فرنسا أولا و أخيرا / الولي ولد سيدي هيبه

حتى و إن كانت محاربة الحركات الظلامية التكفيرية  وتلك التي تشكل غطاء للاتجار بالمخدرات والأسلحة و التهريب و أخرى تعددت أسماؤها إلا أنها من نفس الطينة و متسمة مثلها بصفة بالتسلح و الإرهاب، هي من باب المحاربة الحتمية بل و الواجبة شرعا و عرفا على الدول المتضررة

 من وجودها فوق أديمها، لما يشكله ذلك الخرق من تهديد خطير على الأمن و السلم، فإن ذلك لا يعطي مطلقا وتحت أية ذريعة و بأية مصوغات أو تبريرات أو لأي سبب من الأسباب أو عذر من الأعذار، قوة أجنبية أيا كانت حق تنصيب نقسها مدافعا أو وكيلا عن البلدان المعنية و حتى تمعن في حرق الأخضر واليابس، مهما أفصح عنه قادة هذه البلدان المعنية من ضعف الإرادة و عجز عن اتخاذ المبادرات الصارمة و غياب قوة الحسم لديها.
في دولة مالي ركبت، منذ فترة، الحركات الإسلامية "الحلم الطوباوي" لبعض المواطنين الماليين المفتقدين للعدالة في دولتهم، و استطاعت أن تلحق بالجيش المالي ـ الجسور على مواطنيه و الخائر القوى أمام أعدائه ـ هزيمة لم يسبق لها مثيل و أن تتمكن خلال حرب خاطفة من فصل الشمال عن باقي البلاد حيث فرضت على أهله المسلمين جميعهم و المنكوبين أصلا بفعل التهميش و جفاف مزمن، قوانين ظلامية، قاسية، جامدة و متخلفة، عازية إياها جورا إلى دين الإسلام الحنيف الذي يحظى في كل أصقاع المعمورة بالتقدير و الاحترام لما يتسم به من تسامح وعدل و إنصاف و بعد عن الإكراه.
أمام العجز الضعف الذين ظهر بهما للجيش المالي في حربهم مع هذه الحركات التكفيرية و حركات تمرد الطوارق ـ و تملك جميعها ترسانة كبيرة من الأسلحة كدستهاعلى إثر تهاوي ثم سقوط أركان جماهيرية العقيد معمر القذافي ـ  و استحالة استعادته بالمرة وحدة البلاد، و في ظل قيام مجلس عسكري تولى زمام البلد على إثر الإطاحة الغير المتوقعة بالنظام المدني، استغاثت حكومة مالي أو على الأقل ما كان يبدو منها مخولا على استحياء بالاتحاد الأفريقي، و بصوت عال  بفرنسا، المستعمر السابق للدولة و عرابها في الفرانكوفونية.  ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لم يحدث منذ أن انجلت حقبة الاستعمار في مطلع الستينات لم أن تسع فرنسا يوما إلى تخفيض نفوذها على مستعمراتها السابقة، الأمر الذي إذا ما تم تحليله بموضوعية يكشف النقاب بوضوح عن علامات بارزة من الهيمنة و الغطرسة تذكر بما كان عليه الحال تماما أيام الحقبة الاستعمارية.
أما فرنسا التي ما زالت إمبريالية في الصميم و لا تعبأ أو تكترث كثيرا بأرواح "الغرباء" من غير البيض، فإنها لا تترد في استخدام قوة طيران جيشها العاتية الذي لم يستطع مع ذلك الصمود بداية الحرب العالمية في وجه تقدم جيوش "الريخ النازية" التي ركعته في أقل من أسبوع. و للأمانة التاريخية فإن هؤلاء "الغرباء" هم الذين أعادوا بفضل شجاعتهم الاعتبار لهذا الجيش الذي كان من المفروض أن يستخلص من ذلك درس التحول إلى جيش عتيد و مثالي ينشر السلام و يحافظ عليه.
أو ليست فرنسا هي من طبلت و هيأت الظروف  للحرب على ليبيا ثم أقدمت بجرأة لامست الوقاحة وفي خطوة عجزت عن مثلها حتى أمريكا و بريطانيا، فشنتها ضروسا و لا أخلاقية على الشعب الليبي فصبتٍ فوق أرضه و على هامات شعبه حمما من الجحيم. أو ليست فرنسا هي من يدق منذ عام كذلك طبول حرب مماثلة على سوريا الممزقة.
و في خطوة متقدمة على قرارات الأمم المتحدة، تقوم منذ أيام طائرات فرنسا الحربية، العالية التطور تقنيا، بهجمة شرسة منقطعة النظير معطية خلالها سكان الشمال فرصة الاصطلاء بنيران صواريخها التي اكتوى بلظاها من قبلهم على مرأى و مسمع من العالم الشعب الليبي المغلوب على أمره.
إنها موجات نزوح عارمة من السكان الفقراء و المرهقين أصلا بفعل عوامل مناخية قاسية ، تحصل نتيجة مروعة و حتمية لهذه الحرب الشنعاء معززة حرب عناصر الطبيعة المعلنة قبلها منذ أم د والتي لا ترحم في منطقة جافة و نائية... فمن إذا غير فرنسا يجب أن يتحمل كامل المسؤولية عن تبعاتها الوخيمة؟
لقد كان من المفروض الممكن أن تتضافر جهود جيوش دول منطقة غرب إفريقيا بالتعاون مع جيوش دول المغرب العربي المعنية كلها بخطر القاعدة و الحركات التكفيرية الإرهابية المحسوبة زورا على الإسلام لتحاربها و تسترجع لدولة مالي وحدتها الترابية بشكل نهائي و دائم.

19. يناير 2013 - 14:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا