عام 1968 أصدر د.لورانس بيتر وزميله كتابا تناول مبدأ سيُعْرَفُ فيما بعد ب :مبْدأ بيتر ,يقوم على فكرة ترقية الأفرادِ في الهرَم الوظيفي بصفة دائمةٍ مع ملاحظة أن الموظفين سيكونون لاحقا في وضْعِ عجْزٍ وفشلٍ عن أداءِ مهامهم.
ولأن غيرَ المتفائلين –وقد يكونون على صواب- يرون أن هذا يُمكنُ أن يتنزل علي واقع الترقيات عندنا أردْت طرق الموضوع ببعض من التخيُّل والتحليلِ.
وأنا أكتب تذكرت أنه سنة كذا تابعت مجموعةٌ نتائجَ مجلس الوزراء وقد جاء فيه تعيينُ رئيس مصلحة الترجمة بأحد القطاعاتِ ’فقال أحدُهم أتدرون ما معني هذا ؟ فأجابوا :هذا يفيد أنه لا يعرفُ العربية ولا الفرنسية.
رغم ما يثيره هذا من سخرية تماما كالمبدأ الآنف الذكر أودّ لفت الانتباه إلى بعض الأمور ومنها أن الترقية التي هي حقٌ طبيعي للموظف تكون بلا معني وبلا مسوّغ إن لم تخضعْ لمنطق معينٍ كالكفاءة والتجربة والعمر الوظيفي ونحو ذلك .
فمن يراكمُ خبراتٍ في مرفقٍ ثم يصبح مديرا لذات المرفق فهذا مقبول ومثله المتخصّص في مجالٍ بعينه حين يُعْهَدُ إليه بتسييره وكذلك الحائز على دبلوم أكاديمي إذ يفترضُ أن لديه استعدادا بالقوة للتكيّف مع الأمور .
أما إطلاق العنان في مسألة حساسة عليها عمادُ الدولة ونموها وجعْل الصدفة والجاه يتدخلان فيه ويحْكُمانِه فأمر اقل ما يقالُ عنه أنه في النهاية يدلّي الأمّة في وحْلٍ كريه يشعر فيه الموظف بأن وجوده والعدم سواء.
هذا ووددْتُ لو لم أتطرق إلى هذا حتى لا يُقالَ إنني مدفوع بغرض ذاتي ومع ذلك فهذا الإشكال وهو عند المستفيدين فتحٌ بحاجة إلى إماطة اللثام عن بعض جوانبه خدمة للموظف العمومي الذي لم تشفعْ له جدارتُه وتجربتُه أن يحْصلَ على إنصافٍ.
نحن لا نجادل في الصّلاحياتِ التي يمنحُ القانون للبعض في استصْدار قراراتٍ بموجبها يتم تعيينُ الأشخاصِ في الوظائف بل نبحث عن مسوغ مقبولٍ يكون قاعدة لأية ترقية تجنبا لتكريس مبدأ Peter) ) .
إن أوّل ما يجب على المكلّفِين بالتعيين أن يتحصل عندهم اليقينُ بأن فلانا جدير بالقيام بكذا واجبات بالنظر إلى مؤهله العلمي وتجربته اعتمادا على الواقع الأكاديمي .
والشرط الثاني أن تكون الحاجة لخلق الوظيفة ملحة لإصلاح القطاع المعني لا أن نخلُقَ الوظيفة ليتموْقع فيها المَحْظوظون .
إن العدل في الترقيات بعيدا عن الصّلاحيات التي تمنحها النّصوص يجب أن يتم من خلال الأخذ بالتجربة والعمر الوظيفي والولاء السياسي أيضا على أن لا يطغي الأخيرُ على الأوّليْن .
ومن دون تلك المنطلقات ستجلب الترقية عديدَ المتاعبِ كأن يفقدَ العمالُ الثقة في النفسِ ويعلموا أن ضاربَ الجدارة والتجربة لا يعوّل عليه وأن النفعَ كله لمن أراد أن يترقي كامنٌ في ذوي القربى وأصحاب الجاه فبهم وحدهم يحصل للمرءِ ما يريدمول وعدم العطاء ذ بالتجربة والعمر الوظيفي والولاء السياسي أيضا على أن لا يطغي غاءهم المسيطرون وا عمل الموظفين فهم أيضا م.
زِدْ عليه مناخَ التنافر والتباغض الحاصلِ ضرورةً بين العمّال لشعورهم بالغُبن حين يلحظون عدم الاكتراث بالتسَلسُل الهرمي الوظيفي.
وبموجبه يبقى القطاع مشلولا بالنظر إلى فقدان شهية العمال للعمل فيه بسبب ما ذُكرَ وسدّ الأفقِ بشكلٍ كاملٍ.
أكاد أجزم ومعي الكثيرون أنه من دون عدالة في توزيع ترقيات الأربعاء فلن يمكننا استبشارُ إدارة ناجحة وهي لعمري لابدية لأيّة تنمية مستدامة ترتقي بالبلد الستيني إلى مصافّ الدّوّل الطّامحة للنّمو.
صحيحٌ أن ترقية موظفين تجلب علاواتٍ هم بحاجة إليها لكنها حين تتمّ خارج أطر الجدارة والعلم يكون ضررُها العام أكبرَ من نفعها.
وبما أن الكثير من التعيين هو بغرض الامتياز المادي فلا بأس في استحداث بابٍ ميزانوي خاص بذلك لنجنب به ك وياي استحداث بابالقطاعات الحكومية متاعب متربة حتما عن جعْلِ موظفٍ في قطاعٍ لا يناسبه .
وموضوعيا هذه المظاهر ليست وليدة صدفة ولاهي صادرة عن نظامٍ بعينه بقدر ما هي ظواهر اجتماعية لا تعرف الزّمن ومرتبطة بالوراثة -إن كانت الظواهرُ الاجتماعية تورثُ-.
ولأن هذا الحالَ المعيبَ بحاجة إلي مواجهة بعدما استفحل وخرج عن السيطرة فإن رئيس الجمهورية هو من يملك صلاحية قرار مواجهته والقضاء عليه عبر برنامجٍ مدروسٍ.
صحيحٌ أن اللّين في الحكم مطلوبٌ وفي القرارات أيضا إلا أنه حين يتعلّق الأمر بالمصلحة العامة يكون الحزمُ أولى كما أنه كلما كان أبْكرَ كان أفيدَ.
آمل أن أكون به فتحْتُ بابا ظلّ موصدا لا يريد أحدٌ فتحه :المستفيدون بسبب أنه يخدمهم والمغبونون خشية أن تصبحَ أسماؤهم مشطوبة باللّون الأحمر.
أدام الله عافيته علي الجميع...