ترتبط السياسة بحياة الناس وبدينهم ارتباطا لن ينفك قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها،
وكما يقول إمامنا الأكبر العلامة بداه بن البصيري –رحمه الله- (دين بلا سياسة لا يستقيم، وسياسة بلا دين عار الدنيا ونار الجحيم) ولهذا اختارها الصالحون مطية لتحقيق طموح المواطنين وحل مشاكلهم، والتحدث بمعاناتهم لإنهائها وإبدال الأحزان براحة النفس وصحة الأبدان، وركب أمواجها المحتالون والنفعيون لتحقيق مآربهم الشخصية ولو على حساب كرامة المواطن، وتفننوا في ذلك عبر الزمن حتى باعوا مقدرات الوطن بثمن بخس، وقايضوا بمواقفه بللا تندى به جيوبهم، وهنا يتحتم عدم إخلاء الساحة لهؤلاء عزوفا عن الفاعلية السياسية؛ كي لا يستأسد الثعلب أو يستنسر بأرضنا البغاث، بل تجب مواجهة هؤلاء والوقوف في وجههم ومنعهم من الوصول إلى أماكن التدبير والتسيير، فلا معنى للنوم السياسي في حالة كهذه، بل الإحجام عن المشاركة السياسة هو عدائية ذاتية يخون بها المرء ذاته قبل وطنه ويفتح فرصة للصوص لنهبه وتخريبه متى وكيف وأنى شاءوا.
إن المتتبع للمشهد السياسي اليوم سَيُبْهَتُ لعدم خجل من يضافون مجازا إلى السياسة وهم يُغوون ويتحالفون مع من ساسوا البلاد إلى خراب وأكلوا يابسها قبل الأخضر، حينما انتزعوا اللقمة من فم الفقير المسكين وجعلوها علامة لهم في الأبنية والقصور!!
من المؤسف على هذه البلاد أننا نشاهد ناهبها بالأمس القريب يضع يده في يد من شارك في تخريب نسيجها الاجتماعي، وأذكى جذوة حمية الجاهلية، وأيقظ الفتنة؛ وملعون من أسند إليه فعلها، لكن المفرح في هذا التحالف الذي اجتمع على مبدأ السلب؛ هو أنه سند للضعيف على الأضعف وهو المؤدي حتما إلى سقوط الضعيفين، يتحرك الرئيس السابق بقوة دفع يغذيها غرور الماضي على خواء، وهو المدرك حقيقةً قبل غيره أنه يعيش كما ينبغي له أن يعيش تماما خِلْواً من أية أداة للنصر أو التمكين، فهو المنبوذ والمهجور.
يتحدث عن الأخلاق!، وعن أي أخلاق يتحدث هادم الأخلاق، بالي السرائر، المتلذذ بتعميم خصوصيات الناس، عن الأخلاق يتحدث وكلامه المهين للشيخ الوقور الرئيس السابق: سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله؛ مازالت الآذان بها بقية قروح منه!، وحكاية شجه لخده ودمه السيال من فمه؛ الذي قيل أن الشيخ الوقور –رحمه الله- يعفو كل شيء إلَّاه.
وربما تكون هذه اللعنة هي التي تطارد الرئيس السابق؛ بالإضافة إلى حقوق الفقراء والمعوزين والمحرومين الذين خدعهم بالتقرب منهم ظاهرا وأكل أموالهم فيما بعد، واستمرأ إفقارهم بعد رفع الشعار المشؤوم (رئيس الفقراء) الذي لم تكن حقيقته إلا رئيسا يأكل الفقراء.
هل حفظ طالب العهد اليوم عهدا للسنوسي أو منحه ذرة وفاء؟ كلَّا؛ بل استوفى بيعه في سوق نخاسة الأخلاق والغدر، ووفى قبض ثمنه، وزاد به الحطام الزائل الذي يجمع حوله بنهم منقطع النظير أورثه جيرته ومقربيه، لكن العيب يتعداه إلى من درَّسوه إذ لم يحفظ عنهم حديث أم هانيء.. (لقد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت).
لقد كان الرجل حاضرا سلبا في كل شيء ارتجالا، زاحم البواب في مهامه؛ أدخل رأسه مع كل موظف إفسادا لا إصلاحا، أمرا في غير محله أو نهيا عمَّا يتوجب لزاما فعله!.
كان الرجل تاجرا يُبيح لنفسه ووكلائه كل الامتيازات غير المشروعة، وهذا ما يظهر دون الحاجة إلى دليل من خلال الامبراطوريات المالية التي بناها أفراد قلة لهم به أقرب صلة؛ وهذا وحده يكفي لإدانته وإعراض الناس عنه، حتى من لم تكن له بصيرة سيهتدي إلى أن الرجل عبث بمقدرات الدولة لحظة كان يفترض به صيانتها وفي وقت خافه الجميع وكان بإمكانه الإصلاح لكنه آثر الإفساد وإشباع شغاف القلب المريض بحب ما اشتدت حرمته من لعاعة الدنيا؛ التي لن تنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إن الذين يجالسون الرئيس السابق أو يؤاكلونه إن وجدوا؛ إما أنهم لا يقدمون له نصحا، أو أنه هو لا يحب الناصحين...
لقد حظيت الدولة في عهد الرجل بكثير من التمويلات وأصبحت مسرحا للصفقات، وكان بالإمكان انتشالها من القاع، لكن الرجل فعل ذلك لنفسه وأحكم إبقاء الوطن في الوحل بالديون الخارجية وتبديد المال العام، وكان حظ المواطن المغلوب على أمره؛ زيادة الدين على عاتقه مقابل زيادة أملاك الرئيس السابق وحلقته الضيقة، ولو أنا استعملنا ميزان المحاسبة عند فاروق الأمة وأعملنا زر من أين لك هذا؛ لكفينا أنفسنا مؤونة الجدل حوله، فلا هو بذلك يستحق حبرا سيالا ولا تحركاته السياسية تزن وقت ترديدها بين الناس؛
الرجل لا يعدو بتحركه الأخير كونه ثعبانا حرّك رأسه فارتمى في أحضان حية نومتها الهزائم السياسية المتتالية، والمتاجرة بحقوق الأبرياء وأكلِ ثمن شرفهم وصدقهم وبراءتهم بمنتهى السفالة وخبث الطوية، أيحسب هؤلاء أن أوزارهم تجاه المجتمع تبخرت؟ أم يحسبون أذهاننا ذاكرة مؤمس أو أخيلة دجاجة؟.
سيدي الرئيس ندرك تمام اليقين أنك لن تكون ناهبا نهما متعجرفا كسابقك الذي راهن على صلابته فقط فكسرته أطماعه، لكن عليك أن لا تبقى أنت كما كنت قبل الرئاسة؛ لينا، حكيما،عطوفا، حنونا، فمن اللين ما يظن الطامع سهولة بلعه، نريدك بالإضافة إلى ذلك شيئا أخر عندما اختارك الله لأن تكون كذلك؛ أنت تعرفه ونحن نطلبه، ومصلحة وطن مطحون مواطنه، مسروقة موارده، خربه اللصوص والأكلة الكبار أنت أدرى بها، ونحن لزاما نتكيف معها.. والله الموفق والمعين.