ما عاشه المواطن في ارجاء وطننا العزيز، هذا الأسبوع، من احتفالات واستعراضات مكلفة، ومعطلة لمصالح المواطنين في مختلف ربوع الوطن، حيث أصاب الإدارة والمصالح الإقليمية والمحلية، بل وحتى الوطنية الموكل تسييرها إلى منحدرين من أية مناطق مزورة، شلل شبه كامل؛ لم يكن ذلك في الواقع غير مستنسخة طبق الاصل، من التراث السياسي الكريه، لعهدي معاوية ولد الطائع و محمد عبد العزيز.، ولم يكن، ببساطة، فعلا حميدا.
لا تجد تبريرا لموجة الكارنيفالات، التي عمت مناطق الوطن، في غير موسم انتخابي، وعلى غير موعد أو توقع؛ فلا جديد هناك غير تحرك بعثات أعتيادية من الحزب الحاكم، تقوم بمهمة اتصالات تعبوية روتينية؛ فلا هي تبرر باي حال تعطيل مصالح المواطنين، بالحشود الكرنيفالية، ولا هي في وارد إقناع مواطن يحاصره ارتفاع صاروخي لكلفة الحياة، وانعكاسات مرهقة لوباء كورونا، ومٱلات مقلقة لملفات الفساد، بان تلك الاستعراضات تصب في صالحه، او تشكل معلما من خطة إصلاح تضمنتها تعهدات الرئيس..!!
في تنبدغه، بلغت الكرنيفالات ذروتها، اليوم، حين اوقفت الدولة الموريتانية، تقريبا- كل انشطة دوائرها وهيئاتها وسلطاتها ومفاصلها المختلفة، فاقفرت المكاتب والمعامل والمصانع والورشات، من متعهديها، فهي اليوم، خاوية على عروشها، فرئيس الدولة، وهو الرمز الأعلى في الدولة، قد حط الرحال في المدينة النائبة عن العاصمة، في مهمة فريدة وغير مسبوقة، تتمثل في الإشراف المباشر على معرض وطني تنموي للثروة الحيوانية الموريتانية، يتوقع على نطاق واسع ان يؤسس لسياسة تنموية حيوانية حديثة، تاخذ في الحسبان الفتوح العلمية ذات الصلة، وتحدد الغايات والاهداف وٱليات بلوغها باقل الخساىر.
المدينة التي باتت مقصدا لكل موظف سام في الدولة، وكل ساع لتلك الصفة سعيها، أضحت أيضا ملتقى للوفود، من كل الصفات، جاءوا من مختلف المناطق والجهات والاصقاع، لا لشهود انطلاق حدث وطني تنموي كبير (المعرض الوطني للثروة الحيوانية) وإنما لاستعراض اسمائهم، وقبائلهم وجهاتهم، وفصول تاريخهم، وتقديم مطالبهم ورغباتهم، والتباهي ببطولاتهم وقدراتهم، امام رئيس الجمهورية، وذلك مع الحمولة الزائدة من نواقض ومعوقات دولة القانون والحق والعدل، وجوالب التخلف عن ركب الحضارة الإنسانية الراشدة.
إنها منظومة الولاء المدفوع الثمن، والتقاليد المرعية في التقرب والازدلاف للرؤساء، ودعوى القدرة على الحشد والتاثير؛ وقد ارستها الوجوه ذاتها، منذ عقود، ثم زينوها وقدموها-تباعا- لمن استولوا على السلطة في حركات انقلابية، بلا رصيد من المشروعية السياسية، او من العمق الشعبي، فالتزموه، واجزلوا لهم الجوائز، من خلال انخراطهم في دواىر الفساد وااتبذير، والمناسبات الرسمية المختلقة لترسيخ مفاهيم القبلية والجهوية، وكل معاني "السيبة" حيث لا قانون ولا سلطان.. ولا حق، بل قوة غاشمة.
إنها الجوقة ذاتها، تكرر نفسها منذ اربعة عقود، فتلبس لكل متغير لبوسه، وتعزز قابليتها للتغير والتحول، مع مختلف الاوضاع، وكل المتغيرات، وجدارتها بتصدر المهرجانات، وإذكاء الصراعات القبلية والجهوية والفىوية، سبيلا لمحو ٱثار كلما بذل من جهد سياسي وإداري، وإعلامي، وتربوي، وفكري وثقافي، منذ النشاة، في سبيل إرساء دولة الحق والعدل والمساواة والمواطنة المتكافىة، والالتفاف على تلك الجهود المباركة، للعودة بالبلاد واعلها، مع اول سانحة، إلى نقطة الصفر من جديد.
السؤال اليوم ليس عن المنحرفين المحترفين، فهم معروفون بسيماهم، وفي لحن القول منهم، بل تكاد الاجيال المختلفة التي عاصرت فصولا من ألاعيبهم، تكاد تفضحهم، اسماء وانسابا، إنما السؤال الحائر فعلا، والمقلق خقا هو: هل نجح محركو كرنيفالات التيه تلك، في الزج بالبلاد، من جديد، في منزلقات التيه والفشل، بعد ان تنفس اهلها الصعداء، بوصول رئيس منتخب إلى السلطة، هم من اختاروه، وعليه عقدوا الٱمال العراض، بعد ان بسط لهم برنامجه وخباراته وتعهداته ووعوده وعهوده؟!
الارجح انهم لم ولن ينجحوا في ذلك، فالرئيس الغزواني كان قد قدم الدليل تلو الدليل على انه مدرك تماما لحجم وابعاد دائرة الفساد، حوله،. والتي مرد اهلها على المكر والتسلل من مختلف المسالك، مهما ضاقت، وشددت الحراسة حولها، وهو بلا شك اكثر إدراكا منا جميعا، لمدى تنوع أساليبها، وطرقها واساليبها في نصب فخاخها، والإيقاع بضحاياها، لكنه يدرك في المقابل، ان اذرع الفساد طويلة ومتمكنة، وان كنس ركامه عبر السنين، يتطلب خطة، وتصميما، ومضاء، كما يتطلب وقتا، والاولوية الٱن هي مفارقة طرق واساليب فاقدي المشروعية، من النظم العسكرية الفاسدة المتلاحقة؛ بانتهاج سلوك مختلف، بوجوه مختلفة، وشعارات مختلفة، واهداف وغايات مختلفة، وخطط وبرامج ترسي الإصلاح الموعود، ثم نفرغ بعدها لكنس الركام....!!