أشرف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الأربعاء الماضي في مدينة تنبدغه على معرض للثروة الحيوانية، وقد كان كل ما تم عرضه في هذا اليوم من مكتسبات " عشرية الفساد " أو " العشرية السوداء " أو عشرية التدمير " حسب الخصوم الشخصيين لقائد هذه العشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعشرية نقلة النماء والإستقرار حسب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نفسه يوم تنصيبه مستشهدين بقوله : " كما ان السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني ان اسجل نيابة عن الشعب الموريتاني وأصالة عن نفسي شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من انجازات تنموية شاهدة ومن مكاسب سياسية وديمقراطية رائدة، فقد شكلت بحق فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار بالنظر الى ما حقق فيها من انجازات بنيوية عملاقة وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي الى بر الامان، فله منا جميعا التهنئة الخالصة والشكر المستحق ".
وهكذا نجد أن الرئيس تجول ليوم كامل في هذه المكتسبات الماثلة التي لا تمثل معروضات هذا المعرض إلا جزء يسيرا منها وبالذات ما يخص التنمية الحيوانية من تلك المكتسبات، حيث كان كل جناح من أجنحته يمثل بنية قائمة من بنى تطوير وعصرنة الإنتاج الحيواني، ولنلقي نظرة على تلك المعروضات وسنجد أنها كلها كانت ترجمة ونتيجة لسياسات رُسمت، وحصيلة لمشروعات قامت خلال العشرية الماضية.
* فمصنع الألبان في النعمه الذي عُرضت منتجاته وآفاق توسيعه وتطويره هو من مكتسبات العشرية الماضية.
* وأجيال الأبقار المُحسنة وراثيا ذات الإنتاج المُضاعف من الحليب، وذات النضج التزاوجي المبكر، وذات العجول المُضاعفة الأوزان هي من إنتاج محطات التحسين الوراثي التي توزعت في الولايات الرعوية خلال العشرية الماضية.
* ومعروضات التعاونيات من أنواع منتجات الألبان ومشتقاتها هي معروضات من إنتاج الوحدات الخفيفة لصناعة الألبان التي استلمتها كل من وزيرة التنمية الريفية لمينه من القطب ولد أممه، ووزيرة البيطرة فاطمه فال منت اصوينع من منظمة " الفاو " والمنظمة العربية للتنمية الزراعية خلال العشرية الماضية، وتم توزيعهما في المناطق والقرى لإنتاج الألبان ومشتقاتها من قطعان المجترات الصغيرة والأبقار.
* والمعروضات من الأعلاف الخضراء في صورة " سيلاج " التي هي أعلاف نباتية مُعالجة كيميائيا ومحفوظة في صورتها الطازجة الخضراء، أو في صورة " خرطان " التي هي أيضا أعلاف نباتية ولكنها مجففة ومحتفظة بقيمتها الغذوائية، فهذه الأعلاف هي من إنتاج مزرعة الأعلاف في مقاطعة انبيكت لحواش التي استحدثها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأقام فيها مزارع للخضروات والأعلاف الخضراء بنظام الري المحوري.
* والمشروع الجهوي لدعم النظام الرعوي في الساحل ( PRAPS ) الذي يساهم في جانب من تدخلاته في تطوير الثروة الحيوانية هو مشروع وقع وزير الإقتصاد والمالية السابق المختار ولد أجاي اتفاقية تمويله مع الوكالة الدولية للتنمية في 8 ـ 2 ـ 2018 وانطلقت تدخلاته سنة 2019.
* ومشروع تعزيز القدرات لمجابهة انعدام الأمن الغذائي في الساحل بموريتانيا هو مشروع بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية أنطلقت نشاطاته في 14 ـ 3 ـ 2016، ويتدخل في الأستصلاحات الريفية على مستوى ولايات كوركول وغيدي ماغا، واستصلاح وحدات إنتاج الخضروات ودعم الأعلاف وحفر الآبار الارتوازية ودعم الأسر الضعيفة وتزويدها برؤوس الحيوانات الحلوبة بغية تثبيت السكان المستهدفين في أماكنهم الأصلية.
* كما كانت حاضرة في المعرض منتجات مصنع تمور موريتانيا الذي افتتحه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في أطار يوم 27 ـ 8 ـ 2018. إلى غير ذلك من الأجنحة والمعروضات المجسدة لما حققته العشرية من إنجازات ومكتسبات في مجال الإنتاج الحيواني والمجالات الأخرى الخادمة لتطويره وزيادة مردوديته.
* وحتى الجناح الخارج عن إطار موضوع المعرض، أي جناح الشركة الوطنية للكهرباء، وما قدمه وزير الطاقة من توسعة للشبكة الكهربائية غربا باتجاه تنبدغه، وشرقا باتجاه انبيكت لحواش، وجنوبا باتجاه آمرج وعدل بكرو سيكون انطلاقا من المحطة الكهربائية الهجينة بقدرة 5.78 ميغاوات التي دشنها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مدينة النعمه يوم 27 ـ 11 ـ 2018 بمناسبة الذكرى 58 لعيد الاستقلال الوطني.
وقد عبر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في حديثه أمام سكان تنبدغه عن إعجابه بما شاهده خلال هذا المعرض قائلا " لا أخفي عنكم أن ما اطلعت عليه اليوم في هذا المعرض من مشروعات وبُنى وورشات أعطاني أملا كبيرا في قدرتنا على تثمين ثروتنا الحيوانية ".
والحقيقة أن من يتحدثون دوما عن تطوير ثروتنا الحيوانية، ويتساءلون لماذا لا نكتفي من الألبان، ولماذا لا نُصدر اللحوم، لا يضعون العربة أمام الحصان فحسب، بل يضعونها أمامه وعلى مسافة كبيرة منه.. فهم أنفسهم من يساءلون لماذا لا نُصنِع حديدنا ونصدره مكورات بدل تصديره خاما! ولماذا لا نُصنع أسماكنا ونُصدرها تونه وسردين! وهم أنفسهم الذين يرددون تلك المغالطة الكبيرة ويقولون ( بلد غني وشعب فقير )، وهم في الغالب إما أناس بسطاء لا يدركون أولويات ومراحل ومقومات التنمية، أو سياسيون يستغلون تغفل البسطاء بغية استمالتهم وتثويرهم على الأنظمة والحصول على أصواتهم، فيقولون لهم بلدكم غني وقادر على التكفل بحاجيات كل فرد منكم وهو نائم في فراشه، فقط لا يوجد من يهتم بكم ونحن القادرون على ذلك..! بينما الواقع أن بلدنا، بالمفهوم العصري والحقيقي للغنى القومي للدول، ليس بالغني ولا هو بالقريب من ذلك، وقد قلنا ذلك مرارا وقاله غيرنا من الواقعيين العارفين بمعنى ومحددات غنى الدول وفقرها.
فبالله عليكم كيف يمكن تطوير ثروة حيوانية أو معدنية أو سمكية أو زراعية، بل كيف يتم تطوير وتثمين أي إنتاج، أو قيام صناعة، أو خلق تشغيل، أو تطوير صحة أو تعليم دون خلق مقومات لذلك أولا، وفي مناطق كان بشرها قبل مواشيها وإلى وقت قريب يتصايحون عطشا، وتنعدم فيها الشبكات الكهربائية، ويتطلب السفر بين مدنها ومناطق إنتاجها أياما بسبب العزلة وانعدام المواصلات!
نعم نكتفي ذاتيا من اللحوم الحمراء بينما نستورد الألبان ومشتقاتها، لكن لماذا لا تطرحون السؤال على أنفسكم لماذا؟! إن السبب في ذلك هو أن الإكتفاء من اللحوم الحمراء لا يتطلب ما يتطلبه الإكتفاء من الألبان، فقط رؤوس مواشي يتم جلبها من الريف إلى المدن ليتم ذبحها وتوزيعها في الأسواق في نفس اليوم، بينما لا بد للإكتفاء من الألبان من سلاسل إنتاج لا يمكن أن تقوم دون بُنى تحتية من طاقة لتشغيل المصانع وحفظ الإنتاج، ولا بد لها من مياه وفيرة ومستديمة للمواشي نفسها وللتصنيع، ولا بد لها من شبكات طرق لنقل الحليب في ظروف جيدة إلى مناطق التصنيع ونقل الإنتاج إلى مناطق التسويق، ولا بد لها من نمط تربية حيوانية قائم على الحظائر المستقرة طوال العام، ولا بد لذلك الإستقرار من ظروف وشروط تقوم على توفير الأعلاف الصناعية أو الخضراء تُغني القطعان عن التنقل والترحال بحثا من المراعي، مع العناية الفائقة بصحة الحيوانات حتى تكون منتجة أولا، وحتى يكون إنتاجها صحيا ثانيا، وحتى يمكن الحديث عن تصدير إنتاجها ثالثا..!
وهذه الظروف والبُنى التحتية من طاقة ومياه ومواصلات لم تكن متوفرة في هذه المناطق قبل اليوم، واليوم فقط، وبعد وضع هذه المقومات بهذه المناطق أصبح بإمكاننا الحديث عن تثمين هذه الثروة وتطويرها وقيام صناعات على إنتاجها إذا استكملنا أو عملنا على ما لا يزال عائقا لذلك من إقامة الحظائر المستقرة، وتوفير الإعلاف الجيدة، والعناية بالصحة الحيوانية، والتوسع في برنامج تحسين السلالات، هذا البرنامج الذي سمعت وزير التنمية الريفية يقول، ربما طبقا لعادته في تبخيس كل ما وجده أمامه للظهور بأنه الآتي بما لم تستطعه الأوائل.. سمعته يقول إنهم سيلجؤون بدل التحسين الوراثي في الحظائر إلى جلب الطلائق ( الثيران ) من الخارج وإطلاقها في الأبقار المحلية، ولا أعرف إن كانت تلك الطريقة ستُعطى نتائج، فأولا الهدف من عمليات التحسين الوراثي للأبقار هو إنتاج سلالات تأخذ صفات الإنتاجية العالية من الحليب واللحوم من جينات السلالات الأجنبية، وتأخذ في نفس الوقت صفات تحمُّل الظروف المحلية من جينات السلالات المحلية المُتكيفة، وجلب طلائق أو ثيران تربت في بيئات مختلفة لتجد نفسها في ظروف أخرى لن يكون مضمونا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمليات التحسين الوراثي للمواشي تتم وفي كافة أنحاء العالم في حظائر عن طريق أخذ النطاف من الطلوقة ( الثور ) الحامل للصفات الوراثية الجيدة واستخدامها في تخصيب أبقار مُعدة لذلك ومتابعتها غذائيا وصحيا طيلة فترة الحمل، وهو ما سيكون من الصحب تحقيقه في ظروف الرعي المفتوح، خصوصا في ظروف الرعي السائد في بلادنا والنقص الكبير في الخبرة والأطقم البيطرية المُدربة.
لابد كذلك من التوسع في برنامج زراعة الأعلاف الذي بدأ الاهتمام به خلال العشرية الماضية، وهناك مشروع يتم الحديث عنه منذ سنة 2017 هو مشروع قناة لبراكنه الذي سيربط بحيرة ألاك بالنهر، والذي في حالة تنفيذه سيمكن من ري عشرات آلاف أو مئات ألاف الهكتارات من الأراضي الصالحة في السهل الممتد بين بوكّي وألاك، وينبغي التركيز في هذا المشروع على زراعة الأعلاف الخضراء كون ولاية لبراكنه تأوي ثروة حيوانية معتبرة خاصة من الأبقار، علاوة على أنها تتوسط الولايات الرعوية وبإمكانها أن تُصبح مركزا لإنتاج وتوزيع الأعلاف الخضراء غربا لولاية اترارزه، وجنوبا لولاياتي كوركول وكيديماغا، وشرقا لولايات لعصابه والحوضين، ولن تعطي كل هذه الجهود نتائج تصب في هدف تطوير وعصرنة الإنتاج الحيواني إلا بالعمل على تغيير عقليات المنمين، ذلك التغيير الذي لن يتحقق بانتظارنا له إلى أن يتحقق من تلقاء نفسه، بل لابد لتحقيقه من قرارات " ثورية " تُشعر المنمين أنه لا يمكنهم الخلط بين المطالبة بتطوير وتثمين ثروتهم، وفي نفس الوقت التمسك بأنماط تربيتهم التقليدية، فالمثل يقول إنك عندما ترقص مع الأعمى فلابد لك من أن تلمسه لكي يشعر بأنك تُراقصه..