الغش حيث حاول بشتى السبل أن يترك لكل مستعمراته من الترائك ويدس لها من الدسائس ما يجعلها في حالة افتقار دائم إليه وأن يظل قادرا على ابتزازها متى شاء وكيف شاء، وأن يجد له فيها عملاء ووكلاء دائمين إن لم يكونوا حكاما فرجال دولة من الصف الأول ؛ وهذا ما يفسر حالة عدم الاستقرار المزمنة المستشرية في دول المنطقة عموما .
فهي حالة مدبرة الأسباب مهما تعددت مظاهرها وتباينت مستوياتها ، فإلى متى نرضى بالإقامة على هذا الواقع الفج ضحية عدوان مبيت؟ وهل من سبيل إلى وضع حد لمخلفاته وفضح أذياله ؛ لعل أفضل السبل وأيسرهاوأكثرها فعالية إلى رفع هذا التحدي هو سبيل العلم ؛ والعلم أولا وأخيرا .
فالعـلم وحده يبقي أنجع وسيلة لاكتشاف مقومات الذات وفهم الآخرخصما كان أم صديقا وتجاوز الفوارق الخلافية بين مكونات الأمة الواحدة وتعانق الأرواح وصحوة الضمائر واتحاد السواعد في مواجهة العقبات وتسيير المتناقضات وتفجير المواهب واتساع مدارك العقول لتوظيف القدرات وتنسيق الجهود سعيا إلى إدراك الأهداف مهما ارتفع سقفها وعلا شأنها .
ذاك ما حقق به سلفنا غابر مجده وبالعودة إليه نستطيع نحن إدراك ما فاتـنا، فلنا من دين الفطرة وسوابق التاريخ وشواهد الحاضر والأمل في مستقبل مشرق ما يشد من أزرنا ويقوي من عزائمنا ويمنحنا الثـقة بأن النصر آت متى أخذنا بالأسباب
﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾.
نحن مدعوون إذن أفرادا وجماعة وسلطة إلى التمكين للعلم في حياتنا والإعلاء من شأنه لعل وعسى أن يرتقي بنا إلى ما نـنشده من تطور ونماء ، فمن جد وجد ومن زرع حصد فبالإرادة القوية والعزيمة الصارمة والتصميم الفعال يتحقق بيسر ما كان يظن بعيد المنال.
دعونا نذكر في هذا المقام بمقولتين خالدتين لزعيمين معاصرين خالدين خلدهما حسن أدائهما في تربية وتعليم وترقية شعبيهما وتنميته بلديهما:
((أهم درس تعلمته من تجربتي في الحكم، أن مشاكل الدول لا تنتهي لكن علاجها جميعا يبدأ بالتعليم)) مهاتير محمد.
((أنا لم أقم بمعجزة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم و غيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سينغافورا، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلا يحب العلم و الأخلاق بعد أن كنا شعبا يشتم بعضه بعضا في الشوارع)) لي اكوان.
ويقول المثل العربي الرائد لا يكذب أهله.