لا وقت إلا للانطلاق وإطلاق العنان للفكر ..للحياة ..للبناء
بهذ انبأ المفعول المطلق المتصدر للقصيدة ليدعمه الفعل المسند إلى البناء ..وأي بناء إنه بناء المجد ..ثم ما نلبث ان يُسرج الشاعر القمر سبيلا لمبتغاه مدعوما بآليات النصر المعتادة ( الزحف السيوف البيض ، الغرر استحضار الثأر)
زحفا إلى المجد يُبنى المجد والظفر
ومن طِلاب العلى أن يُسرج القمر
زحفا إلى الثأر ما أرض بباقية
إن لم تصنها السيوف البيض والغرر
ويتعزز مفهوم النصر بتراكم الصور الموحية بالزحف ثم الاشتعال حتى ولو طال المدى ! ذلك ما ينبئك به ياء النداء للبعيد (يا شنقيط )
زحفا إلى القدس .. إلى الثأر لاعز ا
يصان إذا لم تحمه ثورة الجياع والفِكر
زحفا إلى الثأر يا شنقيط واشتغلى
شعبية بضرام الفتح تستعر
ويستمر الحسم مع فعل الامر (اشتعلى ) وهذا الحسم بمثابة فتح مستعر غير عاد تمكن الشاعر من صياغته باستخدام تراكمى للأفعال الدالة على الأمر (ردى ، ارضعى، عضى ، رتلى ، تسنمي )
كل ذلك في المقطع الموالي :
ردي الحسام إلى احفاد صانعه
وارضعهم لِبانا كان يُدخر
عضى على الفكر ميثاقا وفلسفة
ورتليه بيانا ليس ينكسر
زحفا إلى الثأر يا شنقيط واشتغلى
شعبية بضرام الفتح تستعر
فالناصرية إيمان ومعركة لهيبها
منه هذا الأخضر القمر
ويستمر الشاعر في تنويهه بالفكر الناصري واصفا إياه بالمشعل المتجبر على ضوء الصبح فى قهر لظلام الجهل وتمزق والتخلف :
يا مشعلا فوق هام الصبح متقدا
يهدي إلى النور من بالنور قد كفر
هذى جماهير عبدالناصر انطلقت
زحفا إليك فكاد الأفق ينفجر
وينتقل الشاعر تدريجيا من الحسم إلى الاستلهام من الجماهير فى أبعادها التي منها الذاتي
انظر حواليك هذى أعين زرعت
بالرفض يلمع منها ..يقدح الشرر
انظر سواعد سمرا للعلى ارتفعت
واسمع حناجر منها القلب ينفطر
وكذلك فى امتدادها التاريخى والحضارى:
واسمع تقاسيم من صنعا وهمهمة
من جند مكة ذا عمرو وذا عُمر
سيف بن ذى يزن هذى حفيدته
وتلك بلقيْس فى الهيجا وذى نور
أما ترى عمر المختار ممتطيا
بلقاء من عيسنا يزهو ويزدهر
ثم يغوص فى الصور ذات الإيحاء الديني الضارب فى أعماق
التاريخ وذلك بآلية المكان ...وأي مكان؟
إنه البحر فى قدرته على الاحتواء على القهر ..خصوصا حين يأتي معززا بخيل الله وعقبة ابن نافع الفاتح العظيم.
وللبحر آفاقه الملهمة فمنه كانت نجاة موسى من اليم وكان التابوت وكان أن عثر سليمان علي خاتم النبوءة ولذلك جاءت شحنة البحر قوية تتنازعها مضامين الغيب وسكينة المكان وعبق التاريخ :
هنا المحيط وخيل الله مسرجة
وعبقة الفرد يغشاه فينتصر
فى كل موج تراتيل وادعية
والرسل تلفحها الآيات والسور
مازال يخطب فى الصحرا يعلمنا
معنى الفدا والهدى لازال يستعر
لازال يقسم أن يجتاز عيطله
هذا العباب ودين الله ينتشر
ولا تنتهي المضامين الفكرية والحضارية للقصيدة المستمدة من كنوز الذات الجماهيرية فى بعدها الحضاري والفكري كما لا تتناهى كنوز البحر وعُقبة يغشاه.. فكأن ما استشعر الشاعر هنا كل ملاحم التاريخ مخبأ فى المحيط (هنا ) فى غاياته الأسطورية والغيبية ..فتحضر الخيل مسرجة.. ولا تنسب لغير الله.. وتبرز التراتيل، والسور، وكأنها مخبأة فى الموج ... لنتعلم منها الفداء ...يأتي ذلك استشعار للمضايقة المشروع الحضاري الناصرى من قبل الخصوم وخاصة الأوساط الاستعمارية.
أما في المقطع الموالي فلا يكتفى بعظمة واسطورية المكان ( البحر )وإنما تتعدد الإيحاءات :
هنا الشناقطة العرب العلى اعتمرو
بيض العمائم في اللاواء ما حسرو
هنا المحيط وذا التاريخ مدٌَرعا
سفر العروبة لا زيغ ولا خور
عهدا على الزحف فالجولان موعدنا
والقدس غايتنا فالقدس تنتظر
زحفا الى كل مومأة ومنطقة
من أرض يعرب فالآلام تختصر
وإن وحدتنا الكبرى لآتية
لاريب فيها فتلك الوحدة القدر
فى هذا المقطع يلتحم الشاعر بالارض والساكنة معا ( هنا الشناقطة العرب ثم هنا المحيط وذا التاريخ)
ويأتي حضور المكان في اتحاده بالساكنة كمنطلق للحسم فى الصراعات الازلية ( هنا الشناقطة ،هنا المحيط ، ذا التاريخ مدرعا ) فحين تحضر كل هذه القرون فى جبة الدرع (وذا التاريخ مدرعا )فلا مجال للتراجع لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء والمكان لا ينهزم نظرا لخروجه عن سياق التنقل ياتى ذلك فى نسق تراكمي يخرج عن مفهوم ما هو محدد ومألوف ليتجاوزه إلى مفهوم المكان من حيث هو الشاهد على مسار الزمن ( زحفا إلى كل موماة ومنطقة
من أرض يعرب لا زيغ ولاخوَر )
تندرج هذه القصيدة ضمن الأدب السياسي وهي ملحمة قومية تجتر امجاد عدة قرون من العطاء لا لتختزنها فى ذاكرة الزمن، وإنما لتجعل منها شعلة دائمة لمستقبل مرسوم قدريا ووجوديا به وعد الله عندما قدر - وهو القادر - استخلاف الإنسان حسب منطق قدرته على هذا الاستخلاف وطموحه إليه (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ)
وفى قوله جل من قائل:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ)